تعتبر الميزانيات مهمة جدًا لكونها مؤشرات صحة مالية، إذ تعد عملية إنشائها والاحتفاظ بها مهمة للتمكن من تعقب الإيرادات ومقارنتها مع المبالغ المتوقع إنقاقها في المستقبل، إضافةً إلى ذلك تعطي الميزانيات صورًا توضيحية للصحة المالية للجهة التي تُعدها، لذلك عندما يكون معدل الأموال المنفقة أو المدين بها أكبر من الإيرادات تقع المشكلة ويبدأ العجز بالظهور، لكن العودة إلى المسار الصحيح ليس بالأمر الصعب عند استعادة السيطرة على الأموال المنفقة، لكن تكمن الصعوبة الحقيقية عند محاولة موازنة ميزانيات دول بأكملها.
تعاني العديد من الدول حول العالم عجزًا في ميزانياتها، الذي يعني معاناة هذه الدول من معدلات إنفاق أكبر بكثير من الإيرادات التي تدخل إلى ميزانياتها.
في هذا المقال ستكون الدول التي تحتل المراتب الأولى في معدلات عجز الميزانية محلًا للدهشة، إذ إنها تعمل وتدار ضمن منطقة الخطر بحسب الأرقام التي جُمعت من كتاب الحقائق العالمي لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وقد حُسبت هذه الأرقام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (GDP).
ما هو عجز الميزانية ؟
يحدث عجز الميزانية عندما يتجاوز الإنفاق الحكومي الإيرادات، وتحسب بشكلٍ سنوي.
مصطلح العجز معاكس لمفهوم الفائض الذي يحدث عندما تتجاوز إيرادات الحكومة نفقاتها. لذلك يعكس مصطلح العجز الصورة الكلية للحالة المالية والاقتصادية لبلدٍ ما، إذ يمكن لها أن تشير إلى الإنفاق العالي للحكومة أو إلى الاستخدام غير المجدي للسياسات الاقتصادية، لذلك من الشائع سماع بعض السياسيين يتحدثون إلى وسائط الإعلام ولومهم على العجز المتصاعد أو المعدلات المتزايدة للعجز القومي.
على سبيل المثال قد يكون تخفيض الضرائب واحدًا من العوامل المبهجة للمواطنين، لكنه يؤدي في الوقت نفسه إلى انخفاض الإيرادات وينتج عنه ارتفاع في العجز القومي، لكن من جهة أخرى يمكن أن يكون عجز الميزانية السبب للتطور الاقتصادي خاصةً عند إنفاق الحكومة على تحسينات مثل البنية التحتية، لذلك ومن أجل تعويض هذا الفرق بين النفقات والإيرادات، يمكن أن تقرر الحكومات الرجوع إلى مدخراتها أو إصدار سندات خزينة تُحسب معدلات فوائدها بناءً على التقييم السوقي لمقدرة البلد المُصدِر لها على تسديد هذا الدين، لهذا السبب تُفرض معدلات فائدة عالية على البلدان التي تعاني من عجزٍ متصاعد خاصةً عند افتقار هذه البلدان لمدخراتٍ كافية.
أخيرًا، يعتبر العجز المُشكّل الأساسي للدين القومي لبلدٍ ما، لذلك في كل عام يحدد العجز أو الفائض مسار هذا الدين، وترتبط حالات العجز هذه بشدة بالاقتصاد الأوسع للبلد، ما يؤدي إلى ارتباطها بالاقتصاد العالمي ككل بسبب تشابك المجتمعات.
1- تيمورليستي (تيمور الشرقية):
تقع تيمورليستي أو تيمور الشرقية في جزيرة تيمور وتبعد حوالي 375 ميلًا عن أستراليا، احتلت إندونيسيا هذا البلد الصغير ونالت استقلالها التام في القرن الواحد والعشرين عام 2002 بعد أن استعادت السيطرة على أراضيها في عام 1999، يملك هذا البلد الذي يقع في جنوب شرق آسيا أعلى معدل لعجز الميزانية عند حسابه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت النسبة التقديرية في عام 2017 (%75.5-) من الناتج المحلي الإجمالي.
تأتي إيرادات هذا البلد بشكلٍ أساسي من الصناعات المُعتمدة على استخراج النفط والغاز البحري، وتكمن المشكلة الاقتصادية في صعوبة دفع الجانب الاقتصادي المستقل عن قطاع الطاقة، إذ ارتفع الإنفاق الحكومي بين عامي 2009 و 2012 ولكنه انخفض بعد عام 2018، تُركز الحكومة إنفاقها على البنية التحتية مثل مشاريع الكهرباء والطرق.
2- كيريباتي:
يقدر العجز القومي لهذا البلد لعام 2017 بنحو %64.1- من الناتج المحلي الإجمالي، وتقدر إيراداتها بنحو 151.2 مليون دولار في حين تجاوز إنفاقها هذا المقدار ليصل 277.5 مليون دولار.
كان هذا البلد الواقع في جزيرة في أوقيانوسيا مستعمرةً بريطانية سابقًا، ثم نال استقلاله في عام 1979 وانضمت للأمم المتحدة عام 1999، ووفقًا لكتاب الحقائق العالمي، لدى هذا البلد عدد قليل جدًا من العمال المهرة وبنية تحتية ضعيفة، إضافةً إلى موقعه النائي والبعيد الذي يجعله بعيدًا عن الأسواق العالمية ما يجعله معتمدًا بكثرة على المساعدات الأجنبية. تركز الحكومة على تطوير اقتصادها عن طريق الإنفاق على البنية التحتية ومشاريع النظام الصحي.
3- فنزويلا:
يعتمد الاقتصاد الفنزويلي بشكلٍ كبير على قطاع الصناعات النفطية، الذي يشكل نصف إيراداتها، إذ أثر انخفاض أسعار النفط الذي بدأ عام 2014 على عوائدها والذي أدى بدوره إلى أزمة اقتصادية، وأدى إلى تخلف الحكومة الفيدرالية عن دفع بعض ديونها، إضافةً إلى ارتفاع معدلات التضخم بحدة وانخفاض احتياطيات البنك المركزي.
قُدرت إيراداتها عام 2017 92.8 مليار دولار مقارنةً بنفقاتها التي كانت 189.7 مليار دولار، ما يعني وجود عجز بمعدل 46.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
4- بروناي:
تقع بروناي في جنوب شرق آسيا، على الساحل الشمالي لجزيرة بورينو، وكانت في السابق تحت الحماية البريطانية قبل أن تحتلها اليابان بين عامي 1941 و 1945، نالت استقلالها عن المملكة المتحدة وأصبحت دولة ذات سيادة عام 1984.
تعد موارد الطاقة والاستثمارات الأجنبية الكثيفة المحرك الاقتصادي لبروناي، لذلك تصر الحكومة على تنويع أنشطتها الاقتصادية بعيدًا عن قطاع الطاقة ليشمل تصنيع المنتجات الحلال إضافةً إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
سجلت الحكومة عجزًا في الميزانية في عام 2017 بمعدل %17.3- من الناتج المحلي الإجمالي، إذ قدرت إيراداتها بنحو 2.245 مليار دولار ونفقاتها 4.345 مليار دولار.
5- ليبيا:
قدر عجز الميزانية لهذا البلد الذي يقع في شمال أفريقيا لعام 2017 بنحو %25.1- من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت الإيرادات 15.78 مليار دولار والنفقات 23.46 مليار دولار.
يعتمد الاقتصاد الليبي بشدة على إيرادات الصناعات النفطية مثل جميع دول المنطقة لكنه عانى العديد من الانتكاسات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي وانخفاض إنتاج النفط، ينتج هذا العجز في الميزانية من دفع الرواتب والإعانات المالية الحكومية لمصاريف الغذاء والطاقة.
اعتبارات خاصة:
وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى في عجز الميزانية مقارنةً بباقي الدول الأعضاء، إذ قدر عجزها لعام 2017 بنحو %3.4- من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت إيراداتها 3.315 تريليون دولار ومصاريفها 3.981 تريليون دولار، وكان رصيد حسابها الجاري لعام 2019 (480.225-) مليار.
تبع الولاياتِ المتحدة كلٌّ من إسرائيل واليابان وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
الخلاصة:
تحدث حالات عجز الميزانية عندما يتجاوز الإنفاق الحكومي الإيرادات، بينما يعني الفائض إنفاقها أقل مما تتلقاه، وعادةً ما تشير معاناة الحكومة من عجز في الميزانية للصحة المالية لهذا البلد أو للسياسات الاقتصادية الضعيفة، لكن لا تعد هذه الحالة صحيحة دائمًا، إذ يمكن أن يشير الإنفاق المفرط إلى رغبة الحكومة في تشجيع النمو الاقتصادي، خاصةً عندما يرتكز الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتنمية سوق العمل.
اقرأ أيضًا:
العجز الاقتصادي: ماذا يعني وكيف يحدث وما مخاطره؟
ترجمة: لميس عبد الصمد
تدقيق : إدريس زويتن