الجواب قد يكون شخصيًا ولكن الرياضيات الضمنية ليست كذلك.
أشرطة التسجيل عادت للظهور خلال العقود الماضية، وبعض من الفضل في ذلك يعود إلى الميول الدارجة والشائعة للتوجه إلى الخلف في كل شيء، ولكن محبي الموسيقا يدّعون غالبًا أن التسجيلات تبدو أفضل من الموسيقا الرقمية، لقد ساهمت بنفسي في دعم مبيعات أشرطة التسجيل بعد أن وجدت مجموعة أشرطة تسجيل أمي القديمة في منزل عائلتي، المجموعة بحد ذاتها لم تكن مثيرة للاهتمام ولكن فكرة الاستماع إلى التسجيلات نفسها التي كانت تسمعها عندما كانت مراهقة جعلني أشعر بأنني أسافر عبر الزمن.
لذلك قمنا بشراء مسجلة وتذكرت بوضوح عزف فرقة Beatles’ Sgt وفرقة Pepper’s Lonely Hearts Club حيث كنت قد سمعت هذه الأغاني مئات المرات، ولكن عندما حدث تنافر النغمات في نهاية أغنية A Day in the Life” لفرقة The Beatles لم تكن هي ذاتها التي سمعتها من قبل حيث بدت لي أكثر عمقًا وأهمية وكأنه أصبح هناك أصوات جديدة فيها، كنت مرتبكًا من الادعاءات التي تقول بأن vinyl بدا أفضل لذلك تفاجأت بما سمعت أن هناك فرق، وكوني شخص علميّ التفكير لا أميل إلى نقطة بحد ذاتها ولكن التجربة أثارت فضولي.
إذا ما هي ظاهرة vinyl ؟ هل تقوم التسجيلات بالفعل وبشكل أساسي بتشكيل أصوات غنية أكثر، لكي نجيب بشكل أوضح على هذه الأسئلة نحتاج في البداية أن نعرف ما هو الصوت وكيف نسمعه؟
كل الأصوات هي عبارة عن اهتزازات في الهواء، من المحتمل أنك رأيت تمثيلًا لهذه الأصوات كبيان يحتوي على قمم وانحناءات، هذا البيان يسمى الموجة الصوتية، وهي تبين مقدار ضغط الهواء في نقطة معينة مع الوقت والهواء الذي يتم تشويشه بسبب مصدر صوتي معين يُركّز عبر القناة الأذنية إلى غشاء رقيق يسمى بطبلة الأذن، الهواء المهتز يسبب ارتجاج طبلة الأذن إلى الأمام والخلف بالترتيب نفسه الذي تتوزع في الهواء وهذا الترتيب يُرسل إلى الدماغ ليُفسر على شكل صوت.
الأذن البشرية كانت الملهم الأوّل لأجهزة تسجيل الصّوت الأولى، والتي اختُرعت في عام 1857 بواسطة Édouard-Léon Scott de Martinville، وكانت تسمى هذه الآلة ب phonautograph.
ومُثّلت الأذن عن طريق بوق يأخذ الهواء إلى الأسفل إلى قطعة رقيقة من ورق شبيه بالرق كما يحدث في طبلة الأذن، تتأرجح الورقة عندما يصطدم بها الهواء المهتز، ولكن في ال phonautograph تنقل الحركة من الورقة إلى إبرة متصلة بها ثم إلى قطعة من الورق تسجل الرسومات التي تسببها الإبرة، كل خطوة في هذه العملية هي نقل فيزيائي للاهتزاز من قطعة ورقية إلى أخرى وبذلك تكون النتيجة النهائية عبارة عن منحنى يبين التغيرات في ضغط الهواء الذي يسببه الصوت الأصلي، حقيقة أن الرسومات يمكن أن تحتوي على معلومات كافية لإعادة تشكيل الصوت المسجل لم تحصل مع de Martinville أو زملائه.
ظهرت خاصية الاستماع المتكرر في عام 1870، عندما ابتكر المخترع الفرنسي شارلز كروس Charles Cros فكرة أن يقوم بنقل تسجيلات ال phonautograp ووضعها على قرص، إذا قمت بعملية تقريب على خط معين على القرص والخاص بأحد تسجيلات vinyl ونظرت إليها من الجانب فإن الشكل سوف يكون مشابهًا لأحد رسومات الphonautograph، لتعيد تشغيل الصوت فإن عملية ال phonautograph تُعكس.
رأس رفيع يشبه الإبرة مثلًا يتحرك على طول الثلم إلى الأعلى والأسفل على الزوايا والانحناءات المشفرة في التسجيل، يتم التحكم بالإبرة عن طريق ذراع وحركة الإبرة تعيد تشكيل الحركات نفسها التي قام بها القلم أثناء التسجيل الأصلي.
هذه الذراع تتصل بقطعة رقيقة من مادة مرنة والتي تهتز إلى الأمام والخلف كما تُوجَّه من خلال حركة الذراع، حركة المادة تشوش الهواء وهذه التشويشات تُضخم عندما تخرج من البوق، الاهتزازات في الهواء والتي تنتج عن هذا التشغيل هي نفسها التي أنتجت التسجيلات الأصلية، لأن أذننا تفسر الأصوات بناء على نماذج ضغط في الهواء لذلك نسمع تمامًا الصوت التي سُجّل بالضبط.
آلية هذه العملية تبدو منطقية بما فيه الكفاية حيث يُعرف الصوت عن طريق اهتزازات في الهواء والهواء المشوش يجعل جهاز ال phonautograph يتحرك بطريقة معينة، إعادة تشكيل هذه الحركات يجعل الهواء الساكن يهتز بالطريقة التي كان يهتز بها من قبل وبالتالي يتم إنتاج الصوت ذاته.
إذا أردنا أن نعرف عن ذلك أكثرعلينا أن نعلم كيف يقرر الدماغ ما هي تجربة الاستماع التي سينتجها، قرارات المفتاحين التي يقوم بها الدماغ هي قوة واهتزاز الصوت الذي سوف تسمعه، القوة تعتمد على حجم الزوايا والانحناءات للموجة الصوتية (والتي تسمى المدى) والاهتزاز يُحدد بعدد الزوايا التي تمر باتجاه معين في ثانية (والذي يسمى بالتردد) كلما كان المدى أكبر كلما يكون الصوت أعلى وكلما كان التردد أعلى يكون الاهتزاز أكبر، لنفرض لدينا فرقة موسيقية تعزف أغانيها فإنها لن تنتج أمواج صوتية منتظمة بشكل كافٍ لتمييز المدى أوالتردد ولكن لا بأس بذلك فإن الموجات الصوتية بمدى وتردد منتظمين تسمى بالأصوات النقية وهذه الأصوات يمكن ترجمتها بسهولة إلى اهتزازات وأصوات وبالطبع إذا عُزفت النغمة C العالية نفسها على آلتي بيانو وكَمان سيبقى لدينا مميزات معينة تجعلنا نرى الاختلاف بين النغمتين وقد تبين أن النغمات النقية لا يمكن أن نحصل عليها بشكل طبيعي وعندما نسمع نغمة Cعالية ناتجة عن بيانو أو كمان تكون الأمواج الصوتية مكونة من خليط نغمات نقية مختلفة، المدى والترددات المختلفة لها علاقة تربطها ببعضها لذلك يمكن أن تسمع نغمة معينة أكثر من مجموعة من النغمات المتضاربة ولكن النغمة التي تسمعها لا تتطابق مع تردد واحد بالضرورة، والجودة التي من الصعب تحديدها والتي تسمح لك بالتعرف على الآلات تُحدد عن طريق مزيج دقيق ومتقن من نغمات نقية.
عندما تعزف مجموعة من الآلات المختلفة في الوقت نفسه تختلط مع بعضها لتكون الموسيقى التي تسمعها.
إذًا ما هي علاقة النغمات النقية مع الأثلام التي تفرّق صوت David Bowie و Nina Simone؟ لقد تبين أن أيّ منحنى يمكن كتابته بطريقة واحدة فقط كمزيج من المنحنيات بتردد ومدى منتظمين، بكلمات أخرى، الخط المنكسر الوحيد الذي من الممكن التقاطه في أحد أثلام شريط تسجيل يمكن أن تتم كتابته على شكل مزيج من النغمات النقية، وهناك فقط مزيج واحد هو نتاج خط منكسر محدد، التقنية التي تجعل ذلك ممكنًا تأتي من الرياضيات وتسمى بتحويل فورييه، بالإضافة إلى حقيقة أن الصوت الذي يُنتج يُحدد عن طريق مزيج معين من النغمات النقية وهذا الجزء الرياضي يشرح لنا كيف يمكن لأثلام التسجيلات أن تحدد لنا الموسيقى التي نسمعها.
على كل حال عندما يتعلق الموضوع بتخزين الصوت على هيئة ملف رقمي فإن السعة المحدودة من أجهزة الحاسب هي المشكلة، الموجات الصوتية تحتوي على عدد لانهائي من النقاط والحواسيب لا يمكن أن تخزن كميات لانهائية من المعلومات، من الممكن تخزين المعلومات الرقمية ويعود الفضل في ذلك إلى العلماء الرياضيين في عام 1930 بإنتاج نظرية “أخذ العينات” ووفقًا لهذه النظرية من الممكن إعادة بناء موجة صوتية باستخدام عدد محدد من النقاط طالما أنها قريبة إلى بعضها بما فيه الكفاية.
هناك نقطة مهمة: النظرية تتضمن أنه عندما يقسم تحويل فورييه المنحني إلى مجموعة من النغمات النقية فإن كل الترددات تقع بين حد أعلى وحد أدنى محددين، وقرب المسافة بين النقاط على المنحني يجب أن يكون منتظمًا بشكل يجعل من الممكن إعادة بناءها اعتمادًا على المسافة بين الحد الأدنى والحد الأعلى.
ولأن البشر لا يسمعون إلا الأصوات التي تقع في مجال معين من الترددات فإنه يمكننا التخلص من أية ترددات أخرى يمكن أن تظهر في تركيب الموجة الصوتية واستعادة الصوت الأصلي وبذلك فإن نظرية أخذ العينات تشرح كيف يمكن استخدام كمية محدودة من المعلومات في تخزين أي موجة صوتية.
ولأن الرياضيات تصف النسخة المثالية من الحقيقة فإن إعادة بناء موجة صوتية من ملف رقمي يمكن ألا تتطابق بشكل كامل مع اهتزازات الصوت نفسه ومن ناحية أخرى فإن التسجيلات التناظرية فيزيائية بشكل كامل ولكن هل يعني ذلك أن التناظرية هي أكثر دقة؟ لا، ذلك يعني فقط بأنها مختلفة.
الحركة والغبار والخدوش يمكن أن تغير الصوت الذي يحدثه المسجل التناظري وعملية التسجيل هي بالفعل دقيقة بشكل مشابه لذلك.
الموجة الصوتية التي تنتج عند إعادة التشغيل التناظرية هي أبعد ما تكون عن النغمه الأصلية من الملف الرقمي ذو الجودة الجيدة.
جودة الصوت تعتمد على عدة عوامل ومن المستحيل أن يتحدد بشكل نهائي أيهما أفضل التناظري أم الرقمي، هذه الأيام العديد من التسجيلات تنتج عن طريق تشغيل ملف رقمي، تفضيل الفينيل لا يمكن أن يعزى فقط للاختلافات في طريقة إنتاج الموجة الصوتية ولكن تبقى لدينا حقيقة أن التناظري يتضمن عملية فيزيائية في حين أن الرقمي يستخدم الرياضيات ليحدّ من العملية من أجل تحديد عدد بتات المعلومات، وفي حال حدث فقدان في عملية التحديد فإنه سيكون من الصعب الإشارة إليه ولكن نظم الرياضيات في الواقع المكرر يمكن أن تكون عاملًا في تحديد الاختلاف في تجارب الاستماع بين الكثير من محبي الفينيل.
- ترجمة: بتول حبيب
- تدقيق: رؤى درخباني
- تحرير: أحمد عزب