يملك البشر قرابة جينية مع البحار العميقة أكثر مما يتصورون.
منذ أكثر من 500 مليون سنة تشارك الإنسان مع دودة بحرية محددة في سلفٍ واحدٍ مشتركٍ بينهما؛ ولايزال إلى الآن يتشاركون الآلاف من الجينات مع تلك الديدان. أكد هذا الأمر مجموعة من العلماء الذين قاموا بدراسة المادة الوراثية لنوعين محددين من الديدان البحرية.
أظهرت النتائج تشابه الإنسان مع الدودة البلوطية (سُميت بهذا الاسم بسبب امتلاكها رأس شبيه بالبلوط) بقرابة بعيدة حسب قول الباحثين الذين يترأسهم اوليغ سيماكوف oleg simakov من معهد اوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا. قام العلماء بتحليل جينات لنوعين مستخلصين هما ptychodera flava المستخلص من هاواي، ونوع اخر؛ Saccoglossus kowalevskii المستخلص من المحيط الاطلسي.
بصورة ملحوظة، فإن الدودة البلوطية لاتشبه الانسان فهي لاتملك أقدام، وتتنفس بواسطة الغلاصم في جوفها لكنها تمتلك قرابة الـ14000 جين مشترك مع مادة الإنسان الوراثية. يمكن لهذه الجينات أن تُتَبع إلى السلف الأول بين الدودة البلوطية والإنسان التي عاشت قبل 500 مليون سنة في العصر الكامبري.
الجينات من هذا السلف القديم لايقتصر وجودها في الإنسان فقط، بل يتعدى ذلك لتوجد في نجم البحر وأقاربه، في حيوانات جوفية القدم (الأخطبوط والحبار) وكل الفقريات. الحيوان الرابط بينهم سمي بثنائي الفم deuterostome .
قال العالم سيماكوف “إن الدودة البلوطية هي الشكل الأكثر شيوعًا في أسلافنا التي تعود للحقبة التي عاشت فيها ثنائيات الفم قبل 570 مليون سنة مضت”
الأنواع مثل الدودة هذه ساعدت العلماء على فهم كيف لجينات ظهرت قبل ملايين السنين أن تتحكم في تطور الاختلاف بين الأنواع عدا اختلاف الشكل الخارجي خلال النوع الحيواني.
وجد سيماكوف ورفاقه أن العديد من الأنواع تطورت وأصبحت أكثر تعقيدًا من قريبتها لكنها مع ذلك بقيت محتفظة ببعض الصفات المظهرية المتعلقة بالجينات التي توجد في الدودة البلوطية وتؤدي الوظيفة نفسها.
وضح سيماكرف أن مادتها الوراثية تدخل في مصلحتنا لفهم التطور.
فبعد دراسة تسلسلها الجينومي ومقارنتها مع جينوم حيوانات مختلفة وجدوا 8716 عائلة جينية، أو مجموعة من الجينات المتشابهة، في كل الديدان البلوطية العائدة لثنائيات الفم .
عائلة واحدة فقط كانت تحتوي عناقيد جينية فريدة من نوعها مرتبطة بتغذية وتنفس الديدان. هذه الجينات تحديدًا كانت مثيرة لاهتمام العلماء. قال العلماء أن هذه الدودة تتغذى بواسطة مجموعة من الشقوق المتخصصة الموجودة في مناطق القناة الهضمية، وتقع بين الفم والمرئ. هذه الشقوق تسمح للماء بالعبور خلال الفم وخلال القناة الهضمية. ولايوجد كائن خارج هذه المجموعة يحتوي تراكيب كهذه. لذا قام العلماء بالنظر بصورة أدق على الجينات التي تتحكم بهم.
وجد العلماء أن هذه الجينات ترتبط بتكون الخياشيم في ثنائيات الفم، مما يقترح أنها قد تكون مرتبطة بتطور البلعوم في الإنسان، وهو القناة الرابطة بين الفم أو الأنف، والمريء.
بالرغم من أن الدودة البلوطية قد أخبرت العلماء بالعديد بشأن العديد من الكائنات الحية في يومنا هذا إلا أن العلماء يأملون أن تحتوي الدودة على معلومات أكثر أيضًا لكي تحكيها. يأمل سميكوف أن يقوم بتوسيع مجال دراسته لتشمل العديد من الكائنات الهائلة التي توجد في شجرة الحياة الهائلة. كلما زادت البيانات الجينية للعلماء، كلما زادت قدرتهم على فك شفرة جينات البشر وربطها بمختلف أشكال الكائنات الحية اليوم.