ما يدعى (MAD)، هو اختصار للتدمير الحتمي المتبادل (Mutually Assured Destruction)، هي فكرة تقول أنه لا مفر من التدمير الحتمي إذا قامت إحدى القوى النووية بإطلاق ترسانتها المميتة ضد الأخرى.
عند شن أول هجمة ضد أي عدو يحمل سلاحًا نوويًا، فمن المنطقي أن المعتدى عليه سيشن حتمًا هجومًا آليًا مضادًا، لضمان الإبادة المتبادلة، ولكن بغض النظر عن القاتل catch-22 (أو الشرط 22 وهي حالة متناقضة لا يستطيع الفرد الفرار منها بسبب الشروط المتناقضة.
صاغ هذا المصطلح جوزيف هيلر، الذي استخدمه في روايته عام 1961 catch-22). هناك سبب علمي يفسر لماذا تُعد هذه الحرب النووية التي لا اعتراض عليها انتحارًا دون أي مبالغة.
تقترح دراسة جديدة من نوعها يقودها المهندس جوشوا بيرس من جامعة ميشيغان للتكنولوجيا؛ حتى في “أفضل سيناريو”، أي أن الطرف الآخر لن يرد على الهجوم بصاروخ واحد على الأقل، لاتزال هذه الحرب النووية قادرةً على قتل الملايين من البشر في الدولة التي لم تطلق العنان لأسلحتها النووية.
هذا يبدو جنونيًا، ولكنه بسبب ما يسميه الباحثون “ضربةً ارتداديةً بيئيةً”، ليست بالضرورة أضرارًا إشعاعيةً، وبالرغم من ذلك فهذا يحدث أيضًا، انخفاض عالمي في درجات الحرارة، وجود سحب عملاقة كثيفة، وكذلك انتشار الدخان في الهواء الجوي الذي سيحجب الأرض عن الشمس في ما يسمى بالشفق النووي.
هذه النكبة الضبابية العالمية يمكن أن تزيد من الظلمة وتقلل من هطول الأمطار، ويمكن أن تطلق سلسلةً كارثيةً تؤثر على الزراعة، وتؤدي إلى مجاعة جماعية حتمية ونفاد الطعام .
تذكر، أن هذا أفضل سيناريو لما سيحدث لأول معتدى عليه من الهجوم وكذلك في أي مكان حتى من لم يتم إطلاق النار عليه، فإذا كنت محظوظًا؛ ربما تستطيع أن تهرب بطريقة ما من غضب هذا الانتقام النووي الفوري، ولكنك لن تستطيع الاختباء من الطريق التي تهب فيها الرياح.
باختصار فهي أكثر جنونًا من (MAD).
هذه الدراسات تبحث في سيناريوهات الشتاء النووي قبل التركيز الأساسي حول الحرب الفعلية بين روسيا والولايات المتحدة وتسأل سؤالًا مثل، هل يمكن للبشرية أن تنجو؟
يوضح بيرس لصحيفة “Gizmodo”: «هذه الدراسة الأولى التي تبحث بتلك الطريقة في جانب واحد من الهجوم النووي وتأثيره، خاصةً على مصادر الطعام، وعلى المعتدى عليه افتراض السيناريو الأفضل المطلق».
في الحسابات التي أجراها الباحثون؛ إذا أطلقت الولايات المتحدة العنان لترسانتها النووية المكونة من 7000 رأس حربي ضد الدول الأخرى، فالضربة البيئية الارتدادية يمكن أن تقذف 30 تريليون غرام من الدخان لتخنق العالم، وتولد بذلك شتاءً نوويًا واسع النطاق؛ والذي سينتهي به المطاف إلى تجويع ما يقرب من 5 ملايين أمريكي.
مع هذا القصف، سيطلق 1000 صاروخ نووي نحو أهداف أجنبية، والذي سينتج 12 تريليون غرام من الدخان، ما يعني أن 140000 من البشر في الولايات المتحدة قد يموتون بسبب النقص في الطعام.
هذا فقط إذا تم تقليل نطاق الهجوم بشكل كبير، فلن يكون هذا انتحارًا نوويًا بسبب الارتداد العرضي من هذه الضربة الارتدادية البيئية.
في فريق المحاكاة، إطلاق 100 سلاح نووي من قبل الولايات المتحدة يمكن أن يخلف خسائر بشريةً لدى الأمريكيين بسبب الجوع، ومع 4 تريليونات غرام من الدخان، ما يسمى “الخريف النووي”، لا يمكن أن يكون شديدًا كفايةً كي يسبب اضطرابات قاتلةً في سلسلة الغذاء الأمريكية.
أوضح بيرس في بيان: «ومع 100 سلاح نووي، ما يزال بالإمكان الحصول على ردع نووي، ولكن تجنب هذا الارتداد العرضي المحتمل من الخريف النووي والذي سيقتل البشر»، مشيرًا إلى العواقب غير الواردة مع إطلاق المزيد من الصواريخ .
«إذا ما استخدمنا 1000 رأس حربي نووي ضد العدو وكل من يريد الانتقام، سنرى حوالي 50 ضعف عدد القتلى الأمريكيين في حادثة 11 من سبتمبر، وهذا بسبب التأثيرات التي تخلفها أسلحتنا».
يشير الباحثون أيضًا إلى الجانب المحافظ، والذي من المحتمل أن يمثل استخفافًا جديًا حول عدد الأمريكيين الذين سيموتون من الجوع جرّاء عواقب وخيمة.
وهم يفترضون أيضًا أن أولئك الذين سيهربون سيكونون قادرين على النجاة من هذه المعاناة والنقص الحاد في الطعام، ومن الممكن أنه سيجلب معه قلقًا شعبيًا، وأعمال شغب وعنف ومن الممكن أن يتسبب في وفيات غير ضرورية.
اعترف الباحثون بأنهم أصيبوا بصدمة عندما قاموا بتحليل الأرقام؛ وذلك بسبب الصورة التي ستبدو عليها الكارثة.
يوضح بيرس لصحيفة “Gizmodo”: «في اعتقادنا بأن أميركا لديها الكثير من الأرض والثروة، فكل السيناريوهات المتواضعة للانفجار النووي بالكاد سيكون لها تأثيرات بالغة علينا».
«ولكن كنا مخطئين؛ أعداد القتلى الأمريكيين بسبب استخدام القنابل التي نملكها كان صاعقًا، وهو أسوأ بكثير من كل الهجمات الارهابية مجتمعة».
نظرًا لهذا، وعلى عتبة 100 سلاح، يسميها الباحثون حدود السلامة الوطنية الواقعية “national pragmatic safety limit” وذلك لأي دولة تملكها، يقول الباحثون أن هذا جنوني أساسًا ومكلف للغاية، للدفاع عن هذه الترسانة الضخمة والتي لا يمكن المساس بها .
وفقًا للتقديرات، فإن المخزون النووي العالمي يبلغ حوالي 15 ألف سلاح، 7000 منها تعود للولايات المتحدة.
وفي إطار فرضية الارتداد العرضي، وبالنظر إلى وجود تسع دول تمتلك أسلحةً نوويةً لا ينبغي للعالم أن يملك أكثر من 900 في المجمل، والذي يعني أننا نملك 14100 فوق المعدل؛ ما سيؤدي إلى نتائج عكسية.
يقول بيرس لصحيفة “Motherboard”: «إن السياسيين لن يتغاضوا أبدًا عن تجويع الملايين من شعبهم؛ وذلك بإطلاق نسبة كبيرة من مخزونهم النووي».
«إن الاستمرار في إنفاق الملايين من الدولارات للحفاظ على هذه الأسلحة النووية غير الضرورية والتي ليس من الممكن استخدامها، من شأنه أن يزعزع الاستقرار الأمريكي دون أي داع».
- ترجمة: يحيى بعيج
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: كنان مرعي
- المصدر