تتغلب الطبيعة على الهندسة البشريّة عندما يتعلق الأمر بإعداد المزيج المعقد للجزيئات التي تشكل الألياف والحرير الطبيعي، بغض النظر عن الجهود المبذولة لإنتاج هذه المواد اصطناعيًا، فإنَّ التنوع الصناعي مازال غير قادر على الوصول لمتانة الألياف الطبيعية.
وجد المهندسون طريقة لإنتاج مادة صلبة بمقدار الضعف مقارنة مع نظيرتها الطبيعية ويمكن أن نشكل منها هياكل وأنسجة معقدة مثل الشبكات، وذلك بواسطة تحطيم الحرير الذي تنتجه دودة القز كيميائيًا ومن ثم إعادة تجميعه.
يقول الباحثون بأن المادة الجديدة والملقبة بألياف الحرير المجدد (RSF) يمكن أن تجد طريقها إلى العديد من التطبيقات التجارية والطبية.
تمّ الإعلان عن هذه النتائج في مجلة اتصالات الطبيعية (Nature Communications) بورقة بحث تم إعدادها من قبل البروفسور في الهندسة ماركوس بوهلر (Markus Buehler) والدكتور شينجي لينج (Shengjie Ling) والعالِم الباحث زهاو كين (Zhao Qin) وثلاثة آخرون في جامعة تافتس (Tufts University).
تعتبر بعض أنواع الحرير التي تنتجها العناكب من بين أقوى المواد المعروفة، وعلى عكس دود القز، فإن العناكب لا يمكن إطعامها من أجل إنتاج الألياف بكميات مفيدة.
حاول العديد من الباحثين ومن ضمنهم بوهلر والمتعاونون معه أن يقوموا بإنتاج حرير صناعي صافي بدلًا من ذلك، ولكن هذه الجهود لم تفلح حتى الآن بإنتاج ألياف تستطيع أن تماثل متانة النسخ الطبيعية.
بدلًا من ذلك، قام الفريق الآن بتطوير طريقة لاستخلاص أفضل الخصائص في الحرير الطبيعي الذي ينتجه دود القز، وإنتاجه بطريقة تجعله أقوى وتفتح الطريق لنوعية واسعة من الأشكال والأنسجة الجديدة والتي لم يسبق أن تم تشكيلها بواسطة الحرير الطبيعي.
يعتمد مبدأ هذه العملية على تحطيم الحرير الطبيعي ولكن ليس إلى حد بعيد، حيث لا يقومون بإذابة الشرانق التي يصنعها دود القز إلى الحد الذي تتحطم عنده البنية الجزيئية للمادة ولكن بالأحرى إلى صيغة وسطية مؤلفة من ألياف دقيقة، وتحتفظ هذه المجموعات الدقيقة والشبيهة بالخيوط ببعض التراكيب المتسلسلة المهمة والتي تعطي الحرير متانته.
يقارن بوهلر وهو رئيس قسم الهندسة المدنية والبيئية عملية تدوير المواد هذه بعملية هدم منزل قديم مبني من الطوب، بدلًا من مجرد تدمير المنزل وتحويله إلى كومة من الأنقاض نقوم بفصل قطع الطوب بحذر ومن ثم نستخدمها لبناء بنية جديدة، ويقول أن الطبيعة مازالت أفضل منا في صنع التراكيب الدقيقة وهي التي تعطي الحرير خواصه الفريدة من حيث الصلابة والمرونة، وفي هذه الحالة نقوم بالاستفادة مما تعطينا إياه الطبيعة.
يوضح لينج أنَّ هذه الخيوط والألياف مكلفة، لكن كلفة المادة تأتي بشكل رئيسي من العمل المخبري المكثف لتفكيك الخيوط من الشرنقة وحياكتها وليس من الإنتاج الفعلي لدود القز وشرانقها، والتي هي مكلفة إلى حد بعيد، ويمكن التوضيح باستخدام مقاييس كبيرة، حيث أن شرانق دود القز غير المعالجة تكلف حوالي خمسة دولارات للكيلوغرام.
وجد الباحثون أن بإمكانهم إنتاج ليف له ضعف صلابة الحرير التقليدي ويقارب صلابة خيط حريري لعنكبوت، وذلك عن طريق تحطيم الحرير ومن ثم تمريره من خلال ثقب دقيق.
يمكن أن تقود هذه العملية لإمكانيات متنوعة من أجل استخدامات جديدة، على سبيل المثال، الحرير مادة متطابقة حيويًا بشكل طبيعي ولا تسبب أية مضاعفات أو ردود فعل مؤذية في الجسم، بالتالي يمكن للمادة الجديدة أن تكون مثالية لتطبيقات مثل الخيوط الطبية أو الدعامات المستخدمة لنمو بشرة جديدة أو المواد الطبية الحيوية الأخرى.
هذه الطريقة تسمح للباحثين بتشكيل المادة بطرق لم يسبق أبدًا أن تم نسخها أو تشكيلها في الحرير الطبيعي، ويمكن تشكيلها على سبيل المثال كشبكات، أنابيب، ملفات، صفائح وأشكال أخرى أكثر سماكة من الحرير الطبيعي.
يقول بوهلر: «نحن غير راضين عما ينتجه دود القز، ونريد أن نصنع موادنا الجديدة الخاصة بنا».
ويقول كين: «إن مثل هذه الأشكال يمكن صنعها باستخدام المادة المعاد تشكيلها في الطابعات الثلاثية الأبعاد والمعدة خصيصا للحرير».
إحدى ميزات هذه العملية أنه يمكن تنفيذها باستخدام تقنيات التصنيع التقليدية، وبالتالي فإن تحويلها إلى كميات تجارية ليس بالأمر الصعب، ويمكن التحكم بالخواص المميزة للألياف بالمقدار الذي نريده، بما فيها الصلابة والمتانة، ببساطة عن طريق تغيير سرعة عملية البثق.
الألياف المُعاد تشكيلها حساسة جدًا للمستويات المختلفة من الرطوبة، ويمكن جعلها موصلة كهربائيًا بإضافة غلاف رقيق من مادة أخرى مثل طبقة من أنابيب الكربون النانويّة، هذا الأمر يؤهلها لتستخدم بشكل واسع في أجهزة الاستشعار والحساسات، حيث يمكن لسطح مغطى بطبقة أو شبكة من هذه الألياف أن يستجيب لضغط طرف الأصبع أو للتغيرات في الأحوال الجوية.
يقول بوهلر: «إن أحد التطبيقات الممكنة على سبيل المثال، هو غطاء للسرير مصنوع من مثل هذه الألياف»، ويمكن لهذا الغطاء أن يستخدم في مؤسسات الرعاية والتمريض للمساعدة في تفادي تقرحات الفراش عن طريق مراقبة الضغط وتنبيه الممرضات أوتوماتيكيًا عندما يستلقي مريض ما في نفس الوضع لمدة طويلة مع الضغط على منطقة محددة في الجسم، مثل هذه التطبيقات يمكن تنفيذها عمليًا بسرعة كبيرة بما أنه لم تبقى أيّة عوائق حقيقية تمنع إنتاج مواد مناسبة لمثل هذه الاستخدامات.
جُهِز بواسطة: Massachusetts Institute Of Technology.
- ترجمة: م. يازد حسامو
- تدقيق: صهيب الأغبري
- المصدر