مع بداية عام 2025، تتركز الأنظار على التضخم وتأثيره في الاقتصاد الأمريكي، إذ يسعى الفيدرالي الأمريكي إلى تحقيق توازن دقيق بين خفض التضخم ودعم النمو الاقتصادي. ومع أن الاقتصاد الأمريكي أظهر قوة ملحوظة في 2024، فإن التضخم ما يزال يمثل تحديًا أساسيًا، خاصة مع استمرار ارتفاع الأسعار فوق الهدف المحدد من قبل الفيدرالي.
أسعار الفائدة والتضخم: هل يستمر الضغط النقدي؟
شهد عام 2024 تغيرًا في نهج الفيدرالي، إذ خفَّض أسعار الفائدة ثلاث مرات في الأشهر الأخيرة من العام بعد فترة طويلة من التشديد النقدي لمحاربة التضخم. ومع ذلك، ما تزال مستويات التضخم مرتفعة مقارنة بالمستويات المستهدفة، ما يجعل وتيرة خفض الفائدة في 2025 موضع تساؤل.
من المتوقع أن يظل التضخم أحد العوامل الرئيسية التي تحدد قرارات السياسة النقدية، إذ إن بقاء التضخم عند 2.4%، وهو أعلى من هدف الفيدرالي البالغ 2%، قد يدفع صناع القرار إلى التريث قبل أي تخفيضات إضافية للفائدة. إن التضخم ليس مجرد رقم، بل هو عنصر رئيسي يؤثر في تكلفة المعيشة، والقروض، والقدرة الشرائية للأفراد والشركات على حد سواء.
التضخم والاقتصاد: مخاطر الاستمرار مقابل آمال التراجع
مع تراجع التضخم من ذروته البالغة 9.1% في منتصف 2022، ما يزال تحقيق الهدف النهائي للفيدرالي صعبًا، فالاقتصاد يواجه عدة عوامل قد تعيق هبوط التضخم إلى المستويات المطلوبة، منها ارتفاع تكاليف الأجور، واستمرار مشاكل سلاسل التوريد، والتغيرات في التعريفات الجمركية.
إن التضخم المستمر يهدد الاستهلاك، إذ يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، ما قد يبطئ النمو الاقتصادي في 2025. في المقابل، قد يسهم استمرار نمو الدخل الحقيقي في دعم إنفاق المستهلكين، مخففًا من تأثير التضخم.
السياسات الاقتصادية: كيف تؤثر في التضخم في 2025؟
يُعد التضخم أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السياسات الاقتصادية الجديدة، وخاصة مع احتمالية فرض تعريفات جمركية جديدة قد تزيد من تكلفة السلع المستوردة، ما قد يرفع معدلات التضخم.
تشير التقديرات إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في التعريفات الجمركية تؤدي إلى ارتفاع التضخم بمقدار 0.1%، ما قد يعقد مهمة الفيدرالي في السيطرة عليه.
إضافةً إلى ذلك، قد تؤدي التخفيضات الضريبية إلى تحفيز النمو الاقتصادي، لكنها قد تساهم أيضًا في ارتفاع التضخم إذا لم تُقابل بإجراءات لتعويض الإنفاق الحكومي. إن أي تحفيز مالي غير مدروس قد يزيد من معدلات التضخم، ما يجعل من الصعب على الفيدرالي تحقيق الاستقرار المطلوب.
التضخم وسوق العمل: تحديات وفرص
مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.2% مقارنة بـ 3.7% في بداية 2024، ما تزال سوق العمل متماسكة، إذ يستمر ارتفاع الأجور في مواجهة التضخم. ومع ذلك، يشير ارتفاع الديون الاستهلاكية إلى أن التضخم ما يزال يشكل ضغطًا على الأسر الأمريكية.
في ظل هذا المشهد، يحاول الفيدرالي موازنة الأمور لضمان عدم ارتفاع التضخم مجددًا، مع الحفاظ على استقرار سوق العمل. لكن ارتفاع معدلات البطالة قد يجبره على خفض الفائدة على نحو أسرع لدعم التوظيف، ما قد يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم مجددًا، والعودة إلى نقطة الصفر.
التضخم وأسواق المال: الفرص والمخاطر
تظل الأسواق المالية حساسة لأي تغير في معدلات التضخم، إذ تؤثر توقعات التضخم في قرارات المستثمرين وأسعار الأسهم. قد يؤدي ارتفاع التضخم على نحو غير متوقع إلى ضغوط بيعية، وهي حالة يتجه فيها عدد كبير من المستثمرين لبيع أصولهم المالية في الأسواق، وخاصةً في القطاعات التي تعتمد على معدلات فائدة منخفضة، مثل العقارات والمرافق.
في المقابل، قد يدعم التباطؤ التدريجي في التضخم أسواق المال، إذ سيمكن الفيدرالي من تخفيف سياساته النقدية دون الإضرار بالاقتصاد. من المتوقع أن تبقى القطاعات التكنولوجية، خاصة تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مستفيدة من بيئة تضخم أكثر استقرارًا، إذ إنها تواصل جذب المستثمرين الباحثين عن النمو في ظل تضخم منخفض.
هل ينجح الفيدرالي في كبح التضخم دون ركود؟
يبقى التضخم العامل الحاسم في توقعات 2025، فإن أي ارتفاع غير متوقع في معدلات التضخم قد يجبر الفيدرالي على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. على النقيض من ذلك، إذا استمر التضخم في التراجع على نحو متوازن مع نمو الاقتصاد، قد نشهد عامًا إيجابيًا من ناحية الاستثمارات والأسواق المالية.
يظل التضخم تحديًا معقدًا، إذ تتطلب السيطرة عليه سياسات متوازنة تجمع بين ضبط الإنفاق، واستقرار سوق العمل، ودعم القطاعات الإنتاجية. إن نجاح الفيدرالي في كبح التضخم دون التأثير على النمو سيحدد ما إذا كان 2025 سيشهد ازدهارًا اقتصاديًا أم تباطؤًا غير مرغوب فيه.
اقرأ أيضًا:
محاولات أمريكية للسيطرة على انتشار الاشتراكات المدفوعة
هل تشكل التعريفات الجمركية تهديدًا للتجارة الحرة؟ نظرة عميقة في التاريخ الأمريكي
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: نور حمود
مراجعة: باسل حميدي