تفاصيل جوهرية عن النظام الغذائي للهومو ناليدي تكشف من خلال أسنانه
كشفت مسبقًا أحافير وجدت للهومو ناليدي (Homo naledi) عن الشكل الغريب وغير المتوقع لأجسامهم، وكشفت في الوقت الحاضر أحافير أسنانهم عن نظامٍ غذائيٍ صعبٍ غير اعتيادي، ويصرّح عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية إيان تول (Ian Towle) وزملاؤه بأنه يبدو أن الهومو ناليدي امتلكوا أسنانًا مكسرة أكثر مما امتلكه أي صنفٍ من عائلة الإنسان التطورية التي سكنت نفس المنطقة في جنوب إفريقيا، كما أورد العلماء في عدد سبتمبر من الدورية الأمريكية للأنثروبولوجيا الفيزيائية، أن ضرر أو تلف الأسنان الواضح في هذا النوع يكشف عن العضّ المستمر والمضغ لأشياء قاسية أو رملية، كالخضراوات الجذرية أو الدرنية المستخرجة من الأرض.
ويقول تول من جامعة جون موريس ليفربول في إنكلترا: «إن نظام الهومو ناليدي الغذائي يحتوي غالبًا على أطعمةٍ قاسية وصلبة كالمكسرات والحبوب، أو ملوثاتٍ كالرمل والحصى». وبحسب قول عالم المستحاثات البشرية أو (paleoanthropology) بيتر أونغار (Peter Ungar) من جامعة أركنساس في فايتفيل، فإن تلك الكسور والحفر الموجودة في أسنانهم تدل على أن نظامهم الغذائي لم يكن اعتياديًا. كما يدير أونغار حاليًا دراسات مجهرية على أسنانهم التي من الممكن أن توفّر أدلة على ما كان ذلك الصنف يتناوله من طعام.
كما يمكن للرمال أو الحصى أن تغلف النباتات التي تنمو تحت الأرض (النباتات الجذرية) والغنية بالعناصر الغذائية، كالدرنات أو الجذور، وبحسب عالم الحفريات بول كونستانتينو (Paul Constantino) من كلية سانت مايكل في كولشستر، فإن أكل تلك الأشياء باستمرار يسبب بالتأكيد تحفّرًا وكسورًا كالتي وجدت في أسنان الهومو ناليدي، ويضيف: «لا يستطيع الكثير من الحيوانات الوصول إلى تلك النباتات التي تنمو تحت الأرض، ولكن يمكن للقرود الوصول إليها باستخدام عصيٍ للحفر».
عُثر على أحافير الهومو ناليدي لأول مرة في حجرة تحت الأرض (كهف نظام النجم الصاعد) في جنوب إفريقيا وفي كهفٍ آخر قريبٍ أيضًا، وقُدّرت أنها تعود لأفراد عاشوا قبل نحو 236 ألف إلى 335 ألف سنة، وكان الجزء السفلي من أجسامهم يشبه جسم الإنسان إلى حدٍ كبير، بالإضافة إلى دماغٍ صغيرٍ نسبيًا، وأصابع منحنية مناسبة لتسلق الأشجار.
درست مجموعة تول أسنان دائمة لـ 126 هومو ناليدي من أصل 156 وجدت في تلك الحجرة، وبنيت تلك النتائج على دراسة 12 فردًا، امتلك 9 منهم سن مكسور أو محفور واحدٍ على الأقل، واثنين من الثلاثة الباقيين وصفوا بسنٍ واحدٍ فقط، أما عن الأسنان التي استثنيت من الدراسة فإما كانت متضررةً جدًا، أو لم تنبثق أعلى سطح اللثة، أو أظهرت علاماتٍ على ندرة استخدامها لمضغ الطعام.
ووجد فريق تول ظهور الكسور على أسنان ما نسبته 56% أو 44% من الذين وجدوا في تلك الحجرة، وامتلكت نصف هذه العينة اثنين أو ثلاثة من الكسور، وتظهر 54% من الأضراس و44% من الضواحك كسرًا واحدًا على الأقل، وأما بالنسبة للأسنان في مقدمة الفم فتنخفض تلك النسب إلى 25% من الأنياب، و 33% من القواطع، ويضيف تول بأن مضغ الأشياء القاسية والصغيرة هو ما سبب كل تلك الكسور، بالإضافة إلى استخدام الأسنان كمعدات، لانتزاع جلود الحيوانات على سبيل المثال، مما يضر بالأسنان الأمامية بشكلٍ أساسي، أما بالنسبة لأعواد الأسنان البيتية فتترك علاماتٍ بين الأسنان، ولم تكن التي وجدت على أسنان الهومو ناليدي تشبهها إطلاقًا.
كما وجد الباحثون إظهار فصليتين من أشباه الإنسان التي عاشت في جنوب إفريقيا قبل نحو مليون إلى 3 ملايين سنةٍ، وهما أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس و بارانثروبوس روبوستوس لمعدلات كسور أسنان أقل مقارنةً بالهومو ناليدي، بنحو 21% و 13% لكلا الفصليتين على الترتيب، ولطالما امتلك الباحثون شكوكًا لعقودٍ حول تناول تلك الفصائل لأطعمة قاسية ورملية أو (مبرغلة)،على الرغم من صعوبة اكتشاف ما كانوا يأكلونه قديمًا، إلا أنه يوجد أدلةٌ قليلة على انتشار تكسّر الأسنان بين فصائل الإنسان القديمة، ويوضح كونستانتينو بأنه إن كان الهومو ناليدي قد استهلكوا النباتات الجذرية والدرنية، فمن المرجح أن فصائل الإنسان القديمة التي عاشت في العصر الحجري استهلكتها كذلك.
وفي مقارنةٍ الأسنان مع أسنان قردةٍ في العصر الحالي وهي قرود الرباح أو البابون، التي تأكل النباتات النامية تحت سطح الأرض، والفواكه ذات القشرة الصلبة، ظهر تماثلٌ كبير في الواقع بنسبة كسورٍ تقارب 25% في أسنانهم، ووصل هذا الرقم إلى 11% في الغوريلا، و5% في الشمبانزي، كما وجد العلماء إظهار أسنان بشرية وجدت في إيطاليا والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لتشابهٍ مع أنماط تكسّر أسنان الهومو ناليدي، واثنين من هذه المواقع يرجح عمرها ما بين 1000 و 1700 سنة، أما الموقع الثالث فيتراوح عمره ما بين 11 ألف و 12 ألف سنة، كما ويشتبه أن الأشخاص في المواقع الثلاثة كان لديهم نظامًا غذائيًا من مواد صلبة وقاسية أو يحتوي على فاكهة ذات قشرةٍ صلبة.
وينوه تول إلى أن 50% من الكسور كانت على الجهة اليمنى من الأسنان، مقارنةً بـ 38% على الجهة اليسرى، وربما تشير هذه الحقيقة إلى استخدام أغلب الهومو ناليدي لأيديهم اليمنى، ووضعهم الطعام على الجهة اليمنى من أفواههم نتيجةً لذلك، ولكن يلزم توافر أحافير أسنانٍ أكثر لتقييم هذا الاحتمال.
ولمعرفة كيفية تطوّر الأسنان اقرأ المقال التالي: الأسنان تروي قصة تطور الجنس البشري http://172.104.145.106:8080/ibelieveinsci.com/?p=10956
- ترجمة: ميس أبو شامة
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- تحرير: زيد أبو الرب