يتمثل أسلوب الصمت العقابي بشعور المرء أن الطرف الآخر لا يقبل التواصل معه أو حتى الاعتراف بوجوده، وغالبًا ما يستخدم كل الناس أسلوب الصمت العقابي في مرحلة ما من حياتهم.

يُطبق أسلوب الصمت العقابي كثيرًا في العلاقات العاطفية وتقريبًا أي نوع من أنواع العلاقات، كعلاقة الآباء بأطفالهم، أو الأصدقاء، أو زملاء العمل.

قد ينتج أسلوب الصمت العقابي بسبب مرور الشخص بالغضب، أو الإحباط، أو الإرهاق من التعامل مع المشكلة. يزول هذا الصمت في هذه الحالة فور مرور المشاعر السلبية.

قد يمثّل أسلوب الصمت العقابي جزءًا من نمط تحكم شامل وقد يصل إلى درجة الإساءة عاطفية. يشعر المرء بأن الطرف الآخر يرفضه ويبعده عندما يعامله بهذا الأسلوب باستمرار، فيكون طريقة لفرض السلطة عليه. وقد يؤدي هذا الأسلوب إلى تأثيرات كبيرة في ثقة المرء بنفسه.

كيف يعرف المرء أنّ هذا الأسلوب مؤذي؟

من الضروري معرفة متى يصبح الأسلوب مسيئًا ومؤذيًا، وذلك قبل تعلّم كيفية التعامل مع الصمت العقابي.

يساعد الصمت في بعض الأحيان المرء على تجنب قول أشياء جارحة قد يندم عليها لاحقًا، وقد يستعين بعض الناس بهذا الأسلوب في الأوقات التي لا يستطيعون فيها التعبير عن أنفسهم أو عند شعورهم بالإرهاق.

لكن بعض الناس يطبقون أسلوب الصمت العقابي بوصفه أداة لفرض القوة على الطرف الآخر أو لخلق فجوة عاطفية بينهما، قد يشعر الآخر في هذه الحالة وكأنه منبوذ من العلاقة.

يستخدم بعض الناس أسلوب الصمت العقابي بهدف التحكم بالطرف الآخر، إذ يتعمدون إظهار اللامبالاة تجاههم طوال أيام أو حتى أسابيع متتالية، وهذا ما يعرف بالإساءة العاطفية.

يصعب على الآخر أن يتحمل هذه الطريقة في التعامل، إذ يبذل قصارى جهده لإعادة أسلوب الشريك الحسن، ما يُوقع بدوره الطرفين في دوامة بلا نهاية.

أظهرت الأبحاث أن الشعور الدائم بالرفض قد يقلل من الثقة بالنفس وشعور الانتماء إلى الذات، وقد يجعل الصمت العقابي الطرف الآخر يشعر وكأنه بلا قوة أو سيطرة. قد يزداد هذا التأثير شدة إذا طبقه شخص قريب بوصفه شكلًا من أشكال العقاب.

يتضمن ما يلي بعض الدلائل على أن أسلوب الصمت العقابي بدأ يتحول إلى إساءة عاطفية:

  •  يتكرر الصمت العقابي ويستمر فترات طويلة.
  •  لا يحدث في سبيل تهدئة النفس أو تنظيم الأفكار، بل ليكون من طرق العقاب.
  •  لا ينتهي الصمت العقابي حتى يعتذر الطرف الآخر، أو يعترف بذنبه، أو يتنازل لمطالب الطرف المسيء.
  •  يغير الطرف الآخر من سلوكه حتى يتجنب أسلوب الصمت العقابي.

ما هي الحلول الممكنة؟

 اتباع أسلوب لطيف وجعلهم محور الموضوع

يفيد اتباع أسلوب لطيف في تشجيع الطرفين على التحدث عما حدث، خصوصًا إن لم يكن الصمت العقابي شيئًا يواجهه الطرف الآخر بانتظام في العلاقة. قد يكون هذا الشخص يمر بحالة صعبة ويبحث عن مهرب منها.

يُنصح بأن يوضح المرء للطرف الآخر استياءه من انقطاع التواصل بينهما، وأنه يفضل أن يعلم السبب وراء ذلك. يؤكد هذا التصرف على نوايا الشخص الحسنة بإصلاح أي سوء تفاهم.

يجب على الشخص أن يبادر بحل المشكلة ويعتذر إذا أخطأ، لكنه غير مضطر للاعتذار إذا تعامل معه الطرف الآخر بأسلوب الصمت العقابي دون سبب.

يُنصح الشخص بأن يوضح فهمه حاجة الطرف الآخر لبعض الوقت بمفرده، وذلك إن لم يكن الطرف الآخر يقبل النقاش، لكن توضيح المرء لرغبته بتحديد موعد لمناقشة الموضوع وحل المشكلة يعد أمرًا ضروريًا.

 أن يجعل المرء نفسه محور الموضوع

يُنصح المرء بأن يخبر الطرف الآخر أن أسلوب الصمت العقابي يجرحه ويشعره بالوحدة والإحباط، وهو بالتأكيد ليس ما يريده من العلاقة أو يبحث عنه.

يُفيد أيضًا التوضيح للطرف الآخر أن هذه ليست بطريقة صحيحة لحل المشكلات، خصوصًا المشكلات في هذا النوع من العلاقات. ينبغي على المرء أن يقول بصريح العبارة إن كان التعامل بأسلوب الصمت العقابي هذا أمرًا يهدد العلاقة واستمرارها بالنسبة له أم لا.

 تجاهل الموضوع حتى يمر

لا يتعامل المرء بأسلوب الصمت العقابي مع الطرف الآخر دائمًا بهدف أذيته، بل قد تكون أحيانًا مشكلة خرجت عن السيطرة وتطورت لتقطع التواصل بين الطرفين.

يُفضل في هذه الحالات أن يتغاضى المرء عن هذه المشكلة حتى تمضي وكأنها لم تحدث.

قد يكون ذلك أسلوبًا عدوانيًا سلبيًا يطبقه أحد الطرفين لفرض سيطرته على الآخر في بعض الحالات، وتهدف هذه الطريقة إلى إشعار الطرف الآخر بالذنب حتى يبادر بالاعتذار أولًا بعد المشكلة. لا يضيّع هؤلاء الأشخاص وقتهم بحل الخلاف عادةً، بل ينتظرون الطرف الآخر حتى يتنازل لمطالبهم ويعتذر أولًا.

يُنصح المرء في هذه الحالات بأن يشغل نفسه بمهامه ولا يكترث لأسلوب الصمت العقابي. يصعب تنفيذ هذه النصيحة، لكن بعض الأنشطة (كالخروج من المنزل أو قراءة كتاب مفيد) تساعد على جعلها أسهل.

لا يجب إعطاء الطرف المسيء أي اهتمام إذا حاول التواصل، بل ينبغي أن يوضَّح لهم أن الصمت العقابي لن يجعله يتنازل أو يعتذر إن لم يخطئ.

 تقديم الحلول

ينصح الطرفان بتحديد موعد يلتقيان به وجهًا إلى وجه لوضع قواعد للتواصل وحل المشكلات مستقبلًا، يتمثل ذلك بتحديد الطريقة التي يجب على الطرفين التحدث بها في حالات الخلاف لتجنب أسلوب الصمت العقابي.

يفضل أن يتناوب الطرفان في الاستماع للطرف الآخر وتكرار ما فهمه المرء من كلامه، وذلك لتجنب أي سوء تفاهم وتوضيح مراد الطرفين من العلاقة. ينصح أيضًا أن يعرض أحد الطرفين على الآخر الذهاب للاستشارة الزوجية بحثًا عن أساليب أفضل للتواصل، وذلك إذا كانا في علاقة عاطفية.

 الدفاع عن النفس

لا تعد هذه العلاقة علاقة سليمة إذا تطور الأمر ليصبح إساءة عاطفية، بل يجب على المرء أن يضع صحته واحتياجاته أولًا. وينصح الشخص بما يلي إذا كان يرغب بالحفاظ على العلاقة:

  •  وضع قواعد صارمة حول السلوك المقبول، وأسلوب التعامل الذي يناسبه.
  •  الاستعانة بالاستشارات الفردية أو الزوجية للعمل على تقوية الٌعلاقة ومشكلات التواصل.
  •  تحديد العواقب التي تترتب على تجاوز أحد الطرفين لقواعد العلاقة.

يجب على الشخص أن ينهي العلاقة إن لم يبقَ أي أمل في التغيير.

ما يجب تجنبه

يتضمن ما يلي بعض الأمور التي يُفضّل تجنبها في الرد على أسلوب الصمت العقابي:

  •  الغضب الذي يزيد المشكلة سوءًا.
  •  الترجي والتذلل للطرف المسيء، فذلك يحثه على على تكرار هذا التصرف مستقبلًا.
  •  الاعتذار في سبيل حل المشكلة، حتى لو لم يخطئ المرء.
  •  التفكير بإنقاذ العلاقة والاستمرار مع الطرف الآخر بعدما أعطاه المرء فرصةً سابقًا.
  •  أخذ أسلوب الصمت العقابي على محمل الجد، إذ أن الشخص ليس مسؤولًا عن الطريقة التي يعامله بها الآخرون دون سبب.
  •  تهديد الطرف الآخر بإنهاء العلاقة قبل أن يكون مستعدًا لذلك تمامًا.

التعرف على أنواع أخرى من الإساءة العاطفية

لا يرتبط أسلوب الصمت العقابي دائمًا بالإساءة العاطفية، إذ يفتقر البعض إلى مهارات التواصل الفعالة فيجدون أنفسهم بحاجة إلى الانعزال لحل سوء التفاهم.

يمثل الصمت العقابي رغم ذلك سلاحًا أساسيًا يستخدمه المعتدون عاطفيا للتحكم بالطرف الآخر. قد يصعب على من يتعرض للإساءة العاطفية في البداية أن يعرف حجم المشكلة التي يتعامل معها.

يتضمن ما يلي بعض إشارات التحذير من العنف النفسي التي يجب ألا يتجاهلها المرء:

  •  الصراخ باستمرار.
  •  الشتم والإهانة.
  •  حدوث نوبات من الغضب، والتعنيف، ورمي الأشياء.
  •  محاولات إحراج الطرف الآخر، خصوصًا أمام الآخرين.
  •  الغيرة والاتهام بالخيانة.
  •  اتخاذ قرارات عن الطرف الآخر دون موافقته.
  •  التجسس والتلصص.
  •  الانعزال عن العائلة والأصدقاء.
  •  تطبيق رقابة مالية.
  •  إلقاء اللوم على الطرف الآخر إذا أخطأ دون أن يعتذر عن ذلك لاحقًا.
  •  تهديد الطرف الآخر بأن يؤذي نفسه إن لم يتنازل لمطالبه.
  •  توجيه التهديدات للطرف الآخر، أو الأشخاص المقربين له، أو حيواناته الأليفة، أو ممتلكاته الخاصة.

يجب الحذر إذا بدت الأمور السابقة لبعض الناس مألوفة، أظهرت الأبحاث أن الإساءة العاطفية قد تملك آثارً قصيرة وطويلة الأمد، حتى لو لم تظهر الإساءة بصورة جسدية، وتتضمن هذه الآثار كلًا من مشاعر:

  •  الوحدة.
  •  قلة الثقة بالنفس.
  •  اليأس.

وقد تشكل الإساءة العاطفية عاملًا مساهمًا في بعض الأمراض أيضًا مثل:

  •  الاكتئاب.
  •  متلازمة التعب المزمن.
  •  الاعتدال العضلي الليفي.

اقرأ أيضًا:

ما هي علامات الإساءة العقلية والعاطفية؟

كيف تحمي أطفالك من الإساءة الجنسية على الإنترنت؟

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: زينب ساسي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر