يوجد نحو 2700 شركة بالغة النجاح في العالم تُعرَف باسم الأبطال الخفيين ونصف هذه الشركات تقريبًا شركات ألمانية. بخلاف الشركات الكبيرة المعروفة، لا يعرف معظم الناس أسماء هذه الشركات. ولكن ضمن قطاع عملها فإن هذه الشركات معروفة ومثيرة للإعجاب وقد تكون مخيفة أيضًا، إلا أنها نادرًا ما تُذكَر في التقارير الإعلامية.
تتجاوز حصة الأبطال الخفيين (أو الأبطال المختبئين) السوقية في العالم نسبة 50%.
ولكي تُصنّف الشركة ضمن هذا التصنيف، على الشركة متوسطة الحجم أن تكون ضمن أهم ثلاث شركات في السوق العالمي لمجال عملها، أو أن تكون الأولى ضمن القارة التي تعمل بها الشركة.
يُظهر الجدول التالي عدد هذه الشركات في كل دولة: أسرار أهم شركات التصدير الألمانية
صاغ البروفيسور هيرمان سايمون مصطلح الأبطال الخفيين منذ ثلاثين عامًا تقريبًا، ويقول:
«تتهرب العديد من الشركات بالغة النجاح مِن انتباه مَن يكون عملهم معرفة كل شيء (الإعلام) أو فهم كل شيء (العلماء) أو تحسين كل شيء (المستشارين). وهذا هو عالم نخبة الشركات متوسطة الحجم عالميًّا، عالم الأبطال الخفيين وعميقًا تحت عناوين النجاح الباهر في الأعمال، يختبئ مصدر للحكمة في القيادة غير ملحوظ بتاتًا».
حاول البروفيسور سايمون، وهو أهم خبير ألماني في الإدارة وواحدٌ من 24 مفكرًا في الإدارة حول العالم، تفسير نجاح ألمانيا كإحدى الدول الريادية عالميًّا في مجال التصدير عندما عرّج على الأبطال الخفيين.
وبالنظر إلى إحصائيات تدرس نصيب الفرد من صادرات الدولة بين عامي 2009-2018 نلاحظ صدارة ألمانيا بنصيب فرد يبلغ 163,519$ تليها كوريا الجنوبية بقيمة تبلغ 108,702$.
أما ترتيب الولايات المتحدة فكان الثامن بقيمة تبلغ 40,483$.
وتملك ألمانيا عددًا من الأبطال الخفيين أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وبقسمة عدد الأبطال الخفيين على عدد السكان، يوجد في ألمانيا 16 شركة لكل مليون فرد، تليها اليابان 1.6 شركة لكل مليون فرد، أما ترتيب الولايات المتحدة فكان الرابع، 1.2 شركة لكل مليون فرد.
عقلية قادة الأبطال الخفيين
عند السؤال عن أسرار نجاح هذه الشركات، دائمًا ما كان جواب البروفيسور سايمون كلمة واحدة: القيادة.
وفي أساسيات بحثه، عرّف البروفيسور سايمون خمس خصائص للقيادة تميّز قادة الأبطال الخفيين الناجحين:
- وحدة الشخص والهدف.
- العقلية الفردية.
- عدم الخوف.
- المثابرة والقدرة على التحمل.
- إلهام الآخرين.
ويجدر بنا الإشارة أيضًا إلى قادة الشركات الكبيرة الذين يجمعون كل هذه الصفات، وهم المؤسسون والمالكون لشركات فائقة النجاح، أشخاص استثنائيون مثل ستيف جوبز وبيل غيتس وجيف بيزوس ومارك زوكربيرغ.
ولكن عند الحديث عن المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، فمعظمهم ليسوا من مؤسسي الشركة أو أصحاب الحصص الكبيرة فيها، وإنما موظفون كمديرين ولهم رواتبهم ويعملون نيابةً عن أصحاب الحصص.
عمومًا، إن هذه الصفات الخمس أكثر ندرة وأقل وضوحًا لدى قادة الأبطال الخفيين.
الهوس الأحادي
وحدة الشخص والهدف:
نادرًا ما يكون المديرون التنفيذيون للشركات الكبرى متشابكين على نحو شخصي مع الشركة وغارقين فيها بعمق، بخلاف قادة الأبطال الخفيين حسب وصف البروفيسور سايمون.
يبلغ معدل تبعية المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى 6 سنوات فقط، ولكن استمرارية قيادة الأبطال الخفيين أكثر بكثير من ذلك، ويصل عدد أعوام قيادة الفرد للشركة إلى أكثر من 20 عامًا.
ولهذا السبب نلاحظ أن مبدأ العقلية الفردية أكثر وضوحًا بكثير لدى قادة الأبطال الخفيين.
إنهم ملتزمون بمهامهم ورؤيتهم وشركاتهم إلى أقصى حد.
وفقًا لهذا المنظور، يمكن وصفهم بأنهم مصابون بالهوس الأحادي، فهم قادة غير قادرين على الاندماج والوحدة بهذه الدرجة مع أي شركة أخرى.
ولأن قادة الأبطال المخفيين مندمجون مع شركاتهم لهذه الدرجة، مشكِّلين معها وحدة واحدة لا تتجزأ، يمكننا القول إن أوجه الشبه بينهم والمبشِّرين أكثر منها بينهم والمديرين التنفيذيين الذين يتصفون بالموضوعية والعقلانية وعدم التحيز.
الإلهام
إن قادة الأبطال المخفيين قادرون على إلهام متابعيهم لأنهم يملكون أقصى درجة ممكنة من الحماس، مثلما فعل ستيف جوبز، الذي قال:
«لن تتمكن من البقاء إلّا إذا كنت تملك الكثير من الشغف لهذا الأمر، لأنك ستتخلى عنه. لذا يجب عليك أن تملك فكرةً أو مشكلةً أو خطأً تريد إصلاحه، ويجب أن تملك الشغف لذلك، وإلّا لن تجتهد كما يجب لإتمام المهمة».
كان جوبز مثالًا بارزًا على المثابرة، فهو شخص تمسك بمنتجٍ بعنادٍ، مع عدم وجود أي مؤشر يشير إلى أن هذا المنتج سيجني له المال في المستقبل.
لو كان المال ما يُحفِّز جوبز، لانسحب جوبز باكرًا ولكن كان الشغف ما يقوده، ولذلك استطاع الاستمرار رغم كل العوائق والنكسات. يُلاحَظ أن النجاح نتيجة للقدرة على التحمل، ولكن ليست القدرة على التحمل إلّا نتيجة للشغف المستدام.
يتميز قادة الأبطال المخفيين بهذه الخصائص أكثر بكثير من غيرهم.
الشجاعة لمواجهة المخاطر
لا يعرف قادة الأبطال المخفيين الخوف.
ولأنهم رياديون، غالبًا ما تكون ثرواتهم الشخصية مرتبطةً بشدة بنجاح الشركة، وقد يخسرون كل شيء في حال فشل الشركة. من الواضح إذن أنهم يمتلكون الجرأة والشجاعة لمواجهة المخاطر.
أظهرت أبحاث ريادة الأعمال أن إحدى أهم صفات رواد الأعمال الناجحين هي الاستعداد لمواجهة المخاطر.
لا يخاطر المديرون الذين يتقاضون راتبًا على نحوٍ شخصيٍّ كما يخاطر رواد الأعمال، ولا مشكلة في ذلك رغم كل الانتقادات العامة الموجهة لهم.
قد يكون راتب المدير التنفيذي هائلًا، ولكنه لا يدنو من أرباح أصحاب الشركة، وهذا الأمر منطقي لأن مخاطرة المديرين التنفيذيين أقل بكثير من مخاطرة رواد الأعمال المستقلين.
ولذلك نرى الجرأة بصورة أوضح لدى قادة الأبطال الخفيين.
السباحة عكس التيار
تظهر جرأة رواد الأعمال بوضوح بسباحتهم عكس التيار وأفعالهم المغايرة تمامًا لأفعال أقرانهم في الأسواق.
وصف الاقتصادي النمساوي شومبيتر هذا النوع من ريادي الأعمال بأنه شخص يسبح عكس التيار بقوله:
«لا تعنيه حقيقة أن أمرًا ما ليس معمولًا به بعد، ولا يعدّها حجةً. ولا يشعر بالعوائق التي تقيّد السلوك الاقتصادي للعملاء».
إن هذا النوع «يخرج باستنتاجات من العالم المحيط به تختلف عن الاستنتاجات التي يصل إليها معظم العملاء الاقتصاديين الاستاتيكيين».
وإنه أيضًا «لا يكترث أبدًا بما يقوله أقرانه والمتميزون الآخرون عن عمله».
يمكن أن نلاحظ وجود هذه الصفات التي وضحها شومبيتير (على غرار الصفات التي ذكرناها سابقًا) لدى المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، ولكنها موجودة بصورة أوضح بكثير لدى قادة الأبطال الخفيين.
ويشرح البروفيسور سايمون سبب هذا الأمر بقوله:
«ربما لم يكن بوسع معظم قادة الأبطال الخفيين ممارسة حياتهم المهنية في الشركات الكبرى، لأنهم ببساطة لن يكونوا قادرين على الخضوع لنظام الشركة. لكي تصعد إلى القمة وتصبح المدير التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى، هذا يتطلب منك أن تكون أكثر قدرة على التأقلم من معظم قادة الأبطال الخفيين».
المنظور بعيد المدى
المثابرة والقدرة على التحمل:
يقضي قادة الأبطال الخفيين معظم حياتهم في شركة واحدة، بخلاف المديرين التنفيذيين الذين يتنقلون بين الشركات كل بضع سنوات.
لذلك، توضع الخطط والأهداف التي ينفذها قادة الأبطال الخفيين على أساس المدى البعد والتفكير الاستراتيجي.
وبما أن معظم شركات الأبطال الخفيين غير مدرجة في أسواق الأسهم، لا يتبع قادتها الأهداف قصيرة المدى التي يركز عليها المحللون في أسواق الأسهم.
ونتيجةً لذلك، يبلغ متوسط إنفاق الأبطال الخفيين على الأبحاث والتطوير ضعف إنفاق الشركات الأخرى، ما يعكس طبيعة التفكير بعيد المدى الذي يتمتعون به.
يختتم البروفيسور سايمون:
«إن قادة الشركات هم المصدر الرئيس لنجاح الأبطال الخفيين. ويتصفون بوحدة الشخص مع الهدف والعقلية الفردية والجرأة والقدرة على التحمل وإلهام الآخرين. لا يجمع الكثير من الناس بين هذه الصفات الشخصية، والقادة فئة نادرة».
اقرأ أيضًا:
تقنية القوة النسبية في التحليل الاقتصادي
خمس شركات طيران شهيرة لم تعد موجودة
كيف خسرت نوكيا معركة الهواتف الذكية؟
ترجمة: كميت خطيب
تدقيق: إدريس زويتن
مراجعة: رزان حميدة