شبكة المادّة المظلمة

في ثلاثينيّات القرن الماضي، لاحظ عالم الفضاء السويسري (فريتز زويكي – Fritz Zwicky) أنّ المجرّات في التّجمعات البعيدة تدور حول بعضها البعض أسرع ممّا يجب، ونقصد هنا بالنّظر إلى كمّية الكتلة المرئيّة التي تمتلكها تلك المجرّات.

اقترح زويكي وجود مادّةٍ غير مرئيّة وأطلق عليها اسم (المادّة المظلمة – Dark Matter)، والتي قد تكون السّبب في الجذب الرّهيب المتبادل بين هذه المجرّات.

منذ ذلك الحين، استطاع الباحثون إثبات وجود هذه المادّة الغامضة في الكون ككل، بل وتوقّعوا أنّ كمّيّتها تفوق كمّيّة المادّة الطبيعيّة -التي تتكوّن منها النجوم والكواكب المعروفة- بـ 6 أضعاف، أي أنّها موجودةٌ في الكون وبوفرة.

وبالرّغم من قدرة العلماء على رؤية المادّة المظلمة في الكون، إلّا أنّهم لا زالوا يحاولون فهمها حتّى الآن.

في هذا المقال ستجد 10 أسئلةٍ لم يجبها أحد حول المادّة المظلمة.

1- ما هي المادّة المظلمة؟

في البداية، وحتّى الآن، لا زال العلماء في حيرةٍ من أمرهم عند محاولة تعريف ما هي المادّة المظلمة.

في بداية المطاف، تكهّن بعض العلماء بأنّ الكتلة المفقودة في الكون نتجت من نجومٍ باهتةٍ صغيرة وثقوبٍ سوداء، لكنّ الملاحظات الدقيقة أثبتت أنّ هذا التكهّن لا علاقة له بحقيقة المادة المظلمة.

والمنافس الوحيد لمعضلة فهم المادّة المظلمة هو جسيمٌ افتراضي، يسمّى بـ “الجسيم الضخم قليل التفاعل”، ويرمز له بالرّمز “WIMP”، الذي سنستخدمه لاحقًا في مقالنا.

سيتصرّف هذا الجسيم كتصرّف النيوترون، لكنّه أثقل بما يقارب 10-100 مرّة من البروتون.

2- هل يمكننا تحديد المادّة المظلمة؟

بحسب الافتراضات السابقة، إذا كانت المادة المظلمة تتكوّن من جسيمات “WIMP”، فيجب أن تكون حولنا دائمًا، غير مرئيّة ومن الصعب تحديدها.

إذا كان هذا صحيحًا، لم لم نحدّد أيًّا منها حتّى الآن؟

مع أنّ المادّة المظلمة لا تتفاعل مع المادّة العاديّة كثيرًا، فإنّ هناك احتمالًا ولو ضئيلًا أنّ جسيمًا من المادّة المظلمة سيصطدم بجسيمٍ عاديّ كالبروتون أو الإلكترون عند مروره في الفضاء.

بالتالي، جرّب العلماء تجارب عديدةً، تمحورت حول دراسة عددٍ كبير من الجزيئات العاديّة في أماكن تحت الأرض، معزولةً عن تدخّل الإشعاع الذي قد يخادع ويتصرّف بطريقة تشبه تصرّف تصادم جزيء من المادّة المظلمة.

المشكلة تكمن في أنّه وخلال عشرات الأعوام من التجارب لم يحصل العلماء على دليلٍ واحد أو اكتشافٍ حول المادّة المظلمة.

حتّى في بداية العام الحاليّ، أظهرت التجربة الصينيّة “PandaX” عدم قدرتها على تحديد جزيئات “WIMP”.

على ما يبدو أنّ جزيئات المادّة المظلمة أصغر بكثير من جزيئات “WIMP”، أو أنّها تفتقد الخصائص التي تجعل من دراستها أمرًا سهلًا.

3- هل تتكوّن المادّة المظلمة من أكثر من جسيم؟

تتكوّن المادة الطبيعيّة التي نعرفها من أكثر من جسيمٍ واحد -مثل الإلكترونات والبروتونات، إلى جانب العديد من الجسيمات الأخرى كالنيوترونات-.

ومن هذه النّقطة، تسائل بعض العلماء عما إذا كانت المادة المظلمة تتكوّن من جسيماتٍ عديدة.

ومن الجدير بالذّكر أنّ المادة المظلمة تشكّل ما نسبته 85% من الكتلة المعروفة للكون.

يقول (أندري كاتز – Andrey Katz) –فيزيائيّ من جامعة هارفرد-: «ليس هناك سببٌ مقنع لافتراضنا أنّ المادة المظلمة تتكوّن من نوعٍ واحد من الجسيمات فحسب».

من الممكن أن تتّحد بروتوناتٌ مظلمة مع إلكتروناتٍ مظلمة لتكوّن ذرّاتٍ مظلمة، منتجةً شيئاً جديدًا مشابهًا بتنوّعه للمادة التي نعرفها.

ولا يمكننا حتّى الآن رفض أو قبول أيّ ادّعاء، وذلك لأنّنا وبكل بساطة لا نعرف تحديدًا ماهيّة المادة المظلمة.

4- هل توجد قوىً مظلمة؟

إلى جانب الجزيئات التي تتكوّن منها المادة المظلمة، هناك احتمال أنّ المادّة المظلمة تمارس وتخضع لقوًى مشابهة لتلك التي تخضع لها المادّة الطبيعيّة.

بحث بعض العلماء عن “الفوتونات المظلمة”، والتي من الممكن أن تشبه الفوتونات المتبادلة بين الجسيمات العاديّة مؤدّيةً إلى نتوج قوّةٍ إلكترومغناطيسيّة، والفرق أنّ جسيمات المادّة المظلمة هي التي ستشعر بها فقط.

يحاول الفيزيائيون في إيطاليا ضرب حزامٍ من الإلكترونات بالأجسام المضادّة لها -والأجسام المضادة للإلكترونات هي المعروفة باسم البوزيترونات- على الألماس.

إذا صحّ وجود الفوتونات المظلمة فعلًا، فإنّ أزواج الإلكترون-بوزيترون ستنتج نوعًا جديدًا من القوّة الحاملة للجسيمات، الأمر الذي يشير إلى احتماليّة اكتشافنا لشيءٍ جديدٍ في الكون.

5- هل من الممكن أن تتكوّن المادة المظلمة من الأكسيونات؟

مع زيادة شغف الفيزيائيين بالـ “WIMP”، ظهرت المزيد من الافتراضات حول ماهيّة المادة المظلمة، والتي نالت إعجاب البعض أيضًا. أحد البدائل الأساسيّة للـ”WIMP” هو جسيمٌ افتراضيّ يعرف باسم (الأكسيون – Axion)، والذي سيكون خفيفًا جدًا، أي يمكننا القول حوالي أقلّ من كتلة البروتون بـ 10 مرفوعةٍ للقوّة 31 (1031).

تتمّ الآن دراسة الأكسيونات في عدّة تجارب، إحدى تجارب المحاكاة الحاسوبيّة رفعت احتماليّة قدرة الأكسيونات على تشكيل جسيماتٍ شبيهةٍ بالنّجوم، الأمر الذي يمكنه إنتاج إشعاعٍ نستطيع تتبّعه، ومشابه لظاهرةٍ غريبة تسمّى بـ “نبضات موجات الراديو السريعة”.

6- ما هي خصائص المادة المظلمة؟

اكتشف روّاد الفضاء وعلماؤه المادة المظلمة من خلال تفاعلاتها الجاذبيّة مع المادة العاديّة، ما يجعلها فرضيّةً جيّدة لطريقة وجودها المعروفة في الكون حاليًّا.

لكن عند محاولة فهم طبيعة المادة المظلمة، لم يحقّق الباحثون سوى القليل في هذا المجال.

بحسب بعض النظريّات، فإنّ جسيمات المادة المظلمة يجب أن تكون هي ذاتها جسيماتها المضادة، ما يعني: أنّ جسيمات المادة المظلمة يجب أن تدمر بعضها البعض عند التقائها.

حدّد محلّل الطيف المغناطيسي ألفا (AMS) الكثير من الحوادث في الكون، والتي قد يعزى بعضها إلى وجود المادّة المظلمة، لكن، لا يزال العلماء غير أكيدين حول ماهيّتها، قوّة إشارتها، وإذا كانت ناتجةً من مادةٍ مظلمة أساسًا.

7- هل تتواجد المادة المظلمة في كلّ مجرّة؟

بسبب كتلتها العظيمة مقارنةً بالمادّة العاديّة، نفترض أنّ المادة المظلمة وقواها هما المتحكّمان الرئيسيّان في تشكيل التجمّعات الضخمة كالمجرّات والتجمّعات المجريّة.

ومن المفاجئ، أنّه ومع بداية هذا العام أعلن علماء الفضاء عن وجود مجرّةٍ تدعى بـ “NGC 1052-DF2” والتي لا تحتوي على أيّ كمّيّةٍ من المادّة المظلمة.

ويوضّح بيتر دوكوم من جامعة ييل: «على ما يبدو أنّ المادة المظلمة ليست متطلّبًا أساسيّا لتشكيل مجرّة».

على الرغم من ذلك، بعد إعلان دوكوم وفريقه عن الاكتشاف، خرج فريقٌ آخر ليصرّح أنّ فريق دوكوم قد أخطأ قياس بعد تلك المجرّة، أي أنّ الكتلة المرئيّة منها كانت معتمةً وأخفّ ممّا هي عليه، وهذا قد يغيّر النتائج التي خرج بها الفريق الأوّل.

8- هل تمتلك المادة المظلمة شحنةً كهربائيّة؟

منذ بداية الزمان لفتت إشارةٌ انتباه الفيزيائيّين، ما جعلهم يقترحون أنّ المادة المظلمة قد تمتلك شحنةً كهربائيّة.

أشعّ أحد النجوم إشعاعًا بطول موجةٍ مساوٍ لـ 21 سنتيميترًا في بدايات الكون، أي بعد ما يقارب 180 مليون عامٍ من الانفجار العظيم.

تمّ امتصاصه بعدها بواسطة الهيدروجين البارد، والذي كان منتشرًا بكثرةٍ في الكون.

لفت انتباه العلماء أيضًا أنّ توقّعهم حول درجة حرارة الهيدروجين في تلك الفترة قد يكون خاطئًا، فالإشعاع الذي تمّ تحديده في فبراير من العام الحالي يقترح أنّ الهيدروجين كان أبرد مما توقّع العلماء.

اقترح أحد علماء الفيزياء الفضائيّة، (جوليان مونوز – Julian Muñoz) من جامعة هارفرد أنّ المادة المظلمة ذات الشحنة الكهربائية هي السّبب في سحب الحرارة من الهيدروجين المنتشر في تلك الحقبة، مشبّهًا الموضوع بقطع الثلج الطافية في كأس عصير.

9- هل من الممكن أن تتحوّل جسيمات المادة العاديّة إلى مادّةٍ مظلمة؟

بتعريفنا للنيوترونات، فهي جسيمات مادّةٍ طبيعيّة ذات حياةٍ محدودة، بعد مرور 14.5 دقيقة، يتحوّل النيوترون الخارج من الذرّة إلى بروتون أو إلكترون أو نيوترينو.

لكن، ومع إعادة التجربة السابقة، في ظروفٍ مختلفة اختلف الوقت اللازم لاضمحلال النيوترون، اختلف الوقت بين تجربتين بما يقارب 9 ثوانٍ.

في بداية هذا العام، اقترح الفيزيائيّون أنّه، وعلى فرض، أنّ 1% من النيوترونات تحوّلت إلى مادةٍ مظلمة، يمكننا تحديد سبب هذا الشّذوذ في وقت الاضمحلال.

حاول فريقٌ من (مختبرات لوس ألاموس الوطنية – Los Alamos National Laboratory) في نيو ميكسيكو تحديد إشارةٍ -من النيوترونات- والتي قد تكون مادةً مظلمة، لكنّهم فشلوا.

مع ذلك، لا زالت احتماليّة الاضمحلال إلى مادةٍ مظلمة قائمة.

مع كلّ الصعوبات العلميّة والعمليّة التي يواجهها العلماء في تحديد المادة المظلمة، ومحاولة تفسيرها، من الممكن طرح سؤالٍ منطقيّ: هل المادة المظلمة موجودة فعلًا؟

على مدار السنين، اقترح بعض العلماء أنّ نظريّتنا عن الجاذبيّة مخطئة أساسًا، وبالتالي فإنّ نظريّتنا عن وجود مادةٍ مظلمة غير صالحة أصلًا.

وبعد كلّ هذا، هل تظنّ بأنّ المادة المظلمة موجودة فعلًا؟

  • ترجمة: محمد يامين
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر