كشف تلسكوب المرصد الأوروبي الجنوبي الكبير في جمهورية تشيلي لأول مرة عن نجم يدور حول ثقب أسود كبير في مركز مجرة درب التبانة بطريقة توافق تنبؤات النظرية النسبية العامة لأينشتاين.
لعل شمولية النظريات والقوانين الفيزيائية من أقوى سمات الفيزياء وأكثرها إدهاشًا، إذ تفسر بعض القوانين والمعادلات الفيزيائية العديد من الظواهر الكونية بدءًا من اللحظات الأولى للانفجار العظيم وحتى مستقبل الكون المجهول، وفيما يلي نستعرض مدى قوة الفيزياء الحديثة.
الجاذبية
تشرح لنا نظرية النسبية العامة الحديثة لأينشتاين كيف تعمل الجاذبية؛ إذ يحني كل من المادة والطاقة نسيج الزمكان، وعليه ينحني المكان وفقًا للمادة وتتحرك المادة وفقًا للمكان، لكن حساب هذا الأمر معقد قليلًا، فقد نحتاج إلى عشر معادلات مترابطة لوصف هذا الانحناء والتشوه والحركة، إذ تمتلك هذه المعادلات قوةً هائلة.
على سبيل المثال، عند مستويات الجاذبية الضعيفة تتنحى معادلات أينشتاين جانبًا وتظهر فيزياء نيوتن لتفسر كل شيء، من حركة مسار كرات البيسبول إلى حركة السدود الكهرومائية، لكن بعيدًا عن سطح الأرض تعود معادلات أينشتاين لتفسر حركة الكواكب، إذ تزودنا معادلات النسبية بمواضع الكواكب بدقة وتتنبأ بمداراتها باستخدام نظام التموضع العالمي جي بي إس.
زودتنا معادلات النسبية العامة دون أي تعديل عليها باكتشافات جمة في الفضاء، فقد كشفت لنا وجود الثقوب السوداء وكيفية عملها وكيفية نمو أكبر هياكل الكون كالنجوم والكواكب، وكذلك بيّنت وجود المادة المظلمة في المجرات، وأخبرتنا عن الانفجار العظيم أيضًا.
كل هذه المعرفة مستمدة من عشر معادلات فقط تصف الفضاء والزمان الكونيين، وتُظهر أن للكون عمرًا محددًا في المقام الأول.
الطاقة النووية
عندما بدأ الفيزيائيون في إزاحة الستار عن الفيزياء النووية في أربعينيات القرن الماضي، لم يملكوا أي فكرة عن أنهم سيتوصلون إلى فتح النافذة لحل واحد من أكثر الألغاز حيرة في الكون ألا وهو كيف تعمل النجوم؟ وقبل ذلك الوقت حاول العلماء بشتى الطرق التوفيق بين عمر الأرض كما كشفه علماء الجيولوجيا وكل الطرق المعروفة لإبقاء الشمس بتوهجها الكامل.
عندما اكتشف الفيزيائيون الشروط اللازمة لعمل الاندماج النووي في النجوم من ضغط عال وحرارة وكثافة، أدركوا أن الظروف المؤدية إلى حدوث العمليات في القنابل والمفاعلات النووية ليست دائمًا من صنع الإنسان بل هي موجودة مسبقًا في قلب النجوم.
تستمد النجوم طاقتها نتيجة عمليات الاندماج النووي للهيدروجين التي تحدث داخلها مليارات السنوات، فالمعادلات التي يستخدمها الفيزيائيون لوصف تلك العمليات هي نفسها المستخدمة لتحويل التفاعلات النووية إلى طاقة يمكن استخدامها. توحد الفيزياء النووية الكون بطريقة مدهشة بدءًا من أصغر الذرات حتى أضخم النجوم.
معادلات الحركة
لا يستلزم اكتشاف شمولية قوانين الفيزياء استخدام فئة معينة من المعادلات النسبية أو الحسابات المعقدة للتفاعلات النووية، إذ نستطيع اكتشاف ذلك بطرق بسيطة ومباشرة مثل حادث سيارة.
عندما تصطدم سيارتان، نستطيع استخدام معادلات حفظ الطاقة والحركة لفهم كيفية حدوث الاصطدام، إذ إن المجموع الكلي للطاقة والحركة قبل عملية الاصطدام يساوي المجموع الكلي للطاقة والحركة بعده، وبواسطة هذه المعادلة البسيطة يفهم المحققون في الحادث عملية الاصطدام ويعرفون السائق المتسبب في الحادث وما الذي أدى إلى التصادم.
لا يقتصر الاصطدام على السيارات فقط بل توجد العديد من الأشياء التي تتصادم معًا كاصطدام النجوم واندماج المجرات والسدم الغازية، ونادرًا ما تجد بحثًا علميًا سواء في الفيزياء أو في علم الفلك لا يذكر معادلات حفظ الطاقة والحركة، فقد استطاع الفيزيائيون باستخدام هذه المبادئ فهم كل شيء تقريبًا في الكون.
لماذا تشع السدم الغازية طاقة؟
للحفاظ على الطاقة والحركة.
لماذا تتغير سرعة دوران النجوم النيوترونية؟
للحفاظ على الطاقة والحركة.
ماذا يحدث عند تتصادم النجوم؟
حفظ الطاقة والحركة.
في المرة القادمة عندما رؤيتك لحادث تصادم، خذ لحظةً وفكر في كمية الحركة والطاقة وكيف يطبق ذلك على الكون بأسره.
اقرأ أيضًا:
قوانين في الفيزياء يجب على الجميع معرفتها
ترجمة: بلال الإبراهيم
تدقيق: راما الهريسي