إنها نهاية الأسبوع، وكعادتك تحاول أن تقضي وقتك في حل لعبة سودوكو لتشغل وقت الصباح، لكنك تكتشف وقد شارفت على الانتهاء ولم يبق سوى مربعات قليلة لتملأها عدم وجود أي حل لتكمل هذه الأحجية.
تفكر أنك ربما ارتكبت خطأ ما فتحاول مجددًا ملء المربعات المتبقية، تقرر البدء من الموضع الذي لم تستطع إكماله وتستمر في الاتجاه الآخر لتصل إلى نقطة البداية، لتعجز مجددًا عن إيجاد أي حل يناسب تلك المربعات الفارغة.
عند البحث في الطبيعة الأساسية للوجود استنادًا إلى ميكانيكا الكم، ستجد أن الأمر يشبه محاولة حل أحجية سودوكو مستحيلة، نصل دائمًا إلى نهايات مسدودة في كل مرة نبدأ دراستها، فتنتهي محاولتنا بثغرة ما تجبرنا على أن نعيد دراستها بطريقة أخرى، لدراسة أسرار الكون إضافةً إلى كيفية عمله، ما يجعل ميكانيكا الكم ممتعةً إلى حد بعيد.
سنذهب معًا في جولة تملؤها الفلسفة في عالمنا استنادًا إلى ميكانيكا الكم.
1. حركة غامضة في المسافات بين الأجزاء
إحدى الأفكار التي سخر منها ألبرت أينشتاين كانت قدرة تأثر الأنظمة الفيزيائية ببعضها بسرعة تفوق سرعة مرور إشارة ضوئية بينها. وفقًا لما نعرفه تُعد سرعة الضوء البالغة 300 مليون م/ث الحد الأقصى للسرعة في الكون.
بالرجوع إلى أربعينيات القرن الماضي، وصف أينشتاين تلك الفكرة قائلًا: «حركة غامضة في المسافات بين الأجزاء»، وفي حين توقعت ميكانيكا الكم وجود حركة غامضة، افترض أينشتاين أن النظرية غير مكتملة، وأنه ستأتي في المستقبل نظرية أخرى تكشف حقيقة الأمر.
ليس لدينا حتى الآن نظرية أفضل من نظرية الكم. وما دمنا نعتقد أن كوننا يتكون من أجزاء مستقلة ومحددة من المادة، فلا بد من وجود حركة غامضة في المسافات بين تلك الأجزاء لتتماسك معًا.
2. تخفيف القبضة على الواقع
«ماذا لو لم يكن العالم يتكون من أجزاء مستقلة ومحددة من المادة؟ هل يمكن تلافي وجود الحركة الغامضة؟».
فكر علماء الفيزياء في ذلك بالفعل، لكن ذلك لا يعني أن أينشتاين كان محقًا.
جرى نقاش طويل بين العالمين أينشتاين ونيلز بور حول الأمر. كانت رؤية بور تتمثل في التخلي عن فكرة أن المادة التي يتكون منها عالمنا محددة جيدًا، ومن ثم نتلافى وجود حركة غامضة في المسافات بين الجزيئات. وفقًا لبور، فإن عالمنا لا يمتلك أي خصائص محددة إلا عند النظر إلى تلك الخصائص، أي أننا عندما لا ننظر إلى العالم، فهو غير موجود.
لكن أينشتاين أصر على تكوُّن العالم من مادة محددة سواءً أنظرنا إليها أم لا، وإلا فلن نكون موجودين لنتناقش حول وجود العالم أو العلم. لكن أينشتاين لم يستطع إثبات تكوُّن العالم من أجزاء محددة مستقلة مع تلافي وجود القوى الغامضة في الوقت ذاته.. أم أنه تمكن من ذلك؟
3. العودة إلى المستقبل
يُعد النقاش بين أينشتاين وبور مألوفًا في تاريخ ميكانيكا الكم، لكن الأقل شهرة هو اللغز حول كون عالمنا مكونًا من أجزاء محددة مع عدم وجود قوى غامضة. مع ذلك فهناك ما هو أغرب.
إن أمكن إجراء تجربة لقياس نظام كمي في المختبر، وأثّرت التجربة في الحالة التي كان عليها النظام قبل القياس، فإن هذه الفرضية تُسمى «السببية المنعكسة»، لأن أثر التجربة ينتقل عكسيًا في الزمن.
إن كنت تعتقد أن الفرضية غريبة فلست وحدك، هذه ليست فكرة شائعة وإن كان لها مؤيدون. لكن من وجهة نظر أخرى، إذا فكرت في فكرة وجود حركة غامضة في المسافات بين الأجزاء، أو أن عالمنا يبدو مختلفًا عندما لا ننظر إليه، فلن تبدو السببية المعكوسة بتلك الغرابة.
4. لن ترى شيئًا من قمة الأوليمب
تخيل أن زيوس سيد الآلهة يجلس على قمة جبل الأوليمب ليرى العالم كله، إنه يستطيع معرفة كل ما حدث أو يحدث أو سيحدث في الكون. هذا ما يسمى «عين الإله» للعالم. من الطبيعي أن تفترض وجود طريقة تحكم عالمنا، وإن كانت غير معروفة لأي أحد سوى لإله كلي القدرة.
تقترح أبحاث جديدة في ميكانيكا الكم استحالة وجود عين الإله حتى في المبدأ. يستطيع علماء مختلفون إجراء ملاحظات دقيقة في مختبراتهم وتسجيل نتائجهم، لكن عند مقارنة النتائج معًا ستظهر الاختلافات، ولن توجد أي حقيقة مطلقة حتى لدى زيوس.
لذا في المرة القادمة عندما تحاول حل أحجية سودوكو مستحيلة فلا تقلق، أنت لست وحدك، مجتمع فيزياء الكم، وحتى زيوس نفسه، يفهمون ما تشعر به!
اقرأ أيضًا:
إثبات أن معضلة فيزياء الكم مستعصية على الحل
سلسلة شيءٌ من عدم الطريق إلى نظرية الكم
ترجمة: حازم أبو العمرين
تدقيق: أكرم محيي الدين