حان الوقت لوداع أحد أكبر النجوم المعروفة. كل شيء نسبي؛ إذا ما قورن المشتري بالأرض فهو كبير، وإذا قورن بالشمس، فهو صغير. استنادًا إلى ذلك، فالشمس في الواقع مجهرية إذا ما قورنت بالنجوم العملاقة.
يقع نجمنا المحلي في المنتصف تمامًا، بين الكبير والصغير في تصنيف النجوم، وهنالك الكثير من النجوم في مجرتنا وحدها، تقع على أحد جانبي التصنيف، ومع ذلك لم يأسر أي منها الخيال كما فعل النجم المجاور المعروف بفي واي كانيس ميجور-Vy Canis Majoris ، ويعرف أيضًا باسم HD58061 أوHIP35793 ، متموضعًا على مسافة تتراوح بين ٣٨٠٠ و٥٠٠٠ سنة ضوئية من الأرض في كوكبة الكلب الأكبر.
يصنف نجم في واي كانيس ميجور تقنيًا نجمًا أحمر عملاقًا، ما يعني أنه من أكبر النجوم التي نعرف بوجودها في مجرتنا. قد تسألون، كم يبلغ حجمه؟ حسنًا، يقدر أن حجمه أكبر من الشمس بألف وثمانمائة إلى ألفين ومئة مرة، وكتلته أكبر بخمس عشرة إلى خمس وعشرين مرة.
في أوجه، ربما كان يزن ٤٠ كتلة شمسية (الكتلة الشمسية معادلة لواحدة من شمسنا أو ١،٩٨٩ * ٣٠^١٠ كغ)، ولكن يعتقد علماء الفلك أنه تجاوز نسقه الرئيسي ووصل إلى نهاية عمره النجمي، لذا ذهبت كمية كبيرة من كتلته في مهب الرياح الشمسية.
ما الذي يحدث في كانيس ميجور؟
كان يُعتقد أن كانيس ميجور أحد أكبر النجوم في الكون المعروف، ولكنه بعد ذلك أزيح عن عرشه من قبل يو واي سكوتي؛ نجم عملاق يقع قرب مركز درب التبانة (في كوكبة الدرع) بقياس نصف قطر مذهل يبلغ على الأقل ١٤٢٠ ضعفًا للشمس (يمكن أن تتسع ضمنه ٤٨٩ ترليون أرضًا من ناحية الحجم).
من الصعب تحديد الحجم الدقيق لأي من النجمين، لأن كلًا من في واي كانيس ميجور ويو واي سكوتي متغيران؛ حجمهما الظاهري وسطوعهما يتغيران غالبًا، ما يعني أنهما يصنفان تقنيًّا من النجوم النابضة المتغيرة.
هنالك صنفان رئيسيان للنجوم المتغيرة:
النجوم المتغيرة الحقيقية التي يتغير سطوعها بسبب النبضات أو الانفجارات أو التضخم أو الانكماش، والنجوم المتغيرة غير الحقيقية التي يظهر أن سطوعها يتغير بسبب الدوران النجمي أو لكونها كُسفت بكوكب أو نجم آخر.
هنالك أيضًا أنواع فرعية للنجوم المتغيرة، مثلًا، لدينا النجوم المتغيرة الحقيقية القيفوسية، التي أثبتت أهميتها الكبيرة في مساعدتنا على تحديد المسافة التي تبعدها بعض الأجسام عنا. قد تتساءلون؛ كيف ذلك؟ حسنًا، بالنسبة لنجم متغير قيفوسي، فإن السطوع المطلق للجسم يتناسب طردًا مع الوقت الذي يستغرقه النجم لتغيير سطوعه. هذا يعني أنهما يتمددان ويتقلصان تبعًا لنمط محدد.
في الماضي، كان علينا أن نخمن بعد بعض الأشياء عنا، ولكن بفضل عمل عالمة الفضاء هنرييتا سوان ليفيت، لم يعد علينا التكهن عندما يوجد نجم قيفاوي في الجوار. وفقًا لناسا، في عام ١٩١٢، كانت ليفيت تسجل وتصنف النجوم المتغيرة التي يتغير سطوعها من وقت إلى آخر، وقد لاحظت أن نوعًا معينًا من النجوم المتغيرة يسمى المتغير القيفاوي، إذ يتحول من ساطع إلى خافت وبالعكس بنحو شبه منتظم، والنجم الساطع في مقدمة هذا الرسم مثال على متغير قيفاوي يسمى آراس بوبيس. هذا النجم يسطع ويخفت بنحو متناغم ضمن فترة ستة أسابيع، وهو أكبر من شمسنا بعشرة مرات من حيث الكتلة ومئتي مرة من حيث الحجم.
استمرت ليفيت لاكتشاف علاقة مباشرة بين الوقت الذي يستغرقه متغير قيفاوي ليتحول من ساطع إلى خافت، ومدى سطوعه في الأصل.
سمحت معرفة هذه العلاقة لعلماء الفلك بقياس المسافة إلى أي مكان يمكنهم فيه رؤية متغير قيفاوي. هذه النجوم المميزة هي نسخة الفضاء من نقاط العلام المرجعية، مساعدةً علماء الفلك على تحديد بعد العناقيد النجمية والسدُم وحتى المجرات القريبة من الأرض.
قد يرجع سبب خفوت بعض هذه النجوم دوريًا لأسباب خارجية أحيانًا، مثل عبورها خلف غمامة كثيفة من الغبار بالنسبة لأدواتنا وتلسكوباتنا، ولكن قد يكون داخليًا أيضًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنجوم العملاقة، مثل يو واي سكوتي وفي واي كانيس ميجور.
بالنسبة لكانيس ميجور، فهو يخفت كل ٢٢٠٠ يوم أو نحوها. يُعتقد أن سبب نبضاته قد يكون متعلقًا بتغيرات حقيقية في الطبقات الخارجية من الغاز السطحي. إضافةً إلى ذلك، في عام ٢٠٢١، استطاع تلسكوب هابل رصد النجم وهو يبصق ألسنة كبيرة من الغاز الساخن، على ما يبدو بالتزامن مع التغيرات في السطوع، بعضها أخرج من مئات السنين، بينما بعضها الآخر أحدث بكثير.
بصرف النظر، خلال مئتين وبضعة سنوات من اكتشافه فهو يشع الآن بسدس السطوع الذي كان عليه فقط.
في أواخر ٢٠٢١، أعلن علماء الفلك من مستخدمي هابل أن السبب هو الغيوم الغازية الضخمة المنطلقة التي تشكل غمامة من الغبار حاجبةً بالتدريج المزيد من ضوئه.
ماذا سيحدث عندما يموت نجم في واي كانيس ميجور؟
صدقوا أو لا تصدقوا، إن عمر في واي كانيس ميجور أقل من عشرة ملايين عام، ومقارنة بشمسنا متوسطة العمر ذات ٤،٦ مليار سنة، فهو يافع جدًا، ولكنه بالفعل في خضم الموت. وعلى الأرجح أزال أكثر من نصف كتلته بالفعل. عمومًا، كلما كانت كتلة النجم أكبر، احترق محتواه من الغاز أسرع.
حالما ينفد الوقود في نواته، سينضغط النجم إلى حد كبير ويصبح مستعرًا أعظم (سوبرنوفا) بانهيار النواة، وحسب بعض التوقعات ربما يولد مستعرًا عظيمًا (هايبرنوفا) ،الذي بمقدوره توليد طاقة أكبر من المستعر الأعظم بمئة ألف مرة، ناهيك عن إطلاقه لاندفاعات من أشعة غاما، هنا تصبح المنطقة المركزية من النجم نجمًا نيوترونيًا أو ثقبًا أسود، والطبقات الخارجية من الغاز تقذف في الفضاء، مشكلةً بقايا مستعر أعظم. لأسابيع أو أشهر، سيتفوق حطام الانفجار بسطوعه على بقية المجرة، ويصبح مرئيًا بسهولة من الأرض خلال النهار.
ليست الأرض في خطر على كل حال، آخذين بالحسبان المسافة بين كوكبنا وفي واي كانيس ميجور، وحتى لو كانت أقرب بكثير، قد يتبخر في أي لحظة في السنوات المئة ألف القادمة، ومن يعلم إن كانت البشرية ستعيش إلى ذلك الوقت حتى.
حقائق سريعة عن في واي كانيس ميجور:
- يعد أحد أكبر النجوم المعروفة في الكون.
- إنه كبير جدًّا لدرجة أنه إذ استبدل بالشمس، سيمتد لمئات الملايين من الأميال، وقد يتخطى حدود مدارات المشتري وزحل.
- إنه نجم أحمر ونجم متغير نابض.
- إنه أبرد من الشمس، ولكنه أسطع بثلاثمئة ألف مرة.
- مقداره الظاهري يتراوح بين ٦،٥ و٩،٦، ومقداره المطلق ٩،٤ تقريبًا (المقدار هو مقياس لوغاريتمي لسطوع النجم في السماء).
- نصف قطره أكبر ١٤٢٠٠ مرة على الأقل من نصف قطر الشمس.
- حرارة سطحه ٣٥٠٠ كلفن وهي باردة بالنسبة لنجم.
- يخسر كل سنة ما يضاهي كتلة الأرض ٣٠ مرة.
اقرأ أيضًا:
الثقوب السوداء لا تصدر نيوترينوات عند التهامها النجوم
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: حسين جرود