من المرجح أن يسبب ذوبان مليارات الأطنان من جليد المناطق المتجمدة على سطح الأرض ارتفاعًا في درجة حرارة الأرض بمقدار 0.4 درجة مئوية، وفقًا لبحث نُشر حديثًا سلط الضوء على خطر «الحلقة المفرغة» لارتفاع درجة حرارة الأرض.
تناقصت مستويات الجليد في بحر القطب الشمالي بنسبة تزيد على 10% كل عقد منذ أواخر السبعينيات، وفقدت الجبال الجليدية قرابة 250 مليار طن من الجليد سنويًا في القرن الماضي، وتتسارع معدلات ذوبان جليد الصفائح الجليدية في غرب أنتاركتيكا وغرينلاند لتتجاوز ما كان يظنه العلماء أسوأ سيناريو للذوبان.
هدفت عقود من الدراسات إلى معرفة كيف يساهم ذوبان الجليد في ارتفاع مستويات سطح البحر، إذ تحتوي القارة المتجمدة الجنوبية -أنتاركتيكا- وغرينلاند على كمية من الماء المتجمد تكفي لرفع مستويات المياه في المحيطات بمقدار 60 مترًا. حاولت القليل من الدراسات أن تتوقع تأثير فقدان الجليد في درجة الحرارة، المرتفعة سلفًا بمقدار 1.0 درجة مئوية نتيجةً للاحتباس الحراري الناتج من الوقود الأحفوري منذ بداية الحقبة الصناعية.
استعمل علماء معهد بوتسدام الألماني لدراسة تأثيرات المناخ بيانات نموذج مناخي يتضمن مكونات الغلاف الجوي والمحيطات والجليدين البري والبحري، لتوقع تغيرات درجة الحرارة نتيجةً لفقدان الجليد في ظل سيناريوهات الانبعاثات المختلفة، ووجدوا أنه في ظل المستويات الحالية لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي -نحو 400 جزء في المليون- سترتفع درجة الحرارة بمقدار 0.4 درجة مئوية نتيجةً لذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي والأنهار الجليدية الجبلية والقمم الجليدية القطبية، فضلًا عن 1.5 درجة مئوية من ارتفاع الحرارة الذي بلغته مستويات انبعاثنا الحالية، ما يضع الجميع أمام مشكلة مؤكدة، ويلزمنا وضع سقف أكثر أمانًا للاحتباس الحراري العالمي في إطار اتفاق باريس.
يؤدي ذوبان الجليد إلى ارتفاع درجة الحرارة بسبب عملية تُعرف بالتغذية الراجعة لمُعامل البياض السطحي، إذ تُستبدل التربة أو مياه البحر الداكنة الماصة للحرارة أو كليهما بالجليد اللامع العاكس للحرارة.
قال قائد فريق البحث نيكو واندرلينج: «سيؤدي تناقص الجليد إلى تناقص أشعة الشمس المنعكسة من سطح الأرض إلى الفضاء، ومن ثم ارتفاع درجات الحرارة. تمامًا مثلما تشعر بالحرارة إذا ارتديت ملابس داكنة في يوم مشمس». يشبّه واندرلينج التغذية الراجعة للبياض السطحي بارتداء ملابس داكنة في الصيف، وتأثير ذلك في درجة الحرارة. يؤدي ذلك إلى حلقة مستمرة من التغذية الراجعة المناخية، إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الجليد، ما يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في درجات الحرارة، وهكذا.
نقطة التحول
يسبب الجليد الذائب زيادة معدلات البخار في الجو، ما يزيد تأثيرات الانبعاثات الغازية، ومن ثم ارتفاع درجات الحرارة، وفقًا للدراسة المنشورة في Nature Communications، وإذا اقتصر تركيزنا على الجليد البحري في القطب الشمالي -المتوقع ذوبانه تمامًا خلال أشهر الصيف في غضون عقود بخلاف القمم الجليدية القطبية- فسنجد أن ذوبانه سيساهم وحده في رفع درجة الحرارة عالميًا بمقدار 0.2 درجة مئوية، وسيستغرق ذوبان الكتل الجليدية الأكبر في غرينلاند وغرب أنتاركتيكا قرونًا، وإن استمرت معدلات الانبعاثات بالارتفاع. نوّه الباحثون بخطورة وصول تلك الكتل الجليدية العملاقة إلى نقطة اللا عودة مع ارتفاع درجات الحرارة.
نتيجةً لغموض الكثير من الأمور المتعلقة بنقطة تحول القمم الجليدية، أكّد واندرلينج أهمية التصرف بطريقة تجنبنا الخطر قبل وقوعه، ومحاولة تقليل الانبعاثات بأسرع ما يمكن، قائلًا: «مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة عالميًا يزداد احتمال وصولنا إلى نقطة التحول، ولا يقتصر الأمر على صفائح الجليد بل يمتد إلى أجزاء أخرى من النظام المناخي. سيجنبنا التزام اتفاقية باريس الكثير من الآثار القوية غير القابلة للإصلاح في جليد الأرض والمناخ العالمي والإنسانية جميعًا».
اقرأ أيضًا:
الاحتباس الحراري له تأثيرات مختلفة في درجات الحرارة الليلية عن درجات النهار
كلما اخضرّ كوكب الأرض، انخفضت وتيرة الاحتباس الحراري
ترجمة: أحمد جمال
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: أكرم محيي الدين