حَفِل عام 2019 بالإنجازات العلمية، من بينها حصولنا على أول صورة حقيقية للثقب الأسود، ومغادرة مسبار فوياجر 2 مجموعتنا الشمسية، واكتشاف قارة مخفية تحت أوروبا، وهبوط مركبة تشانجي 4 على الجانب المظلم من القمر، ونجاح تجربة الإنترنت الفضائي، وغيرها الكثير مما لم يسعنا ذكره في المقال. نوجز لكم أبرز 5 أحداث أثارت اهتمامنا هذا العام:
1. أول صورة حقيقية لثقبٍ أسود
في لحظةٍ تاريخية، كشف مجموعة من علماء الفلك في العاشر من نيسان (أبريل) الماضي عن أول صورة حقيقية التقطها تلسكوب أفق الحدث لثقبٍ أسود في الفضاء يقع في مركز مجرة M87، وهي مجرة بيضاوية عملاقة تقع على بعد نحو 55 مليون سنة ضوئية عن الأرض.
يبلغ حجم الثقب الأسود المرصود نحو 40 مليار كيلومترًا، أي أكثر من ثلاثة ملايين ضعف حجم الأرض، أما كتلته فقُدرت بما يعادل 6.5 مليار ضعف كتلة الشمس؛ لذا يعد هذا الثقب ضخمًا للغاية مقارنة بالثقوب السوداء العملاقة الأخرى.
استُخدمت شبكة مؤلفة من 8 تلسكوبات راديوية موزعة في أماكن متفرقة حول العالم لرصد هذا الثقب الأسود. عملت هذه التلسكوبات معًا وكأنها تلسكوب واحد بحجم كوكبنا بأكمله وعُرفت باسم تلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope.
أثبتت صورة الثقب الأسود هذه نظرية النسبية العامة لآينشتاين، وهي نظرية فاق عمرها قرنًا من الزمان.
2. تحقيق التفوق الكمي في مجال الحواسيب
في حدثٍ فريد، أعلنت جوجل في أكتوبر الماضي أنها حققت التفوق الكمي، وذلك بعد تمكن حاسوبها الذي يدعى سيكامور Sycamore من تنفيذ عملية حسابية يستغرق أسرع حاسوب تقليدي 10 آلاف عام لمعالجتها، في حين استغرق حاسوب جوجل مئتي ثانية فقط.
تُنفذ الحواسيب التي نعرفها المهام باستعمال جزء صغير من البيانات يسمى البت Bit، الذي لا يمكن أن يأخذ إلا قيمة واحدة: إما الصفر أو الواحد، أما الحواسيب الكمية فتُنفذ المهمات باستعمال أجزاء من البيانات تسمى الكيوبت Qubit، التي يمكن أن تكون صفرًا وواحدًا في الوقت ذاته.
تُعرف هذه الخاصية بالتراكب الكمي، وتعني أن هذا الحاسوب الكمي يمكنه أن يستخدم ظاهرة في ميكانيكا الكم تُسمى «التشابك» لمعالجة عدد هائل من الاحتمالات خلال لحظات. في ظاهرة التشابك، يمكن أن يوجد زوج من البتات في حالة واحدة حتى لو كانا متباعدين، وستؤدي إضافة عدد من الكيوبتات (أسيًا) إلى قفزات هائلة في سرعة المعالجة.
ما يزال السعي نحو التفوق الكمي مستمرًا؛ إذ يحتاج الباحثون أجهزة ووسائل قياس أعقد ليتمكنوا من تسخير قوة الكوانتم. لكن في الوقت الحالي، يُمكن تطبيق الحوسبة الكمية في مجالات الذكاء الاصطناعي وبرامج التشفير والعمليات المالية.
3. العثور على مياه لأول مرة على كوكب خارج مجموعتنا الشمسية
في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن العلماء عن رصد بيانات من تلسكوب هابل للفضاء تُظهر وجود بخار الماء في الغلاف الجوي للكوكب K2-18b، وهو كوكب اكتُشف أول مرة عام 2015 بواسطة مركبة كيبلر التابعة لناسا.
يقع كوكب K2-18b خارج مجموعتنا الشمسية، ويبعد عنها مسافة 110 سنة ضوئية، ويبلغ حجمه ضعفي حجم الأرض وكتلته أكبر بثمانية أضعاف.
أظهرت البيانات أيضًا أن الغلاف الجوي للكوكب K2-18b قد يحوي مياهًا تُقدر نسبتها ما بين 0.01% و50%، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الهيدروجين. ومع أن هذا الكوكب يدور حول شمسٍ أصغر من شمسنا، تتوقع النماذج الأولية أن حرارته تتراوح بين 46.6 و73.3 درجة مئوية، وهذا يماثل تقريبًا متوسط درجة حرارة الأرض. في حال أثبتت النتائج صحتها سيكون الكوكب K2-18b أول كوكب يمتلك غيومًا من بخار الماء، ما قد يجعله قابلًا لاستضافة الحياة.
4. رصد تصادم هائل بين نجم نيوتروني وثقبٍ أسود
في حدثٍ هو الأول من نوعه، أعلن علماء الفلك عن رصد اصطدام كوني هائل حدث قبل 900 مليون سنة ونتج عنه اندماج بين نجم نيوتروني وثقبٍ أسود.
رُصد حدث الاندماج الذي أُطلق عليه «S190814bv» عبر مقياسي تداخل موجات الجاذبية: ليجو LIGO الموجود في الولايات المتحدة وفيرجو Virgo في إيطاليا، إذ هز نسيج الزمكان، واجتاحت موجات الجاذبية الناتجة عنه الأرضَ في الرابع عشر من آب (أغسطس) عند الساعة 9:11 بالتوقيت العالمي.
هذا هو النوع الثالث من التصادمات التي رصدها العلماء باستخدام مقاييس موجات الجاذبية، إذ سبق ورصدوا اندماج ثقبين أسودين في سبتمبر 2015 واندماج نجمين نيوترونيين في أغسطس 2017.
تُمثل نتائج هذا الرصد بداية لحقبة جديدة في مجال البحث العلمي ودراسة تكوين النجوم النيوترونية والثقوب السوداء، وتساعدنا على فهم أفضل لنظرية النسبية العامة لآينشتاين.
5. أول مهمة سير في الفضاء بالتاريخ تؤديها نساء فقط
صنعت ناسا التاريخ حين خرجت رائدتا الفضاء كريستينا كوش وجيسيكا ماير خارج محطة الفضاء الدولية لاستبدال شاحن بطارية تالف، وذلك في الثامن عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
استبدلت رائدتا الفضاء وحدة شحن/تفريغ البطارية التي تعطلت بعد تركيب بطارية الليثيوم آيون الجديدة على الهيكل الخارجي للمحطة الفضائية في الحادي عشر من أكتوبر الماضي. وحدة الشحن هي واحدة من عدة وحدات تنظم شحن البطاريات التي تجمع الطاقة من ألواح الطاقة الشمسية الخارجية للمحطة.
مع أن عطل وحدة الشحن لم يؤثر على عمليات المحطة وسلامة الطاقم، فإنه منع بطاريات الليثيوم آيون الجديدة من تزويد المحطة بطاقة كبيرة.
صرحت كوش عند سؤالها في مقابلة عن أهمية المهمة التي أجرتها:«أنا أعي تمامًا الأهمية التاريخية لما فعلناه، إذ لم تكن النساء في الماضي قادرات على المشاركة في مثل هذه المهام. من الرائع أن يشارك المرء في برنامج رحلات الفضاء، وعندما يستطيع الجميع المشاركة تزداد فرص النجاح. ستلهم قصة نجاحنا العديد من الأشخاص».
اعتبرت ناسا هذا السير خارج محطة الفضاء الدولية الأول من نوعه في التاريخ؛ لأنه اقتصر على النساء فقط.
اقرأ أيضًا:
الثقب الاسود : أول صورة حقيقية للثقب الأسود
قفزة كمية في الحوسبة بعد إعلان جوجل عن تحقيق التفوق الكمي!
إعداد: حسام صفاء
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: تسنيم الطيبي