تُعرّف آليات الدفاع النفسي بأنها استجابات نفسية غير واعية تحرّف الواقع لتحمي الإنسان من مشاعر القلق وما يُهدد تقدير الذات والأفكار غير المرغوبة.
وصف آليات الدفاع النفسي لأول مرة سيغموند فرويد في نظريته في التحليل النفسي، إذ رأى أن هذه الآليات تحمي العقل الواعي متمثّلًا بالأنا من التناقضات بين الهو والأنا العليا، ما يحقق التوازن العقلي عند استخدامها باعتدال، لكنها قد تُصبح مرضية عند الإفراط في استخدامها.
توسعت ابنة فرويد آنا في نظرية والدها، وأضاف باحثون آخرون أيضًا آليات دفاع نفسي جديدة.
ما أكثر آليات الدفاع النفسي شيوعًا؟
الإزاحة:
هي نقل المشاعر والإحباطات من شخص أو موضوع ما إلى شخص أو موضوع آخر أقل تهديدًا؛ لأنّ إظهار المشاعر على الشخص أو الموضوع الأول غير مقبول ومُنتقد، مثل: إظهار مشاعر الإحباط والغضب بعد يوم سيئ حقًا في العمل على العائلة والأصدقاء أو حتى الحيوانات الأليفة، بدلًا من إظهارها على صاحب العمل.
الإنكار:
أحد أشهر آليات الدفاع النفسي، وهو الاستمرار بتجاهل حدوث الشيء وكأنه لم يحدث قط، مع رفض صريح للاعتراف بحدوث الشيء حاليًا أو سابقًا.
يحمي الإنكار الأنا من الأشياء التي لا تستطيع التعامل معها أو المواقف التي يكون الإنسان فيها غير قادر على مواجهة الواقع أو الاعتراف بحقيقة واضحة.
مثلًا، ينكر الأشخاص المُتعايشون مع إدمان المخدرات أو الكحول وجود مشكلة لديهم، وقد ينكر ضحايا الأحداث الصادمة أو الجرائم وقوع الحدث.
يحمي الإنكار مؤقتًا من القلق أو الألم، لكنه يستهلك كثيرًا من الطاقة؛ لذلك تُستخدم آليات الدفاع النفسي الأخرى للمساعدة في منع هذه المشاعر غير المقبولة من الإدراك الواعي ومنها الكبت.
الكبت:
هو إزاحة الأفكار والدوافع والمعلومات غير السارة إلى اللاشعور عبر التقليل من أهميتها لا شعوريًا.
مع ذلك، لا تختفي هذه المعلومات، بل ستظهر آثارها لاحقًا.
مثلًا، شخص يعاني صعوبةً في تكوين علاقات نتيجة كبت ذكريات سوء المعاملة التي عاناها في طفولته.
التعلية النفسية:
هي من آليات الدفاع النفسي التي بتحويل الدوافع غير المقبولة اجتماعيًا إلى سلوكيات أكثر قبولًا، ما يسمح بإخراج الدوافع غير المقبولة دون التعرض للانتقاد أو النبذ الاجتماعي. مثلًا، قد يتخذ الشخص الذي يعاني الغضب الشديد لعبة الملاكمة بصفتها وسيلة للتنفيس.
يعتقد فرويد أن التعلية النفسية علامة على النضج، وتسمح للناس بالعمل بطرق مقبولة اجتماعيًا.
الإسقاط:
هو نسب المشاعر أو الصفات غير المقبولة والمنتقدة إلى شخص آخر، مثل الشعور بالانجذاب إلى شخص آخر غير الشريك، ثم الخوف من أن الشريك يخون، أو الشعور بالكراهية تجاه شخص ما ونسب هذا له وبأنه هو الكاره.
يسمح الإسقاط بالتعبير عن الرغبة أو الدافع، ولكن بطريقة لا تستطيع الأنا التعرف عليها، ما يقلل التوتر.
الاستذهان:
يعمل الاستذهان على تقليل التوتر عبر التفكير في الأحداث بطريقة باردة. يتيح الاستذهان بصفته من آليات الدفاع النفسي تجنب التفكير في الجانب العاطفي والمرهق للموقف والتركيز فقط على العنصر المنطقي.
مثلًا، عندما يركز شخص شُخّص بمرض عضال على تعلم كل شيء عن المرض من أجل تجنب الضيق والبقاء بعيدًا عن واقع الموقف ومشاعره حيال ذلك.
التبرير:
هو آلية دفاع نفسي تتضمن شرح سلوك أو شعور غير مقبول بطريقة عقلانية أو منطقية، مع تجنب الأسباب الحقيقية للسلوك، مثلما يحدث عندما يبرر شخص رُفض في موعد غرامي الموقف بأنه لم ينجذب إلى الشخص الآخر على أي حال. ومثل تبرير الطالب نتيجة ضعيفة في الامتحان عبر إلقاء اللوم على المعلم بدلًا من الاعتراف بتقصيره.
لا يمنع التبرير التوتر فحسب، بل يحمي أيضًا احترام الذات ومفهوم الذات.
يميل الأشخاص الذين يستخدمون التبرير عند محاولة تفسير النجاح أو الفشل إلى عزو الإنجاز إلى صفاتهم ومهاراتهم، وعزو الفشل على الأشخاص الآخرين أو العوامل الخارجية.
النكوص:
من آليات الدفاع النفسي، ويعني العودة إلى أنماط السلوك المستخدمة في وقت سابق من التطور عند مواجهة الأحداث المجهدة. أطلقت آنا فرويد على هذه الآلية الدفاعية اسم النكوص، واقترحت نكوص الناس بسلوكهم إلى سلوكيات من مرحلة التطور النفسي الجنسي التي علِقوا بها.
لذلك تختلف السلوكيات المرتبطة بالنكوص اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على المرحلة التي ثَبُت أو عَلِق بها الشخص.
مثلًا، يبدأ الفرد الذي علق في المرحلة الفمية في الأكل أو التدخين المفرط عند نكوصه، أو قد يصبح عدوانيًا لفظيًا، وقد يتجلى النكوص لدى العالقين في المرحلة الشرجية بالفوضى.
التكوين العكسي:
يخفف التكوين العكسي من التوتر عبر تبني الشعور أو الدافع أو السلوك المعاكس، مثل معاملة شخص مكروه كثيرًا بطريقة ودية جدًا من أجل إخفاء المشاعر الحقيقية.
لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟ وفقًا لفرويد، يستخدم الناس التكوين العكسي بصفتها آلية دفاع لإخفاء مشاعرهم الحقيقية عبر التصرف بطريقة معاكسة تمامًا.
آليات الدفاع النفسي الشائعة الأخرى:
منذ أن وصف فرويد آليات الدفاع الأصلية لأول مرة، واصل باحثون آخرون وصف طرائق أخرى لتقليل التوتر.
تتضمن بعض آليات الدفاع النفسي هذه ما يأتي:
- التنفيس: هو التعامل مع التوتر عبر الانخراط في أفعال بدلًا من الاعتراف بمشاعر معينة وتحملها، مثل الصراخ أو رمي شيء على الحائط عند الغضب.
- تثبيط الهدف: هو قبول شكل مشابه من الهدف؛ أي أن يصبح الشخص مدرب كرة سلة في المدرسة الثانوية بدلًا من أن يصبح رياضيًا محترفًا.
- الإيثار: تلبية الاحتياجات الداخلية عبر مساعدة الآخرين.
مثلًا، أن يتطوع شخص ما يتعافى من تعاطي المخدرات لمساعدة الآخرين على التعافي كطريقة للتعامل مع الرغبة الشديدة في تعاطي المخدرات.
- التجنب: رفض التعامل أو مواجهة أشياء أو مواقف غير سارة. مثلًا، تجنب المشكلة تمامًا مع شخص ما بدلًا من مناقشتها معه.
- التعويض: من آليات الدفاع النفسي، ويعني تعويض الفشل في مجال ما عبر الامتياز بآخر. مثلًا، شخص يشعر بعدم الأمان أكاديميًا ويعوضه بالتفوق في ألعاب القوى.
- الافتراق: هو الانفصال عن التجارب المؤلمة أو إزالتها ونسيانها. مثلًا، الابتعاد العقلي والعاطفي عند التعامل مع شيء مرهق، ما يؤدي لفصله عن الذاكرة.
- الخيال: تجنب الواقع عبر الخيال، الذي يُعد مكانًا آمنًا عند التوتر، إذ يتراجع الشخص القلق إلى عالمه الداخلي حيث لا يستطيع أن يؤذيه سبب التوتر.
الدعابة: الإشارة إلى الجوانب المضحكة أو الساخرة الموقف، مثل قول النكات وقت التوتر. - العدوان السلبي: هو التعبير غير المباشر عن الغضب، مثل الصمت بدلًا من التعبير عن الغضب.
- الإبطال: محاولة تعويض مشاعر أو سلوكيات سابقة غير لائقة بما يعاكسها، مثل قيام شخص بشيء لطيف لشخص جرحه أو أهانه لإزالة القلق الناجم عن الشعور بالذنب.
يُنظر غالبًا إلى آليات الدفاع النفسي على أنها ردود أفعال سلبية، ولكن الجميع يحتاجها لتخفيف التوتر مؤقتًا وحماية احترام الذات في أثناء الأوقات الحرجة، ما يسمح للناس بالتركيز على ما هو ضروري في الوقت الحالي.
قد تكون بعض هذه الدفاعات مفيدة وصحية أكثر من غيرها. مثلًا، قد يكون استخدام الفكاهة للتغلب على موقف مرهق ومثير للقلق آلية دفاع تكيفية.
كيف تعمل آليات الدفاع النفسي؟
وضع سيغموند فرويد نموذجًا للشخصية على الشكل الآتي:
- الأنا: هي جانب الشخصية الذي يتعامل مع الواقع، وتتعامل الأنا أيضًا مع المطالب المتضاربة للهو والأنا العليا وتحقق التوازن بينهما.
- الهو: هو جزء الشخصية الذي يسعى إلى إشباع كل الرغبات والاحتياجات والدوافع. هو الجزء الأساسي الفطري في الشخصية، ولا يأخذ في الاعتبار أشياء مثل الاعتبارات الاجتماعية أو الأخلاق أو حتى حقيقة إشباع رغباتنا واحتياجاتنا.
- الأنا العليا: هي نقيض الهو، وتتكون من جميع الأخلاق والقيم الداخلية التي تُكتسب من أفراد الأسرة والتأثيرات الدينية وتقاليد المجتمع.
اعتقد فرويد أن آليات الدفاع النفسي ساعدت على حماية الأنا من الصراعات بين الهو والأنا العليا ومعطيات الواقع، ما قلل القلق الذي يحدث عند تضارب الرغبات مع قيود الواقع والمعايير الأخلاقية الخاصة.
وفقًا لفرويد، يُعرّف القلق بأنه حالة داخلية غير سارة يسعى الناس إلى تجنبها. يعمل القلق بصفته إشارة للأنا بأن الأمور لا تسير كما ينبغي. لذلك تستخدم الأنا نوعًا من آليات الدفاع النفسي للمساعدة في تقليل مشاعر القلق هذه.
أنواع القلق:
لا تتساوى أنواع القلق، ولا تنبع هذه المخاوف من المصدر نفسه. حدد فرويد ثلاثة أنواع من القلق:
- القلق الأخلاقي: الخوف من انتهاك المبادئ الأخلاقية.
- القلق العصبي: الخوف اللاواعي من فقدان السيطرة على دوافع الهو، ما يؤدي إلى معاقبة السلوك غير اللائق.
- القلق الواقعي: الخوف من أحداث العالم الحقيقي. يُحدد عادةً سبب هذا القلق بسهولة، مثل أن يخشى الشخص من عضة كلب عندما يكون بالقرب من كلب مهدد. الطريقة الأكثر شيوعًا لتقليل هذا القلق هي تجنب الكائن المهدد.
على الرغم من استخدام آليات الدفاع النفسي أحيانًا عن قصد لتقليل القلق، فإن هذه الدفاعات عادة تعمل دون وعي لتشويه الواقع.
التعامل مع آليات الدفاع النفسي غير الصحية:
مع أن جميع آليات الدفاع النفسي قد تكون غير صحية، فإنها قد تكون أيضًا قابلة للتكيف وتسمح لنا بالعمل طبيعيًا.
الإيثار والفكاهة والتعلية النفسية والقمع أربع آليات دفاع ناضجة تشير إلى قدرة أعلى على التكيف، ولكن تنشأ المشكلة عند الإفراط في استخدام آليات الدفاع في محاولة لتجنب التعامل مع المشكلات.
لمنع حدوث ذلك، يجب اتباع ما يأتي:
- تطوير الوعي الذاتي: يساعد الوعي الذاتي على تحديد الحاجة لاستخدام آليات الدفاع النفسي دون الإفراط في استخدامها.
- تعلم مهارات التأقلم الفعالة: يساعد تعلم مهارات جديدة للتكيف على التعامل على نحو أفضل مع المشاعر غير المريحة. تشمل مهارات التأقلم: التأمل، ووضع حدود صحية للقلق، وطلب الدعم.
- اللجوء إلى العلاج النفسي: يساعد العلاج التحليلي على الكشف عن آليات الدفاع اللاواعي، وإيجاد طرائق أفضل وأكثر صحة للتعامل مع القلق والضيق.
خلاصة
قد تكون آليات الدفاع النفسي جيدة وسيئة، إذ تؤدي دورًا مفيدًا عبر حماية الأنا من الإجهاد. ولكن في حالات أخرى، قد تمنع آليات الدفاع من مواجهة الواقع وقد تكون بمثابة شكل من أشكال خداع الذات وتؤثر سلبًا في الحياة، وعندها لابد من استشارة الطبيب النفسي لتلقي العلاج المناسب.
اقرأ أيضًا:
ما هو التحليل النفسي وكيف يتم وهل يستحق الأهمية المعطاة له؟
النماذج الديناميكية النفسية الأساسية
ترجمة: هيا منصور
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: عبد المنعم الحسين
