آلاتٌ مصغَّرةٌ لاستنساخ الحمض النووي
تخيل جهاز تصويرٍ للحمض النووي صغيرٍ بما يكفي ليُحمَل باليد، ولديه القدرة على تحديد ما إذا كانت الباكتيريا أو الفايروس هو المسبب للعدوى حتى قبل ظهور الأعراض.
لقد أثار هذا الاحتمال طريقةً جديدة للسيطرة على عمليةٍ قويةٍ ولكن صعبة تسمى تفاعل البلمرة المتسلسل. تفاعل البلمرة المتسلسل –Polymerase Chain Reaction-طُوِّر من قبل العالم كاري مولس الذي حصل على جائزة نوبل لاختراعه، وتُعتبر واحدةً من أهم التطورات في مجال علم الأحياء الجزيئي لأنها قد تمكننا من تكوين ملايين النسخ المتطابقة من قطع الحمض النووي والتي من الممكن استخدامها في التحليلات الجزيئية والجينية.
جاء مهندسا الطب الحيوي في جامعة فاندربيلت نيكولاس ادامز وفريدريك هاسيلتون بفكرةٍ جديدة للخروج من الاعتقادات السائدة والتي تعرف بتفاعل البلمرة المتسلسل المتكيف والذي يستخدم سلسلة الحمض النووي –حيث يكون دوران شريط الحمض النووي بالاتجاه الايسر-للمراقبة والسيطرة على التفاعلات الجزيئية والتي تحدث بعملية تفاعل البلمرة المتسلسل.
أما الحمض النووي الأيسر فهو نسخةٌ مطابقة للحمض النووي الموجود في الخلايا الحية لكن اتجاه شريط الحمض النووي للخلايا الحية يكون بالاتجاه الأيمن.
للحمض النووي الأيسر نفس الخصائص الفيزيائية للحمض النووي الأيمن إلا أنه لا يشارك بمعظم العمليات الحيوية. وكمثالٍ على ذلك، عندما يضاف الحمض النووي الأيسر إلى عينة من تفاعل البلمرة المتسلسل فإنه يكون مماثلًا للحمض النووي الأيمن كما ويعطي معلومات عن التفاعلات الخلوية التي حدثت ويمكن استخدام تلك المعلومات للسيطرة على هذه التفاعلات الحيوية.
ومن أجل اختبار أفكار آدامز وهاسيلتون طورا أبحاث الأستاذ المساعد في الفيزياء ويليام غابيلا لتكوين نموذج عمل لجهاز تفاعل البلمرة المتسلسل المتكيف ومن ثم اختباره على نطاقٍ واسعٍ بمساعدة مهندسة الطب الحيوي اوستن هاردكاسل، وبالرغم من أن هذه التقنية تعتبر مكتملةً تقريبًا إلا أن آلات تفاعل البلمرة المتسلسل معقدةٌ في استخدامها وشديدة الحساسية للتغيرات الصغيرة في التركيب الكيميائي للعينات وللظروف البيئية، وسبب ذلك أنه لا توجد طريقة مباشرة لمعرفة ما يحصل من تفاعلاتٍ على المستوى الخلوي.
ونتيجة لذلك فان النهج المتبع للسيطرة على تفاعل البلمرة المتسلسل يَعِد بالكثير، كجعلها أبسط من حيث الاستخدام وأكثر دقة وتقليلُ حساسيتها للظروف البيئية وتصغير حجم الجهاز ليصبح قابلًا للحمل.
إن هذه الآلات هي آلاتٌ معقدةٌ جدًّا فلكل آلة خمسة اجزاء اساسية
• قالبٌ للحمض النووي المراد نسخه
• الفتيل وهو عبارةٌ عن امتداداتٍ قصيرةٍ من الحمض النووي والتي هي ضروريةٌ لبدء تفاعل البلمرة المتسلسل والمصممة لترتبط مع الحمض النووي المراد نسخه
• نوكليوتايد الحمض النووي –النوكليوتايد هو الوحدة البنائية للحمض النووي-الضرورية لبناء شريط حمضٍ نوويٍّ جديد
• أنزيم البلمرة –أنزيم خاص مهم في عملية بناء شريط الحمض النووي-
• عازلٌ لتوفير البيئة الكيميائية الملائمة من أجل التفاعل
• العينة التي تحتوي على هذه المكونات تسخن لدرجة الغليان –درجة الحرارة التي ينفصل عندها شريطا الحمض النووي-تسمى بالتمسيخ.
ثم تبرد العينة لدرجة حرارةٍ معينة حيث يرتبط الفتيل بأحد شريطي الحمض النووي بعمليةٍ تسمى الالتحام، وعند انتهائها يتم رفع درجة الحرارة ويقوم أنزيم البلمرة بتكوين الشريط الثاني مستخدمًا الشريط الأول كقالبٍ بعمليةٍ تعرف بالتطويل، والنتيجة النهائية هي نسختين طبق الأصل من الحمض النووي الأصلي. عند انتهاء العملية، يتم تكرارها مرةً أخرى للحصول على أربع نسخٍ مطابقةٍ للحمض النووي الأصلي وهكذا يتم تكرار العملية للحصول على ملايين النسخ من الحمض النووي الأصلي.
إن درجة الحرارة والتكوين الكيميائي هي العوامل المهمة في عملية تفاعل البلمرة المتسلسل، وأدت الحاجة الى زيادة درجة حرارة العينة إلى تزويد آلات تفاعل البلمرة المتسلسل بأجهزة تدفئة متطورة ونظام عزلٍ متقن، بالرغم من ذلك فإن أي تغييرٍ في درجة الحرارة مهما كان صغيرًا قد يؤدي لإفشال العملية، كما أن التغيير في التكوين الكيميائي للعينة سيغير درجة الحرارة المطلوبة خلال العملية.
التف تفاعل البلمرة المتسلسل المُكيف على هذه المتغيرات من خلال استخدام الحمض النووي الأيسر لتحديد درجة الحرارة المناسبة لعمليتي التمسيخ والالتحام. حيث تستخدم عينة حمضٍ نوويٍّ أيسر مطابقةً للحمض النووي الأيمن المراد نسخه ويُجهَّز بصبغةٍ مضيئةٍ تحت المجهر في أحد الشريطين ومادةٍ مثبطة للصبغة في الشريط الثاني فعندما ينفصل شريط الحمض النووي الأيسر في عملية التمسيخ سينفصل كلٌّ من الصبغة والمادة المثبطة مما سيزيد مستوى الإضاءة في العينة.
ومن خلال تحليل معدل التغير في الإضاءة يمكن لمعالجٍ دقيقٍ تحديد وقت انفصال شريطي الحمض النووي. وبالمقابل فإن الشريط الذي يرتبط بالمادة المثبطة سينفصل أيضًا وعندما يبدأ عملية الالتحام سيزيد من شدة العتمة مما يعطي إشارةً يمكن قياسها بمعالجٍ دقيق. إن كمية الحمض النووي الأيسر تبقى ثابتةً من عمليةٍ إلى عملية لأنها لا تشارك بخطوة التضخيم.
أشار الباحثون إلى أنَّه كانت للتجارب مع هذه النماذج من الأنظمة نتائجُ مشابهةٌ لأجهزة تفاعل البلمرة المتسلسل التقليدية في ظروفٍ معينة كما ويمكن تضخيم الحمض النووي في ظروفٍ تفشل فيها أجهزة تفاعل البلمرة المتسلسل التقليدية.
إن هذه المزايا قد تجعل عمليات التشخيص المعتمدة على تفاعل البلمرة المتشعب ممكنةً حتى خارج المختبرات المتطورة ذات الظروف المسيطر عليها، إلا أنه تنقصها الموارد اللازمة للسيطرة بدقة على درجات حرارة التفاعل أو انتاج عينةٍ بمواصفاتٍ عالية.
ترجمة: بشار الجميلي
تدقيق بدر الفراك
المصدر