ساهم بيل غيتس في افتتاح أولي لتطوير مفاعل نووي من الجيل الجديد. يهدف المشروع الذي يديره شركة «TerraPower» بالتعاون مع وزارة الطاقة الأمريكية إلى بناء مفاعل نووي تجريبي جديد بالصوديوم في «كمرر» و «وايومنغ» بحلول عام 2030.
انخفضت صناعة الطاقة النووية في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى عقود. مع أن البلاد كانت واحدة من أولى الدول التي تولّد الطاقة النووية لأغراض مدنية تجارية، لكن لم تطرأ الكثير من التطورات منذ أواخر السبعينيات. على سبيل المثال، منذ عام 1978، لم تُبنَى سوى محطتين للطاقة النووية فقط ولم يحدث ذلك إلّا في عام 2013.
توقفت هذه الصناعة بسبب تحديات عديدة تتعلق بالاقتصاد والأطر التنظيمية والمشاكل التكنولوجية، إضافةً إلى انخفاض الاحترام في الرأي العام.
تعتمد جميع محطات الطاقة النووية الحالية في الولايات المتحدة على تقنيات طُوِّرَت منذ أكثر من 40 عامًا وهي مفاعلات مائية ضاغطة تقليدية. يُعد بنائها مكلفًا، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة الباهظة على مدى العمر الافتراضيِ المُقدَّر. لا تقتصر التكاليف فقط على البناء الأولي، بل تشمل أيضًا تكاليف الوقود المستمرة والتشغيل، ورسوم الهندسة. بالإضافة إلى مشكلة النفايات النووية، التي تُخزَّن في الولايات المتحدة في خزانات على مواقع تديرها وزارة الطاقة.
تعرضت أيضًا الصناعة لضربة قاتلة بسبب حادث انصهار نووي جزئي في جزيرة «Three Mile» في عام 1979، ما تسبب في تأخيرات تنظيمية جديدة لـ 51 مفاعلًا جديدًا كانوا قيد الإنشاء في ذلك الوقت. تباطأت سرعة الإنشاء وارتفعت التكاليف للعديد من المفاعلات مع إدخال إجراءات سلامة جديدة ومتطلبات التحديث، بعد ذلك، أُلغيَت العديد من العقود وتوقفت الصناعة تمامًا.
توفِّر حاليًا الطاقة النووية حوالي خُمس إجمالي الكهرباء المستخدمة في البلاد.
لكن في عام 2008، أسس بيل غيتس شركة تيرا باور بهدف بناء جيل جديد من المفاعلات النووية في الولايات المتحدة. تحمل المفاعلات اسم «ناتريوم» تعمل بالصوديوم السائل، بقدرة 345 ميجاوات، تعتمد على اليورانيوم منخفض التخصيب، وهو وقود يحتوي على 5–20% من اليورانيوم المتفاعل. أُوصِلَت المفاعلات أيضًا بنظام تخزين ملحي سائل بقدرة 1 جيجاواط/ساعة.
يعمل هذا النوع من المفاعلات وفقًا لفكرة أفضلية المعادن السائلة على الماء في امتصاص الحرارة مع الحفاظ على ضغط ثابت.
يمكن أن تمتص محطات ناتريوم المزيد من الحرارة من النواة النووية بواسطة استخدام الصوديوم السائل، الذي تزيد نقطة غليانه عن ثمانية أضعاف نقطة غليان الماء. بالإضافة إلى ذلك، لا حاجة لضخِّه بعيدًا لأنه يبرد مع الارتفاع. وسيستمر الصوديوم في امتصاص الحرارة دون أن يصل إلى درجات حرارة خطيرة تؤدي إلى الانصهار حتى إذا فقد المفاعل النووي الطاقة، وذلك من الأمور المهمة.
أوضح غيتس: «ليست السلامة هي السبب الوحيد الذي أثار إعجابي بتصميم ناتريوم، بل إنه يتضمن أيضًا نظام تخزين للطاقة يتيح التحكم في كمية الكهرباء التي يولّدها في أي وقت محدد. يُعد هذا الأمر فريدًا بين المفاعلات النووية، وهو أساسي للتكامل مع شبكات الطاقة التي تستخدم مصادر متغيرة مثل الطاقة الشمسية والرياح».
يعد التطور الرائد الذي يحتفل به غيتس رمزيًا. لقد تمت الموافقة على تصريح بناء تيرا باور للمراجعة، وهو خطوة أخرى في عملية بيروقراطية طويلة وبطيئة.
لا يضيّع غيتس الوقت مع ذلك، ففريقه سيطوّر مرفق اختبار لتجربة المكونات ونقل الصوديوم السائل الذي يأمل استخدامه في المفاعل نهاية المطاف. يطمح غيتس في أن يكون المفاعل النووي جاهزًا للعمل بحلول عام 2030 إذا تحصّل طلب البناء بالموافقة.
يقول غيتس: «يتطلب إنجاح مشروع ضخم بهذا الحجم وهذه الأهمية التعاون بين الشركات الخاصة وقادة القطاع العام والحكومات. لا أستطيع أن أوفي بالثناء على كافة ما قد يستحقه رئيسَيّ البلدية بيل ثيك ومارك لانغلي، والمجتمعات المذهلة هنا في كمرر ودياموندفيل التي احتضنت هذا المشروع».
لم يكن ممكنًا حدوث هذا اليوم دون برنامج تجريبي للمفاعلات المتقدمة التابع لوزارة الطاقة، الذي يدعم المشروع بأكبر مساهمة مالية قدمتها الحكومة الفيدرالية لمشروع خاص. وإذا كنا سنحل مشكلة تغير المناخ، فسيتطلب الأمر شجاعةً والتزامًا وشراكةً بين الحكومة الفيدرالية والصناعة الخاصة، وهذا ما أكدته وزيرة الطاقة جنيفر غرانهولم مرارًا وتكرارًا.
بينما يحرز مشروع غيتس تقدمًا طفيفًا، يشكك البعض في نجاحه العام أو وعوده. فقد أثارت الأبحاث شكوكًا حول بعض النظريات المتعلقة بمفاعلات الجيل الجديد المقترحة، بما في ذلك مفاعلات الصوديوم السائل. وفقًا لتقرير أعده اتحاد العلماء المعنيين في عام 2021، قد تكون مفاعلات ناتريوم أقل كفاءة في استخدام اليورانيوم، وقد لا تقلل من كمية النفايات النووية المنتَجة، وربما تواجه مخاطر أمنية فريدة غير موجودة في سابقاتها.
ما يزال مستقبل الطاقة النووية في الولايات المتحدة سؤالاً مفتوحًا، ولكن مع استمرار كارثة التغير المناخي، نحتاج إلى بدائل جديدة لا تعتمد على الوقود الأحفوري التقليدي. وسنرى إن كان لدى بيل غيتس حل فعلي.
اقرأ أيضًا:
روسيا والصين تخططان لبناء مفاعل نووي على سطح القمر
ناسا تعلن انتهاء تصميم مفاعلات الطاقة النووية التي ستعمل على سطح القمر
ترجمة: أمير المريمي
تدقيق: ريم الجردي