توجد بعض الحالات العصبية الخاصة التي يعتقد الشخص أنه مصاب بها بمجرد السماع بها، حتى وإن لم يكن كذلك. واحدة من هذه الحالات هي متلازمة التهاذر، يُكره المصابون بها على قول نكت غير لائقة، أو التلاعب بالألفاظ، أو سرد قصص لا طائل من ورائها.
بعض مرضى متلازمة التهاذر يجدون أنفسهم يلقون نكتًا دون إدراكهم أن ما يقولونه غير لائق، أو حتى مضحك. ومن ناحية أخرى، يلاحظ بعض المرضى أنهم لا يمكنهم فهم التهكم بشكل صحيح.
مصطلح التهاذر witzelsucht المترجم من اللغة الألمانية، الذي يعني الشق الأول منه Witz نكتة، والشق الآخر Sucht إدمان، استخدم أول مرة لوصف أربعة مرضى اطلع عليهم طبيب الأعصاب هيرمان أوبنهايم في ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانوا جميعهم يعانون من أورام في الفص الجبهي الأيمن، وإدمان على النكت التافهة، والمفرطة، وغالبًا ما تكون ساخرة.
هذه الحالة العصبية نادرة، لكن توجد تقارير موثقة تبرهن وجود المتلازمة فعليًا. إذ أظهر مريض يبلغ من العمر 54 عامًا سلوكيات غير مألوفة، مثل قول نكت غير لائقة وتعليقات طفولية، إضافةً إلى الضحك على نكاته نفسها. وبعد ثلاث سنوات من فرط السلوكيات غير الطبيعية، وتدهور النظافة الشخصية، قُيم المريض على أساس هذه التغييرات السلوكية.
كتب فريق المريض النفسي في مجلة طب الأمراض العصبية وطب الأعصاب السريرية: «في أثناء الفحص دخل المريض في نوبة ضحك، وتقريبًا كان يصدر أصواتًا وضحكات غريبة خصوصًا عند تعليقاته، وآرائه الخاصة، أو النكت التي يسردها طول الوقت التي يتضمن معظمها محتوى جنسيًا أو سياسيًا غير لائق». وقد استمر هذا السلوك تحت رعايتهم.
بدأ المريض في الرقص في إحدى زياراته الطبية، وفي زيارة أخرى ناقش وضعه الجنسي علنًا، وفي أثناء الزيارة الطبية الثالثة جذب ربطة عنق الباحث وربطة عنق طبيب آخر وبدأ في مقارنتهما. وخلال هذه السلوكيات جميعها، لم يتوقف المريض عن الضحك وازداد الوضع سوءًا.
ومثل معظم مرضى هذه الحالة العصبية، كان يعاني المريض من مشكلات في الفص الجبهي الأيمن، ما جعله يميل إلى الفكاهة. وفي حالته كان مرض بيك (Pick) هو الذي تسبب في تلف هذا الجزء من دماغه.
يفقد مرضى متلازمة التهاذر في بعض الأحيان السيطرة على وضعهم، إذ يميل حديثهم وسلوكهم نحو المحتوى الجنسي، وقد وصف مريض مصاب بالمتلازمة في نفس فريق المريض السابق أنه بدأ في عناق فتيات لمدة تزيد عن المدة الملائمة لعناق الأشخاص، واستغلهن، بالإضافة إلى الأفعال غير الملائمة الأخرى مثل السرقة، وذلك بعد تعرضه لنزف دموي.
شعر المريض بالسعادة على نحو عام، لكن مزاحه المستمر أزعج زوجته بشدة، فقد كان يوقظ زوجته في منتصف الليل من صوت ضحكاته، فقط ليخبرها النكتة التي خطرت على باله فجأة.
بدأ المريض في تدوين نكاته بدلًا من قولها، إذ كان لديه ما يفوق خمسين صفحة من النكت مكتوبة عندما فُحص من قبل الفريق الطبي.
بالرغم من أن القدرة على كتابة العديد من النكات قد تبدو مهارةً ممتازة، فإنها قد تسبب عواقب اجتماعية غير مرغوب فيها.
قال الفريق البحثي إن المفارقة بين متلازمة التهاذر والجنون التهريجي يكمن في أن المرضى الذين يعانون من هذه الحالات العصبية غالبًا ما يكونون غير حساسين للفكاهة التي لا تنبع منهم. حتى عندما يدركون ويفهمون معنى النكت، لا يستجيبون على نحو فعال لشعور الضحك أو الفرح. بعبارة أخرى، فإنهم لا يظنون أن النهاية الطريفة مرتبطة بشكل مضحك بالقصة، ومع ذلك، قد تظل أشكال الفكاهة البسيطة التي لا تتطلب دمج نهاية طريفة -مثل الكوميديا البذيئة والكوميديا اللغوية- مضحكة.
اقرأ أيضًا:
متلازمة اللهجة الغريبة أو متلازمة اللهجة الأجنبية
خمس متلازمات نفسية نادرة وغير عادية، أحدها يعتقد المريض أنه ميت!
ترجمة: أسماء خالد
تدقيق: بشير حمّادة