تعاني نسبة كبيرة من الناس قشرة الرأس، تلك القشور البيضاء الناعمة التي نراها على أكتافنا عند ارتداء قميص أو سترة داكنة اللون.
على الرغم من أن قشرة الرأس ليست خطيرة، لكنها مزعجة وقد تسبب الإحراج لبعض الأشخاص، فمن أين تأتي وماذا نفعل لعلاجها؟
ما قشرة الرأس؟
تمثل قشرة الرأس حالة جلدية غير ضارة تصيب جلد فروة الرأس، وتظهر على شكل قشور مختلفة الثخانة مع حكة. قد تكون القشور إما بيضاء أو صفراء أو رمادية، وتميل إلى أن تكون أكثر وضوحًا في الشعر الداكن، أو إذا سقطت على الملابس غامقة اللون.
تبدأ عادةً في الظهور بعد سن البلوغ وهي حالة شائعة جدًا، وهناك حالة مماثلة تُسمى قبعة المهد تظهر عند الأطفال.
ربما تنشأ قشرة الرأس لأسباب مختلفة، ولكن من المهم ملاحظة أنها لا يمكن اكتسابها من أشخاص آخرين أي أنها غير معدية.
ما أسباب قشرة الرأس؟
التهاب الجلد الدهني أو (الأكزيما الدهنية):
تُعد قشرة الرأس شكلًا خفيفًا من التهاب الجلد الدهني، ويبدو أنها تصيب نحو 3% من الأشخاص تقريبًا.
تمتد القشور والحكة في حالة التهاب الجلد الدهني إلى ما وراء فروة الرأس وإلى مناطق أخرى من الجلد، مثل خلف الأذنين وحول الأنف. في الحالات الأكثر شدة، تظهر قشور صفراء سميكة على بقع أوسع من فروة الرأس وتلتصق بالشعرة.
تُعد حالة التهاب الجلد الدهني شائعة عند الرضع والمراهقين وكبار السن والذكور خاصةً.
يُعتقد أن الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية HIV معرضون لخطر أكبر للإصابة مقارنةً بعامة السكان.
يُعد نوع معين من الفطريات يُسمى مالاسيزية (Malassezia)، وهي فطريات تعيش في فروة الرأس على نحو طبيعي وتتغذى على الزيوت التي تُفرزها بصيلات الشعر، المساهم الرئيسي في ظهور التهاب الجلد الدهني ولا سيما نوع المالاسيزية الكروية (M. globosa) ونوع M. restricta، وليس من الواضح تمامًا لماذا تسبب مشكلات لبعض الناس.
لكن شرحت الرابطة الوطنية للأكزيما إحدى النظريات، وهي أن إنتاج الزهم الزائد في فروة الرأس قد يوفر بيئة مناسبة لتكاثر فطريات المالاسيزية، ما يجعلها تنمو وتستعمر فروة الرأس لدى بعض الأفراد.
هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن الأحماض الدهنية الحرة التي تخلفها الفطريات قد تلحق الضرر بحاجز الجلد في فروة الرأس، مسببةً تهيجًا يترك خلفه قشرة الرأس.
في عام 2019، طرح بعض الباحثين منظورًا آخر بشأن دور المالاسيزية في التهاب الجلد الدهني، وأشاروا إلى أنه ينبغي أيضًا مراعاة العوامل السببية المحتملة الأخرى، واستشهدوا ببعض الأدلة من الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أنه ربما يوجد سبب وراثي بالإضافة إلى دور ميكروبيوم الجلد، وما زال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم الأسباب فهمًا كاملًا.
ثم وجدت دراسة أولية لعام 2024 أن ميكروبيوم الجلد يؤثر في قشرة الرأس، إذ إن حمض البروبيونيك الذي تنتجه بكتيريا الجلد المسببة لحب الشباب ربما يحد من نمو فطريات المالاسيزية ويساعد على منع ظهور قشرة الرأس، أي أن تغيير التوازن الميكروبي لصالح هذا النوع من الميكروبيوم قد يمهد طريقًا محتملًا للعلاج.
لكن لم يتحققوا بعد من صحة هذه النتائج لا سيما أن الدراسة قد ضمت 57 مشاركًا فقط.
التهاب الجلد الدهني ليس السبب الوحيد المحتمل لظهور قشرة الرأس والحكة، بل هناك عدوى فطرية أخرى تسبب ما يُعرف بسعفة الرأس التي تؤدي إلى طفح جلدي يترك خلفه قشورًا في الفروة وربما يسبب تساقط الشعر.
تؤدي أيضًا الصدفية التي تصيب الفروة إلى ظهور لويحات مع قشور بيضاء فوقها تشبه قشرة الرأس، إضافةً إلى ردود فعل الفروة التحسسية تجاه بعض منتجات الشعر التي قد تسبب ما يُعرف بالتهاب الجلد التماسي الذي يسبب ظهور قشور في الرأس.
ما أحدث العلاجات لقشرة الرأس؟
يعتمد العلاج الذي يحتاجه الشخص على السبب الكامن وراء قشرة الرأس، وسوف نخص بالذكر علاج قشرة الرأس العادية والتهاب الجلد الدهني، وفي حال كانت قشرة الرأس ناجمة عن مشكلة أخرى، فمن الأفضل طلب المشورة من الطبيب.
1- الشامبو:
فيما يتعلق بقشرة الرأس الخفيفة، فمن الممكن عادةً السيطرة عليها باستخدام شامبو مضاد للقشرة، إذ يحتوي الشامبو العلاجي عادةً على مكوّن مضاد للفطريات يستهدف الفطريات المسببة للقشرة، لكن ربما نحتاج إلى تجربة أنواع مختلفة منه قبل أن نجد الشامبو المناسب.
أحد المكونات الشائعة هو بيريثيون الزنك الذي له خصائص مضادة للفطريات وكذلك مضادة للبكتيريا، وتتمثل إحدى مزاياه في أنه يبقى على الجلد حتى عندما يُشطف بالماء عن الفروة، ويستمر مفعوله فترة زمنية طويلة.
نظرت دراسة حديثة في تركيبات الشامبو المختلفة المستخدمة في علاج التهاب الجلد الدهني مع التركيز على بيريثيون الزنك، ووجدت أن مستويات الشامبو التي تصل إلى سطح الفروة كانت كافية لمنع نمو فطريات الملاسيزية، لكن تأثيرات التركيبات المختلفة في مستوى بصيلات الشعر كانت أكثر تنوعًا، ما يشير إلى أن بعضها قد لا يملك تأثيرًا طويل الأمد.
تشمل مضادات الفطريات البديلة الكيتوكونازول والميكونازول وكبريتيد السيلينيوم.
تحتوي بعض أنواع الشامبو الأخرى المضادة للقشرة -التي قد تكون فعالة- على قطران الفحم الذي يبدو أن مفعوله يعمل من خلال آثاره المضادة للميكروبات، وكذلك من خلال المساعدة على التخلص من خلايا الجلد الميتة بسهولة أكبر.
لكن قطران الفحم قد يغير لون الشعر الفاتح مؤقتًا، ويجعل جلد فروة الرأس أكثر حساسية لأشعة الشمس، لذلك يجب ارتداء قبعة عند الخروج في النهار عند استخدام المنتجات التي تحتوي عليه.
ربما سنحتاج إلى التبديل بين المنتجات المختلفة إذا توقف مفعول أحدها عن العمل بعد فترة، لكن فور السيطرة على قشرة الرأس، يمكن العودة إلى استخدام الشامبو العادي واستخدام الشامبو العلاجي فقط من حين إلى آخر للوقاية.
2- علاج الحالات الأكثر شدة:
في الحالات الأكثر شدة من التهاب الجلد الدهني، قد يصف الطبيب غسولًا أو علاجًا لفروة الرأس يحتوي على حمض الساليسيليك الذي يُعد أحد المقشرات، ما يساعد على التخلص من طبقة خلايا الجلد الميتة والحد من تشكّل القشرة.
يمكن استخدام كريمات أيضًا وشامبو يحتوي على تركيزات أعلى من المكونات المضادة للفطريات.
أما الأشخاص الذين يعانون نقص المناعة، فقد يكونون في حاجة إلى دواء مضاد للفطريات يؤخذ على شكل حبوب فموية.
قد يكون من الضروري في بعض الحالات الشديدة استخدام كورتيكوستيرويد موضعي فترة قصيرة من الزمن لمعالجة الالتهاب وبوصفة طبية حصرًا.
3- علاجات بديلة:
هناك عدد من العلاجات البديلة والمنزلية التي يلجأ إليها الناس للتخفيف من قشرة الرأس، وهي تملك درجات متفاوتة من الدعم العلمي.
واحد منها هو زيت شجرة الشاي، إذ يُعد زيت شجرة الشاي آمنًا عند استخدامه استخدامًا صحيحًا وبتركيز مخفف أو ضمن تركيبة مثل الشامبو، وقد استُخدم طبيًا في موطنه أستراليا عدة قرون.
وجدت دراسة في عام 2002 أن الشامبو الذي يحتوي في تركيبه على تركيز 5% من زيت شجرة الشاي كان فعالًا في تحسين قشرة الرأس بناءً على نتائج 126 شخصًا.
فحصت دراسة أخرى أجريت عام 2023 مركبًا اصطناعيًا يعتمد على مستخلص من نبات شجرة الشاي، ووجدت الدراسات المختبرية أنه قد يكون له خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات قد تعني أنه سوف يكون مفيدًا في علاج القشرة والتهاب الجلد الدهني.
بالمثل، يبدو أن زيت عشبة الليمون له بعض التأثيرات المضادة للفطريات، فقد وجدت بعض الأدلة أنه يعطل أغشية الخلايا الفطرية وربما يكون مفيدًا إذا دخل في تركيبات شامبو الشعر المضادة للقشرة، ولكن من الصعب استخلاص استنتاجات ثابتة في هذه المرحلة دون إجراء بحث على نطاق أوسع.
قد يلجأ الناس أيضًا إلى المكملات الغذائية مثل أوميغا 3 سعيًا وراء تحسين صحة الجلد، إذ تُعد المكملات الغذائية خيارًا جيدًا بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
قشرة الرأس مزعجة بالتأكيد، وربما يكون لها تأثير ملحوظ على نوعية الحياة، ما يسبب الإحراج وعدم الراحة.
لكن لحسن الحظ، فإن معظم الناس ستكون قادرة على العثور على العلاج الذي يكون فعالًا لهم، لكن عليهم أن يكونوا مستعدين لتجربة عدة خيارات أولًا.
اقرأ أيضًا:
كيف نفرق بين قمل الرأس و القشرة؟ وما هو شكل القمل؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: ألاء ديب
مراجعة: هادية أحمد زكي