يشغل الذكاء الاصطناعي حاليًا كثير من الأشخاص لإمكانياته المبهرة في تطوير المجالات المختلفة واستبدال طرق العمل التقليدية، إذ يتضمن أيضًا التأثير المتنامي للذكاء الاصطناعي في مجالات عدة مثل القطاع الصيدلاني. على هذا، قد يؤدي دورًا في عملية اكتشاف الأدوية ما يجعلها أسرع وأكفأ وأقل تكلفة.
توظيف الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية:
من المعروف أن الطرق التقليدية لاكتشاف الأدوية عملية طويلة ومكلفة، لأن الاختبارات قبل السريرية تستغرق ما بين ثلاث وست سنوات، وتكلف مئات الملايين إلى مليارات الدولارات.
عمومًا ينفق قرابة 6-7% من الناتج الإجمالي المحلي عالميًا، ما يعادل 8.5-9 مليار دولار سنويًا، على القطاع الصحي، في حين تبلغ تكلفة الأدوية الجديدة التي تطرح في الأسواق أكثر من مليار دولار وتستغرق نحو 14 عامًا.
إن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المبتكرة يمكننا من إحداث ثورة في مجال الصناعة الدوائية العريق بكل مراحله، يشمل ذلك المرحلة الاولى: تحديد الهدف، والمرحلة الثانية: المحاكاة الجزيئية، والمرحلة الثالثة: توقع الخصائص الدوائية، والمرحلة الرابعة: التصميم الجديد للدواء، والمرحلة الخامسة: تقييم الأدوية المرشحة، والمرحلة السادسة: توليد مسارات التخليق.
تسريع البحث والتطوير:
يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمجموعات البيانات الكبيرة في أثناء مرحلة تحديد الهدف، مثل قواعد بيانات أوميكس وجمعيات الأمراض، ما يتيح إدراكًا أفضل للآليات الكامنة وراء الأمراض، ويحدد البروتينات أو الجينات الجديدة المحتملة التي سيستهدفها الدواء الجديد.
حدد حاليًا قرابة 3000 بروتين فقط بوصفها أهدافًا علاجية محتملة من أصل إجمالي بروتينات الجسم البشري التي تقدر بنحو 20000 بروتين. على هذا، ستؤدي الاكتشافات المستقبلية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي إلى مزيد من الفهم فيما يتعلق بالأدوية التي قد تكون أهدافًا علاجية.
قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع الهياكل ثلاثية الأبعاد للبروتينات استخدامًا ثوريًا في تصميم الأدوية، فدمجه مع قاعدة بيانات أخرى مثل ألفا فولد سيسرع اكتشاف تصميم الدواء الذي يضمن ارتباطًا فعالًا بالهدف.
تعد خوارزميات التعلم العميق، التي دربت أخيرًا على مجموعة بيانات لمكونات وخصائص أدوية معروفة لاقتراح جزيئات علاجية جديدة ذات خصائص مرغوبة، من أمثلة استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية. قد تساعد هذه الاقتراحات على اكتشاف التصميم الدوائي الأسرع والأكفأ من بين المرشحين.
تعزيز دقة التوقعات:
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع الخصائص الرئيسية للأدوية المقترحة، مثل السمية، والنشاط داخل الجسم، والخصائص الكيميائية والفيزيائية، ما يؤدي إلى عملية أكثر فاعلية مع زيادة احتمال أن تكون الأدوية المرشحة آمنة وفعالة للاستخدام البشري.
تحدث التداخلات الدوائية عند اختلاط دوائين لعلاج مرضين مختلفين أو متشابهين لدى المريض نفسه، فتنتج تأثيرات جانبية قد تعيق عملية اكتشاف الأدوية. يهدف الاعتماد على التعلم الآلي إلى تحديد المشكلة بتوقع التداخلات الدوائية بين التركيبات الدوائية المبتكرة للحد من التفاعلات السلبية، وتسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتطوير أدوية فعالة وآمنة.
إن تحديد المكونات المبتكرة لأدوية علاج السرطان أحد أمثلة التطبيقات الناجعة للذكاء الاصطناعي في الصناعة الدوائية، إذ يدرب الباحثون خوارزمية التعلم العميق على مجموعة البيانات الضخمة للمركبات المرتبطة بالسرطان، إضافةً إلى فعاليتها البيولوجية المشتركة. يؤدي هذا البحث دورًا مهمًا في مستقبل العلاجات السرطانية فضلًا عن تطبيقات اكتشاف الأدوية المرشحة الجديدة.
تقليل التكلفة والوقت:
قد يقلل استخدام الذكاء الاصطناعي الميزانية المرتفعة والوقت الطويل لعملية اكتشاف الأدوية وتطويرها. على هذا، يسهم الذكاء الاصطناعي في المراحل المختلفة لتطوير الأدوية، من التركيب وصولًا إلى التجربة، إذ تمكن هذه الأدوات المبتكرة الباحثين من التركيز على الأدوية المرشحة الأكفأ والأقل سمية، ما يؤدي إلى عملية دقيقة لاكتشاف الأدوية، إضافةً إلى تقليل الوقت والتكاليف اللازمة لمرحلة التجارب ما قبل السريرية.
يؤثر أيضًا تحليل أدوات الذكاء الاصطناعي لمجموعات البيانات الكبيرة في تصميم الدواء للوصول إلى الهدف العلاجي بكفاءة.
تعد تقنية التجربة السريرية الافتراضية، مثالًا لأداة من أدوات الذكاء الاصطناعي تستخدم في الصناعة الدوائية لتوقع الأهداف البيولوجية استنادًا إلى التركيب الكيميائي. قد تسرع هذه التقنية عملية اختيار وتحديد البروتينات الهدف ما يقلل من التكلفة التجريبية الإجمالية في تطوير الأدوية.
التحديات والقيود:
مع انتشار فوائد الذكاء الاصطناعي، توجد تحديات وقيود عدة متعلقة باستخدام أدواته المبتكرة التي تتطلب إعادة النظر فيها.
من التحديات المهمة التي يواجهها الذكاء الاصطناعي مدى توفر البيانات المناسبة، إذ تتطلب أدواته قدرًا كافيًا من المعلومات للتدرب عليها، قد يكون الوصول إلى كمية البيانات المطلوبة عائقًا بسبب الجودة المنخفضة أو العشوائية، ما يؤثر في موثوقية النتائج ودقتها.
من غير الممكن حاليًا استبدال الطرق التجريبية التقليدية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي بسبب عدم قدرة الأخيرة على التفوق على خبرة الباحثين البشريين وتجاربهم. يمكن فقط لتطبيقات الذكاء الاصطناعي تقديم توقعات تعتمد على البيانات المتاحة، وتظل النتائج بحاجة إلى تقييم الباحثين ومراجعاتهم.
بالجمع بين القدرات التنبؤية للذكاء الاصطناعي وبين خبرة الباحثين وتجاربهم، يمكن تحسين عملية اكتشاف الأدوية، وتسريع عملية تطوير الأدوية الجديدة.
الاعتبارات الأخلاقية:
تمثل الاعتبارات الأخلاقية تحديًا كبيرًا في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تثير المخاوف بشأن العدالة والتحيز.
تمثل قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات أحد المخاوف الرئيسية، إذ تؤثر في صحة الناس ورفاهيتهم، يشمل ذلك الأدوية التي يجب تطويرها، والتجارب السريرية التي يجب أن تمر بها، وكيفية توزيعها في السوق.
قد يسبب الميل المتحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وصولًا غير عادل للعلاجات الطبية، وعلاجًا غير كاف لمجموعات عدة من الناس، ما قد يقوض مبادئ المساواة والعدالة.
إن خسارة الوظائف بسبب الأتمتة من الاعتبارات الأخلاقية، لأن لتقدم الذكاء الاصطناعي تأثيرًا كبيرًا في العاملين، وقد يتطلب سياسات لتوفير الدعم للمتضررين.
لذلك، تجب المتابعة بالمناقشات والمبادئ التوجيهية التي تهدف إلى التعرف على المخاوف، مثل مراجعة وتدقيق أنظمة ونماذج الذكاء الاصطناعي بانتظام بحثًا عن التحيز وبروتوكولات حماية البيانات وخصوصيتها.
الآفاق المستقبلية:
يحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا في مجالات عدة، تشمل اكتشاف الأدوية، إذ تستخدم النماذج المبتكرة لتطوير الطب الشخصي والعلاجات المستهدفة بواسطة عملية مضبوطة لاكتشاف الأدوية والأهداف العلاجية الجديدة.
قد يكون تأثير الذكاء الاصطناعي في عملية اكتشاف الأدوية وتطويرها تأثيرًا ثوريًا، مع إمكانية إحداث تحول في كل جزء من العملية، بدءًا من تحديد الهدف إلى التصميم الفعال للأدوية. على هذا، فإنه مع استمرار ابتكار نماذج وبرامج الذكاء الاصطناعي ستتطور الأدوات المفيدة باستمرار، وقد يكون لها آثار كبيرة في مستقبل اكتشاف الأدوية.
اقرأ أيضًا:
ذكاء اصطناعي حديث يبتكر 31 مليون مادة جديدة
الذكاء الاصطناعي قد يساعد في تشخيص السرطان باستخدام قطرة دم وبدقائق معدودة
ترجمة: حيان الحكيم
تدقيق: ريمي سليمان