أظهرت دراسات سابقة أن الجينات قد تؤدي دورًا في تطور مرض ألزهايمر. دعم الباحثون مؤخرًا هذا المفهوم بتحديد 17 متغيرًا جينيًا مرتبطين بمرض ألزهايمر في خمس مناطق من الجينوم. تضمنت النتائج بيانات لمتغيرات جينية من مجموعة عرقية لم تمثل كما يجب تاريخيًا في الدراسات الجينية بخصوص مرض ألزهايمر.
على مدى السنوات القليلة الماضية، دعمت المزيد من الأبحاث فكرة أن الجينات قد تؤدي دورًا في تطور مرض ألزهايمر، وهو نوع من الخرف يؤثر في نحو 32 مليون شخص عالميًا.
حاليًا، يدعم باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن ومركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في هيوستن هذا المفهوم، في بحث جديد حدد 17 متغيرًا جينيًا -تغير في تسلسل DNA- مرتبطين بمرض ألزهايمر في خمس مناطق من الجينوم.
المتغيرات الجينية ومرض ألزهايمر:
في حين ما زال العلماء غير متيقنين تمامًا من سبب مرض ألزهايمر، يعتقد معظمهم أنه يتطور من مزيج من العوامل التي تشمل الجينات، والتغيرات الدماغية المرتبطة بالتقدم في العمر، ونمط حياة محدد، والعوامل البيئية.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كشفت الأبحاث كيف قد تؤدي الجينات دورًا في تطور مرض ألزهايمر.
مثلًا، نشرت دراسة في نيسان عام 2022 حددت 75 موقعًا جينيًا مرتبطًا بخطر متزايد لمرض ألزهايمر، بينهم 42 موقعًا لم يُربط سابقًا بالحالة.
نُشر بحث في شباط عام 2023 كشف متغيرًا جينيًا يوجد غالبًا عند الأشخاص من أصل إفريقي قد يرفع خطر مرض ألزهايمر.
نُشرت دراسة في أيلول عام 2023 أبلغت عن طفرة جينية في الخلايا المناعية للدماغ قد تزيد خطر إصابة الفرد بمرض ألزهايمر.
شرحت الدكتورة أنيتا دي ستيفانو، وهي أستاذة في الإحصاء الحيوي في كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن ومؤلفة رئيسية في هذه الدراسة: «يوجد حاليًا أدوية محدودة متوفرة لعلاج مرض ألزهايمر، لا يملك أي منها فعالية عالية. لا يوجد حاليًا أي علاجات تقي من مرض ألزهايمر».
يوفر فهم العوامل الجينية التي تؤثر في خطر مرض ألزهايمر أو الحماية من مرض ألزهايمر رؤى بيولوجية جديدة قد تقود إلى تحديد دواء جديد يهدف إلى تسهيل تطوير أساليب علاجية جديدة.
تحديد 17 متغيرًا جينيًا جديدًا:
في هذه الدراسة، استخدم الباحثون بيانات تسلسل الجينوم الكامل من مشروع سلسلة مرض ألزهايمر (ADSP)- مبادرة لعلم الوراثة أطلقتها معاهد الصحة الوطنية عام 2012 جزءًا من مشروع ألزهايمر الوطني.
حصل العلماء على معلومات عن أكثر من 95 مليون متغير جيني من نحو 4600 شخص من المصابين وغير المصابين بمرض ألزهايمر.
بعد تحليل البيانات، كشف باحثو الدراسة عن 17 متغيرًا مهمًا ترتبط بمرض ألزهايمر، متموضعة في خمس مواقع من الجينوم.
قالت الدكتورة كلوي سارنوفسكي، باحثة مساعدة في هذه الدراسة: «العديد من الدراسات الحديثة عن مرض ألزهايمر هي من نمط دراسات الترابط الجينومي الكامل (GWAS)، تبحث عبر الجينوم البشري وتحدد مناطق مرتبطة بخطر مرض ألزهايمر. ستحتوي هذه المناطق مئات الجينات وآلاف المتغيرات، ولن نعرف في البداية أي جين أو تغير في الجين هو المرتبط بيولوجيًا».
«توفر بيانات تسلسل كامل الجينوم معلومات عن كل تغير في تسلسل DNA الخاص بالمشاركين في الدراسة وتمكننا من انتقاء المعلومات من دراسات الترابط الجينومي الكامل إضافةً إلى القيام باكتشافات جديدة. أحد التشبيهات هو مقارنة تسلسل DNA في الجينوم البشري بسلسلة من الحروف التي تصنع كتابًا.
حددت دراسات الترابط الجينومي الكامل السابقة (أخطاء إملائية) شائعة وأوصلتنا إلى الصفحات المحددة التي حدثت فيها أخطاء مهمة لكنها لم تحدد كل حرف تغير أو فقد. في سلسلة كامل الجينوم، ننظر إلى كل حرف على الصفحة ونفهم على نحو شامل كل التغيرات والأخطاء الإملائية».
المتغير الجيني KAT8 وخطر ألزهايمر:
أشار العلماء إلى أن أحد أكثر المتغيرات الجينية الجديرة بالملاحظة، هو متغير الليسين أستيل ترانسفيراز (KAT8).
أظهرت الدراسات السابقة أن KAT8 مهم لتطور المخ وقد يؤدي دورًا في تطور الخرف المرتبط بمرض ألزهايمر وداء باركنسون.
إضافةً إلى ذلك، ومن خلال قاعدة بيانات مشروع سلسلة مرض ألزهايمر (ADSP)، حصل فريق البحث على بيانات متغير جيني من نطاق واسع من الأعراق، تتضمن الأميركيين من أصل إفريقي، والعرق اللاتيني، الذي يقول الباحثون إنه لم يمثل جيدًا تاريخيًا في الدراسات الجينية بخصوص مرض ألزهايمر.
قالت الدكتورة دي ستيفانو: «تاريخيًا، الغالبية العظمى من الأشخاص المشمولين في الدراسات الجينية لمرض ألزهايمر كانوا من أصل أوروبي».
«نعرف أن انتشار مرض ألزهايمر يختلف حسب المجموعات السكانية، إذ يملك الأميركيون من أصل إفريقي انتشارًا أعلى. لذا لفهم الطيف الكامل لخطر مرض ألزهايمر، من المهم للدراسات أن تمثل أصولًا جينية متنوعة وبيئات متنوعة فيما يتعلق بالمحددات الاجتماعية للصحة».
تقدم كبير في علاجات ألزهايمر المستقبلية:
في حديثها لموقع Medical News Today، وصفت الدكتورة كارين د. سوليفان، وهي طبيبة عصبية نفسية، هذا البحث بـ «التقدم الكبير» الذي يدفع التداخلات المعتمدة على العلم إلى خطوة هامة أقرب إلى علاج ناجح لمرض ألزهايمر.
«أنا معجبة بأن الباحثين بحثوا عمدًا عن مشاركين متنوعين عرقيًا، لأن مجتمعات غير البيض لم تمثل جيدًا تاريخيًا في الدراسات الجينية بخصوص مرض ألزهايمر، رغم حدوثه العالي فيها».
أضافت الدكتورة سوليفان: «لمّا كان ألزهايمر هو أشيع نمط فرعي من الخرف، ومع تقدم المجتمع في العمر بسرعة، فنحن حقًا في سباق مع الزمن لإيجاد علاجات أكثر فعالية».
«تكلفة العناية بهذه الزيادة الكبيرة في الأشخاص المصابين بألزهايمر هائلة، مع العلاج كما هو قائم اليوم، وتهدد الجدوى المستقبلية لأنظمة الرعاية الصحية في إدارة هذه المشكلة. بجانب التكلفة، نعلم أن الخسائر البشرية الناتجة عن الخرف هائلة لكل المتأثرين به».
قالت الدكتورة سوليفان إنها تود أن ترى نتائج هذا البحث تمتد إلى عينات أكبر، وأن تربط المتغيرات الجينية بأنماطها الظاهرية الموافقة.
«مثلًا، ما تأثير المتغير KAT8، المرتبط بمرض ألزهايمر في كل من دراستي تحليل المتغير المفرد والنادر، على التغيرات المعرفية والسلوكية المحددة في هذه المجموعات؟».
«يجب أن نتذكر دائمًا أن بنية الدماغ ووظيفته لا تملكان علاقة مباشرة، أشبه بعلاقة النمط الجيني والنمط الظاهري، إذ لا يتنبأ أحدهما بالآخر على نحو مثالي. على هذا، مع أن هذه خطوة مثيرة للإعجاب نحو فهمنا لوراثيات مرض ألزهايمر، ما زلنا نحتاج إلى ربطها بالتغيرات الحاصلة في البشر المصابين بهذا المرض».
اقرأ أيضًا:
بعض الأشخاص يعانون مرض ألزهايمر دون أعراض: ماذا يحدث في أدمغتهم؟
وجدت الدراسة أن أحداث الحياة الصعبة مرتبطة بظهور المؤشرات الحيوية لمرض ألزهايمر
ترجمة: أيهم عبد الحسين صالح
تدقيق: حسام التهامي