قد يعزز تقليل السعرات الحرارية إطالة العمر، بإبطاء تقلص نهايات الحمض النووي التي تسمى التيلوميرات.
تقترح الدراسة على النموذج الحيواني -التجريبي- أن تقليل السعرات الحرارية يعزز إطالة العمر، وتشير بعض الدلائل إلى التأثير ذاته لدى الإنسان، لكن لم يستطع الخبراء تفسير ذلك حتى الآن.
التيلوميرات هي قطاعات في نهاية الكروموسومات، تقصُر مع كبر عمر الخلية.
وفقًا للدراسة، عندما يقلل الناس استهلاك السعرات الحرارية، يخسرون في البداية المزيد من طول التيلومير، لكن لاحقًا تصبح عملية تقلص التيلوميرات أبطأ.
يخطط الباحثون لمتابعة المشاركين بعد 10 سنوات، لمعرفة هل يؤدي تقليل السعرات الحرارية فترةً أطول إلى المزيد من إبطاء تقصير التيلوميرات.
من المعروف أن اتباع نظام غذائي وممارسة الرياضة يؤثران في الصحة، وتشير الأبحاث إلى أن ذلك يؤثر أيضًا في سرعة التقدم في العمر. الشيخوخة الأولية هي عملية طبيعية يمر بها جميع الناس، أما الشيخوخة الثانوية فهي تسارُع عملية الشيخوخة نتيجة الأمراض أو الإفراط في تناول الطعام أو عدم ممارسة الرياضة.
تشير الدراسات إلى إمكانية التأثير في الشيخوخة الثانوية -المبكرة- بواسطة النظام الغذائي، إذ يؤدي تقليل السعرات الحرارية إلى الحد من الأمراض وإطالة العمر.
لكن رغم وجود العديد من الآليات لتفسير هذا التأثير، لا يوجد حتى الآن دليل قاطع يؤكد أن تقليل السعرات الحرارية يبطئ الشيخوخة.
التيلوميرات والشيخوخة وتقليل السعرات الحرارية:
مع تقدم الخلايا في العمر، تقصُر التيلوميرات حتى تموت الخلية في النهاية.
موت الخلايا من سمات الشيخوخة، فإذا تأخر موت الخلايا بتقليل معدل تقصير التيلوميرات، فهل يؤخر ذلك الشيخوخة؟ أثبتت دراسة أُجريت على الفئران ذلك، إذ أظهرت أن تقليل السعرات الحرارية يبطئ من تقصير التيلوميرات، من ثم يطيل العمر.
حلل باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا البيانات من تجربة التقييم الشامل للآثار طويلة المدى لتقليل استهلاك الطاقة، للتحقق من إمكانية ظهور تأثير مماثل لدى البشر.
وجدوا أن تقليل السعرات الحرارية -في البداية- أدى إلى تسريع تقصير التيلومير، لكن بعد عام، أخذ يُبطئ العملية. بعد مرور عامين، فقدت المجموعة المقللة للسعرات الحرارية والمجموعة الضابطة الطول ذاته تقريبًا من التيلومير.
قال سيبنيم أونلويزلر، كبير مسؤولي الهندسة الوراثية في معهد لندن التجديدي في المملكة المتحدة: «استخدمت الدراسة طريقةً لتتبع التغيرات في طول التيلومير بمرور الوقت مع تقليل السعرات الحرارية. في البداية، لوحظ لدى من تناولوا طعامًا أقل، تقصيرًا أسرع في التيلومير، لكنه تباطأ لاحقًا. المدهش أنه بعد عامين، لم يظهر سوى فارق طفيف بين المجموعتين. ما يشير إلى وجود تأثير ثابت محتمل. هذا يسلط الضوء على أهمية الدراسات طويلة المدى لفهم العمليات المرتبطة بالشيخوخة بالكامل».
تقليل السعرات الحرارية لدى البالغين الأصحاء:
عينت تجربة كاليري 220 مشاركًا، تضمّن تحليل البيانات 175 منهم. كان كل المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و 50 عامًا بصحة جيدة، وكان لديهم مؤشر كتلة الجسم بين 22 و 28، أي من وزن صحي إلى وزن زائد.
التزم ثلثا المشاركين بتقليل السعرات الحرارية بنسبة 25٪ مدة عامين، مع بقية الضوابط التي استمرت مع نظامهم الغذائي الطبيعي.
نصح الباحثون جميع المشاركين بممارسة التمارين باعتدال مدة 30 دقيقة، على الأقل 5 مرات أسبوعًا، دون تغيير مستويات نشاطهم خلال الدراسة التي استمرت عامين. قُدمت وجبات الطعام إلى «مجموعة تقليل السعرات الحرارية» في الأسابيع الأربعة الأولى، لمساعدتهم على اختيار الطعام وضمان تناول كميات كافية من العناصر الغذائية الأساسية خلال الدراسة.
خلال الدراسة، كان متوسط تقليل السعرات دون المستهدف البالغ 25٪، إذ حقق المشاركون انخفاضًا بنسبة 11.9٪ وسطيًا.
طوال الدراسة، سجل الباحثون وزن جميع المشاركين كل أسبوعين. خلال العام الأول، فقدت مجموعة تقليل السعرات الوزن، ثم استقر وزنها بعد عام آخر. واستُبعد من الدراسة أي شخص انخفض مؤشر كتلة الجسم لديه إلى ما دون 18.5.
أظهرت التحليلات السابقة لبيانات برنامج كاليري أن نظام تقليل السعرات الحرارية له بعض الفوائد الصحية، وتشمل خفض إجمالي الكوليسترول في الدم، والحد من ضغط الدم والالتهابات. مع أن تقليل السعرات الحرارية قد يؤثر سلبًا في كثافة العظام وكتلة العضلات.
تأثير تقليل السعرات الحرارية في التيلوميرات:
قاس الباحثون طول التيلوميرات من عينات الدم التي جُمعت في بداية الدراسة، ثم بعد عام، ثم بعد عامين.
وجد الباحثون أنه خلال العام الأول، انخفض طول التيلوميرات أسرع عند من اتبعوا نظام تقليل السعرات. في السنة الثانية، تباطأ معدل النقص إلى ما دون الطبيعي.
لماذا قد يحدث هذا؟
لتفسير الأمر، افترض الباحثون أن الضغط الذي يسببه فقدان الوزن المرافق للمرحلة الأولى من تقليل السعرات يسرع تقلص التيلوميرات، لكن يحدث بعد ذلك توازُن فيتباطأ هذا التقلص.
قال أونلويزلر: «ربما يؤدي تقليل الطعام إلى الحد من التوتر والالتهابات في الجسم، ما يبطئ تقصير التيلوميرات. وقد يساعد أيضًا على إصلاح الخلايا لنفسها على نحو أفضل».
خلال الدراسة التي استمرت عامين، لم يظهر اختلاف كبير في طول التيلوميرات بين المجموعتين.
التقدم في العمر بصحة جيدة:
قال قائد البحث الدكتور إيدان شاليف، إن الدراسة التي استمرت عامين لم تكن طويلة بما يكفي لاستخلاص استنتاجات قوية بشأن تأثير تقليل السعرات في طول التيلوميرات.
«يُظهِر البحث أن تأثير تقليل السعرات الحرارية في طول التيلوميرات أمر معقد. افترضنا أن قصر التيلوميرات سيكون أبطأ بين الأشخاص الذين يقللون السعرات الحرارية. لكن ما حدث أن الأشخاص الذين تناولوا سعرات حرارية أقل، فقدوا التيلوميرات بسرعة أكبر في البداية، ثم تباطأ الأمر بعد استقرار وزنهم».
سيتابع الفريق المجموعة بعد 10 سنوات لمعرفة ما يحدث لطول التيلومير بعد فترة زمنية أطول.
قال أونلويزلر إن ديناميكيات التيلومير ربما كانت عامل وحيد بين عدة عوامل مرتبطة بالتقدم في العمر: «تضيف هذه الدراسة رؤىً قيمةً حول كيفية تأثير النظام الغذائي في تقدم الخلايا في العمر. إذ تُظهِر تعقيد العلاقة بين الجينات والبيئة وأنماط الحياة في تشكل صحة الفرد».
«يجب أن تجمع الأبحاث المستقبلية بين المجالات المختلفة، من أجل التوصل إلى أساليب التقدم بالعمر بطريقة صحية، والوقاية من الأمراض».
اقرأ أيضًا:
ما عدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم طبيعيًا في اليوم الواحد؟
تخفيف السعرات الحرارية يساعد في فقدان الوزن، ولا علاقة لموعد تناول الطعام بذلك!
ترجمة: بيشوي خلف
تدقيق: أكرم محيي الدين