تشير الأبحاث الأخيرة إلى إصابة نحو أكثر من مليار شخص بالسمنة حول العالم، وتوقع الباحثون أن يصل عدد الحالات إلى 4 مليارات حالة بحلول عام 2050.

قد تسبب السمنة تدهور الحالة الصحية للفرد وترفع فرص إصابته ببعض الأمراض، ما دفع الباحثين إلى استكمال أبحاثهم حول السمنة وكيفية الوقاية منها.

توصل الباحثون في جامعة جنوب الدنمارك، من خلال دراسة تمت على فأر مختبرات، إلى قدرة تحفيز الدهون السمراء الصحية في الجسم على الوقاية من الإصابة بالسمنة.

ما الدهون السمراء؟

يحتوي جسم الإنسان –وسائر الثدييات- على نوعين أساسيين من الدهون: الدهون البيضاء والدهون السمراء.

يقول الدكتور يان فيلهلم كورنفيلد، أستاذ ومؤسس مشارك لمركز مؤسسة نوفو نورديسك لإشارات الخلايا الشحمية (Adiposign)، المؤلف الرئيس للدراسة الحالية: «الدهون البيضاء هي العضو المسؤول عن تخزين السعرات الحرارية من الطعام، التي تظهر في صورة السمنة، وتسبب مشكلات صحية».

«رغم قدرة الدهون السمراء المحدودة على تخزين الدهون، فإنها بالمقابل قادرة على استمداد السعرات الحرارية من الطعام بحرق الجسم لها».

«المميز بشأن الدهون السمراء قدرتها على تحويل الطعام إلى طاقة حرارية فور تحفيزها، وهو أمر مفيد بالنسبة إلى مرضى السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، وهو ما يصعب على الدهون البيضاء عمله».

تحفيز الدهون السمراء لدى النماذج الحيوانية والوقاية من السمنة:

وجه كورنفيلد وفريقه تركيزه في هذه الدراسة على نوع من البروتين يُسمى (AC3-AT)، وهو مسؤول عن تثبيط عمل الدهون السمراء.

أوضح كورنفيلد: «البروتين (AC3-AT) هو نوع بروتين حديث، يُصنع استثنائيًا داخل الدهون السمراء لدى تحفيزها، عبر تعرض الإنسان والفئران لدرجة حرارة منخفضة، مثلًا. يسبب هذا البروتين إبطال خصائص الدهون السمراء المفيدة، من الانتفاع بالسعرات الحرارية وزيادة النشاط الاستقلابي».

«على هذا يمكن للاستراتيجيات التي تهدف إلى تثبيط البروتين (AC3-AT) تحرير نشاط الدهون السمراء فترةً أطول».

طبق الباحثون تلك النظرية على نموذج فأر مختبرات، ووجدوا أن الفئران التي خضعت لإزالة بروتين (AC3-AT) من جينومها كانت أقل عرضة للإصابة بالسمنة، إذ تفوقت أجسامهم في معدل حرق السعرات الحرارية وسرعة عملية الاستقلاب نتيجة سلاسة عملية تحفيز الدهون السمراء.

يقول كورنفيلد: «يشير هذا في المقام الأول إلى سهولة فقدان الوزن وتحسن حالة عملية الأيض لدى مرضى السمنة، نتيجة لتثبيط عمل البروتين (AC3-AT)».

«من المرجح أن يختلف النهج المُطبق على البشر، فحينها يمكن اللجوء إلى الأجسام المضادة والأدوية القائمة على الحمض النووي الريبوزي، والمركبات الجزيئية الصغيرة».

«تُعد الاختبارات على البروتين (AC3-AT) هي فقط البداية من وجهة نظري، ما زال باستطاعتنا اكتشاف العديد من البروتينات الأخرى المُحفزة بالبرودة ذات الوظائف المعقدة، مثلًا الجين (PGC-AT)، المهم في تنظيم الميتوكوندريا التي تمد خلايانا بالطاقة، والذي نجهل الكثير عن كيفية عمله نظرًا إلى حداثته. يمكننا استنباط أن يستتبع هذا البروتين وظائف في غاية الأهمية نظرًا إلى تشابهه لدى الفئران والبشر، وهو أمر ما زال غير واضح بالنسبة إلينا».

العلاقة بين الدهون السمراء والسمنة عند البشر:

تكون نسبة الدهون السمراء في ذروتها ونحن رُضع، ما يساعدنا على البقاء دافئين، وتتضاءل نسبتها كلما تقدمنا في العمر.

عادةً يمتلك البالغون نسب صغيرة من الدهون السمراء عند منطقة الكتفين أو حولهما، كذلك الرقبة والنخاع الشوكي والكلى والقلب.

ليست هذه الدراسة الأولى التي تبحث تأثير تحفيز الدهون السمراء على فقدان الوزن والوقاية من السمنة، إذ توصلت دراسة نُشرت في أغسطس 2019 إلى أن لتحفيز الدهون السمراء دور في تحسين عملية الأيض، ما زودنا بأهداف محتملة مبنية عليها لتطوير علاجات للسمنة وداء السكري.

أشارت مراجعة لدراسة نُشرت في مارس 2019، إلى الفائدة المحتملة التي تولدها ممارسة التمرينات الرياضية -وعلى النقيض تعرض الجسم لدرجات الحرارة المنخفضة- على تحفيز الدهون السمراء بالجسم.

دراسة أخرى نُشرت في أكتوبر 2023 اكتشفت أي المسارات العصبية تحديدًا مسؤول عن تنشيط الدهون السمراء.

هل يمكن للبالغين مضاعفة نسبة الدهون السمراء لديهم؟

هل هناك ما يمكن للبالغين عمله لزيادة نسبة الدهون السمراء لديهم من أجل الوقاية من السمنة؟ أشار كورنفيلد إلى عدم وجود ما يؤيد ذلك في الوقت الحالي: «من الواضح إمكانية تأخير تضاؤل نسبة الدهون السمراء ونشاطها في النماذج الحيوانية باتباع نُهج دوائية وبيئية، بتعريضها لدرجات حرارة منخفضة وإدراج العقاقير بطرق مختلفة، إذ تحمل تلك العقاقير معها أعراضًا جانبية حادة. يستمر العديد من الباحثين في السعي وراء طرق أكثر أمانًا، تسمح لهم بإعادة إحياء نشاط الدهون السمراء لدى المصابين بالسمنة والبالغين، أو تجنب فقدانها لأي سبب».

تبحث الدراسات الحالية إمكانية رفع مستويات الدهون السمراء في الجسم، بتحويل الدهون البيضاء إلى سمراء، ببحث أثر ممارسة التمرينات الرياضية على الدهون، واستخدام عقاقير معينة مثل الثيازوليدينديون، وناهضات مستقبلات الببتيد الشبيهة بالجلوكاجون-1.

الدكتور مير علي، جراح السمنة بمركز ميموريال كير الجراحي لانقاص الوزن بكاليفورنيا، عقب على هذه الدراسة بقوله: «من المحبط أن الدهون السمراء تُصنع في الجسم بينما هو جنين، فلا يمكنك إذن اكتساب المزيد من الدهون السمراء، فهي بالأخص يصعب تنميتها. ولكن ما يمكن هو تحفيز خلايا الدهون السمراء الموجودة بالفعل، لتتوسع في حجمها ومن ثم يزداد نشاطها».

«يمتلك البشر بالفعل مخازن من الدهون السمراء حول أكتافهم وخلف العنق وبين لوحي الكتف، لذا يمكن لوضع الثلج على تلك المناطق أو أخذ حمام بارد تحفيز الدهون السمراء».

أشاد الدكتور علي بأنه سيكون أمرًا مدهشًا إذا تمكنا من قياس وتحديد نسبة الدهون السمراء لدى الفرد، والتوصل إلى طرق يمكننا بها تحفيزها.

«مع أن كل هذه الأساليب قد تبدو نافعة، وهو الأمر الذي يصب عليه معظم الأفراد تركيزهم، فإنها لن تكون بالكافية ما داموا لا يتخذون الخيارات الغذائية السليمة، فما زال عليك اتباع عادات أكل صحية لتفقد الوزن».

اقرأ أيضًا:

تمرين بسيط يزيد حرق الدهون في أثناء الجلوس في المكتب

شفط الدهون بالأمواج فوق الصوتية: الإجراء والفوائد والأضرار

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر