قرابة عام 1900 ق.م. في مدينة نيبور السومرية في ما يعرف الآن بالعراق، نسخ طالب جدول ضرب على لوحة من الطين. بعد ما يقارب 4000 سنة، ما يزال هذا الواجب الدراسي موجودًا، وما تزال أخطاء هذا الطالب محفورة (10 ضرب 45 مثلًا لا تساوي 270). يذكرنا هذا العمل بأن الرياضيات مهما بدت أنيقة، ومعصومة من الخطأ لا تزال ذات مسعًى إنساني.
هذا درس تعلمته من معرض «تاريخ الرياضيات»؛ المتاح إلكترونيًا من إعداد المتحف الوطني للرياضيات بمدينة نيويورك، و«أبحاث وولفرام» شركة تكنولوجيات الحسابات. وقد جمعت الوثيقة اللوحة السومرية وأكثر من 70 قطعة أثرية أخرى، وأظهرت كيف أن الرياضيات كانت لغة كونية عبر الثقافات والأزمنة.
يلخص المعرض المقسم إلى تسعة أجنحة تطور المواضيع الأساسية المرتبطة بالرياضيات المشتملة على الحساب، والعد، والجبر، والهندسة، والأعداد الأولية. لكل جزء وقت قصير، ويبرز بعض القطع الأثرية التي تمثل مداخل لاكتشاف بعض المعالم على نحو أعمق.
من بين العناصر الأبرز: أقدم آلة حساب معروفة باقية، ولوحة سالاميس؛ لوحة حساب رخامية من جزيرة سالاميس الإغريقية، السابقة لطبلية تاج. يمكن للشخص إجراء الحسابات بواسطة تحريك الحصى عبر اللوحة.
يظهر أيضًا مثال مبكر لاستعمال رمز الصفر عنصرًا نائبًا (مثلًا للتمييز بين 1 و 10 أو 100 و 1000).
في مخطوطة «باخشالي»؛ النص الهندي الذي يعود ربما إلى وقت مبكر من العام 300 ميلادي. تحولت النقاط السوداء في المخطوطة إلى الدوائر المنفتحة التي نعرفها اليوم أصفارًا. ويعرض أيضا كتاب «الجبر»، الذي كُتب عام 820 ميلادي تقريبًا من قبل العالم متعدد الاختصاصات الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي. وقد أسس الكتاب لمجال الجبر وأعطاه اسمه.
وفي 1557 قدم مخطوط انجليزي يسمى «ويتستون أوف ويت» رمز المساواة الحديث.
لكن المعرض هو أكثر من مجرد مجموعة من الحقائق المسلية. إذ كما يفسر، فإن علاقة البشر بالأرقام تعود إلى ما قبل التاريخ. أما الرياضيات الحديثة فتعود إلى ظهور المدن، مع الحاجة إلى حساب البشر والمؤونة، وتنفيذ مشاريع بناء أكثر تعقيدًا.
لا بد من أن بعض المبادئ الرياضية كانت حيوية لنجاح الحضارات لدرجة أنها ظهرت في كثير من الثقافات القديمة. لنأخذ مثلًا نظرية فيثاغورس. ربط الفيلسوف الإغريقي فيثاغورس الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، بين طول جانبَي مثلث قائم في المعادلة a² + b² = c².
لكن لوحًا من الجبس يبين أن سكان ما بين النهرين، توصّلوا إلى هذه العلاقة قبل 1000 سنة، وكان العلماء الهنود والصينيون القدامى على علم أيضاً بهذه العلاقة.
مسائل حسابية أخرى كان لها أكثر من حل، فتاريخ العد مليء بمجموعة من الطرق لحساب الأرقام، بأشكال مختلفة؛ من الحساب باليد، إلى آلة التسجيل ذات الخيوط المسماة الكيبو أو الخيبو، التي جرى استعمالها في إمبراطورية الإنكا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. إن أماكن العقد في خيوط الكيبو وأنواعها تدل على قيم عددية مختلفة، على الرغم من أن الباحثين اليوم لا يزالون يحاولون فهم كيفية تأويل المعطيات المسجلة على هذه الآلات.
تتطلب بعض أجنحة المعرض مستوًى مهمًا من المعرفة بالرياضيات مثل بعض الخصائص التفاعلية؛ التي تقدم تفسيرًا تقنيًا وراء المبادئ الرياضية لبعض القطع الأثرية. لكن فصلًا من «رحلات التعلم» موجهًا «للصغار والآخرين»، يقدم مواد تتيح بعض التفاصيل المنقوصة من المعارض الرئيسية، وتروق للراشدين الذين لديهم ذاكرة ضبابية عن الرياضيات في المدرسة أو الجامعة.
«تاريخ الرياضيات» هو نقطة بداية مبهرة لأي شخص مهتم بالاطلاع على أصول المفاهيم الرياضية التي يستعملها الكثير منا كل يوم، لكنه يأخذها مثل مُسلَّمة في العادة.
اقرأ أيضًا:
لمحة تاريخية عن الكتابة المسمارية
ترجمة: زياد نصر
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: عون حدّاد