زاد إقبال الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي في شتّى مجالات الحياة، وروبوتات الدردشة التي تتميز بتقمّص الأدوار العاطفية والجنسية، وهذا يدعو للقلق، أليس كذلك؟! قد يستطيع الشركاء العاطفيين بتقنية الذكاء الاصطناعي إنقاذ بعض الناس من وحدتهم، ولكن هذا لا ينفي وجود وجه آخر سوداوي.

بدءًا من العقد الماضي، أصبح المساعدون الافتراضيون المُفعّلون بتقنية الذكاء الاصطناعي (مثل سيري من آبل وأليكسا من أمازون) جزءًا مهمًا يكمّل تقنيات أجهزة الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. وبدأ حديثًا ظهور نوع جديد من روبوتات الدردشة الشبيهة بالإنسان: ذكاء اصطناعي قادر على محاكاة المحادثات البشرية وتمثيل دور الشريك العاطفي والتفاعل باستخدام النصوص والصوت والصور.

يوجد حاليًا أكثر من 100 تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي يقدم شركاء رومانسيين وجنسيين (مثل myanima.ai و Eva.ai و Nomi.Ai و Replika)، إضافةً إلى خيارات تخصيص ذاتية شاملة متضمنة السمات الجسدية والشخصية، وتظهر بشكل واقعي واستثنائي قادرة على التلاؤم مع طبيعة المستخدم وسلاسة التفاعل معه، وبوسعها أيضًا أن تتطور تدريجيًا في أثناء الدردشة، وأن تضبط استجاباتها بما يتوافق مع اهتمامات المستخدمين واحتياجاتهم وأنماط التواصل المفضلة لديهم.

تتزايد قدرة هذه البرامج على محاكاة صفات الإنسان والتشبّه به، ما يدفع المستخدمين إلى التفاعل معها وتكوين علاقات عاطفية معها للحد الذي يجعلهم يقعون في حبها. والجدير بالذكر أن قيود الحجر الصحي المرتبط بانتشار جائحة كورونا سبب تفاقم الشعور بالوحدة، ما دفع المزيد من البشر إلى اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي ليكون بديلًا عن استشارة الأصدقاء والشركاء العاطفيين.

بدائل الرفيق الرومنسي

تظهر الأبحاث مدى قدرة روبوتات الدردشة التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي على تشكيل الصداقات والتخفيف من شعور الوحدة وتعزيز المشاعر الإيجابية برسائلها الداعمة، إضافةً إلى أنها توفر مساحة حرية خالية من أية أحكام في محادثاتها المفتوحة وتقدم النصائح المطلوبة عند عدم توفر الموارد الأخرى، وتضيف ميزة أخرى للبشر أنه بإمكانها تكوين معه علاقات حميمية وعاطفية عميقة تشبه العلاقات بين البشر ذاتهم.

وما يثير الدهشة عدم ملاحظة اختلاف -في المتعة والإثارة الجنسية والتفاعل العاطفي- بين المستخدمين الذين يعتقدون أنهم يحادثون إنسانًا آخر أو روبوتًا.

أظهرت دراسة أخرى أن شعور الارتباط لدى الأشخاص المتحدثين مع برامج الدردشة الآلية أقوى من شعورهم لدى التحدّث مع البشر قليلي التفاعل.

تشير الأبحاث مرارًا وتكرارًا إلى قدرة البشر على إنشاء علاقات عاطفية حقيقية مع الذكاء الاصطناعي، مع إنهم يعترفون بأنه ليس إنسانًا حقيقيًا. ولكن حتى مع وجود فوائد نفسية يقدمها لكثير من الأشخاص، فإن العواقب الضارة والمحتملة غير واضحة حتى الآن.

سلبيات الوقوع في حب الذكاء الاصطناعي

لقد بُرمجَت هذه الروبوتات لتقدم شكلًا فريدًا من الارتباط، لا سيما أنها متوفرة دائمًا وفي أي وقت، وتفاعلاتها غير جارحة تراعي تجنب حدوث الخلافات وتتوجه دائمًا للتسوية والتراضي.

وهذا ما يثير القلق والمخاوف حيال تأثّر توقعات المستخدمين بشأن علاقاتهم الإنسانية الجنسية والعاطفية. وقد تؤثر سلبًا أيضًا في تطوير مهارات التواصل الاجتماعية والقدرة اللازمة على التلاؤم مع المحيط في العلاقات الواقعية، كالانضباط العاطفي وإثبات الذات بالتفاعل والانسجام بالمجتمع المحيط.

إن الافتقار لهذه العناصر المهمة سيجعل المستخدمين غير قادرين على تكوين علاقات حقيقية ومتبادلة ومعقدة مع الآخرين، فغالبًا ما نجد في العلاقات الإنسانية الكثير من التحديات والصراعات التي تسهم في ارتقاء شخصية الإنسان وتربطه بمن حوله بروابط عاطفية أعمق.

إن طبيعة الذكاء الاصطناعي من حيث قدرته على التلاؤم مع شخصية المستخدمين ووجوده معهم باستمرار قد تؤدي إلى عزلهم اجتماعيًا واعتمادهم العاطفي الدائم عليه، لذا يشير الباحثون إلى خطورة استدامة هذه المشاركات مع الروبوتات لأنها قد تدفعهم إلى الابتعاد والانسحاب من بيئتهم المباشرة وتجعلهم غير مكترثين لبناء روابط اجتماعية جديدة وجادة ذات قيمة، وكذلك قد يبالغ المستخدمون باعتمادهم على هذه الكيانات الرقمية للحصول على الصحبة أو الدعم العاطفي أو تلبية رغباتهم الجنسية.

والجدير بالذكر ما حدث في عام 2023 عندما أزالت Replika إمكانية أداء الأدوار الجنسية، سبب هذا تغيرًا كبيرًا في الميزات الشخصية لنُسِخ ريبليكا الموجودة ما أحزن كثيرًا للمستخدمين، فقد شعر الكثير منهم بالخيانة والرفض وأبلغوا عن شعور عميق بالخسارة، وبسبب هذه الاحتجاجات أعادت Replika الوظائف للمستخدمين القدماء.

المراقبة الحميمية

كشفت مؤسسة Mozilla عام 2023 عن تحليل أمني شمل 11 تطبيقًا شائعًا لروبوتات المحادثات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتحدثت عن مشكلات مرعبة وخطيرة بالخصوصية، لا سيما أن معظم هذه التطبيقات تستطيع مشاركة البيانات الشخصية أو بيعها، ونصفها يمنع المستخدمين من حذف معلوماتهم.

وما يثير القلق أكثر أن كثيرًا من هذه التطبيقات تحتوي آلاف أدوات التتبع التي ترصد نشاط المستخدمين على أجهزتهم لغايات تسويقية. كشفت دراسة حديثة تضمنت 21 تطبيقًا من تطبيقات الارتباط العاطفي التي تعمل بالذكاء الاصطناعي عن وجود مخاوف متعلقة بالخصوصية مماثلة لما ذُكر.

تعزيز الصحة العاطفية

مع إن البيانات التجريبية ما تزال قيد التوليد، فإن التفاعلات الجنسية مع الذكاء الاصطناعي توفر بديلًا آمنًا للعلاقات الجنسية والعاطفية ومخاطره أقل، فهذه الروبوتات تحمل وعودًا مبشرة خاصةً للأفراد الذين يواجهون تحديات وصعوبات كبيرة في إنشاء علاقات عاطفية مُرضية نتيجة المرض أو الحرمان أو الصعوبات الجنسية أو الحواجز النفسية أو اعتلالات الحركة.

وبالوسع أيضًا استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للاستكشاف الجنسي والعاطفي بين المجتمعات المهمشة أو بين الأفراد المعزولين اجتماعيًا. إضافةً إلى إمكانية اتخاذ روبوتات الدردشة بوصفها أداة بحثية للاندماج في المجتمع، ما يمكّن الأفراد من بناء علاقات وروابط مع المحيط وتحسين مهاراتهم التفاعلية.

أظهرت الأبحاث مثلًا التأثير الإيجابي لروبوتات الدردشة في تعزيز التواصل العاطفي بين الأزواج على بعد مسافات طويلة. وتستكشف الدراسات الحالية مدى قدرتها على مساندة الأفراد في إدارة الضيق والصعوبات الناتجة من الإنهاء المفاجئ لعلاقات تطبيقات المواعدة. ويعمل باحثون في مختبر EROSS من جامعة كيبيك بمونتريال على دراسة لتقييم استخدام العزّاب الراغبين بالدخول إلى علاقات مستقرة لبرامج الدردشة لمساعدتهم في تحسين لباقتهم ومهاراتهم العاطفية وكيفية مواجهة الرفض والتغلب عليه.

ومع إن الوعود تتحدث عن التطبيقات السريرية المبشرة، فإن الأبحاث الحالية تركز اهتمامها حول استخدام برامج الدردشة للتثقيف في الصحة الجنسية والتطرق إلى موضوعات مثل العدوى المنقولة جنسيًا والصحة الإنجابية.

ثورة العلاقات

يمثل التقدّم الحالي في تقنيات الذكاء الاصطناعي عهدًا جديدًا للعلاقات الرومانسية والجنسية الحميمية، وبوسع روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تُبدي تفاعلات رومانسية وانفعالية مُرضية وشخصية، وتقدم فرصًا واعدة في تخفيف الشعور بالوحدة وتعزيز المهارات العاطفية ومساندة الذين يعانون في العلاقة الحميمية ودعمهم.

ومع ذلك، فإنها تثير أيضًا مشكلات الخصوصية والمخاوف الأخلاقية المهمة، ما يؤكد الحاجة إلى أسلوب ثقافي مُلم ومتبصّر بالبحث ومنظم على أكمل وجه من أجل الانسجام في حياتنا العاطفية. ولكن الاتجاهات الحالية تظهر إلى أن الشركاء العاطفيين من الذكاء الاصطناعي مستمرون.

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي قد يجعل البشر بغيضين

هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في اختبارات الرؤية الأساسية؟

ترجمة: رغد شاهين

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر