يُلام الضوء الأزرق بأنه سبب قلة النوم وتوتر العين، إذ تصدر الأجهزة الإلكترونية الشخصية ضوءًا أزرق أكثر من أي لون آخر. للضوء الأزرق طول موجي قصير، ما يعني أن طاقته العالية قد تضر بالأنسجة الرقيقة للعين، وقد يمر أيضًا عبر العين إلى الشبكية (مجموعة الخلايا العصبية التي تحول الضوء إلى إشارات تشكل أساس الإبصار).
أظهرت الدراسات المخبرية أن التعرض المطول للضوء الأزرق عالي الكثافة يضر بخلايا الشبكية في الفئران، لكن الدراسات على البشر تروي قصةً مختلفة.
يدرس فيليب يوهاس (وهو أستاذ مساعد في كلية البصريات بجامعة ولاية أوهايو) أبحاث الإبصار، ويتضمن ذلك العمل على خلايا شبكية العين، والتعامل مع مرضى العيادات الجامعية. يرغب المرضى غالبًا في معرفة كيفية الحفاظ على صحة أعينهم مع النظر المستمر إلى شاشة الحاسوب، ويستفسرون عن العدسات الحاجبة للضوء الأزرق والنظارات التي يرونها في إعلانات الإنترنت.
لكن عندما يتعلق الأمر بحماية إبصارك والحفاظ على صحة عينيك، فليس الضوء الأزرق هو المشكلة الأخطر.
الحماية الذاتية
تأخذ إحدى طرق التفكير في الضوء الأزرق وتلف الشبكية المحتمل ضوء الشمس بعين الاعتبار، فمعظم ضوئها أزرق، وتُعَد ظهيرة يوم مشمس أسطع نحو مئة ألف مرة من شاشة الحاسوب، ومع ذلك لم تجد الدراسات على البشر أي صلة بين التعرض لأشعة الشمس وتطور الضمور البقعي المرتبط بالعمر (مرض شبكي يؤدي إلى فقدان الرؤية المركزية).
توصلت دراسة حديثة إلى أنه إذا كان تسبب الظهيرة المشمسة في تلف الشبكية البشرية مستبعدًا، فبالمثل لا يمكن أن يسبب جهازك المحمول ذلك.
إذن، لماذا يوجد فرق في تأثير الضوء الأزرق في الأعين بين القوارض والإنسان؟
تختلف أعين البشر عن القوارض في امتلاك عناصر وقائية، مثل أصبغة البقعة، وقدرة العدسة البلورية طبيعيًا على حجب الضوء الأزرق. تمتص هذه البُنى الضوء الأزرق قبل أن يصل إلى الشبكية الحساسة.
لا يعني هذا أن نتخلص من النظارات الشمسية، فهي توفر فوائد تتجاوز حماية العينين من ضوء الشمس الأزرق، إذ يبطئ ارتداؤها تطور إعتام عدسة العين الذي يعيق الرؤية.
لكن عدم إلحاق الضوء الأزرق الضرر بشبكية العين لا يعني أن الأجهزة الإلكترونية غير ضارة، أو أن الضوء الأزرق لا يؤثر في العينين إطلاقًا.
يؤثر الضوء الأزرق سلبًا في فسيولوجيا النوم الصحية، بسبب طول موجته، إذ تلعب الخلايا الحساسة للضوء الأزرق -خلايا العقدة الشبكية الحساسة (ipRGCs)- دورًا رئيسيًا، لأنها تخبر ساعة الدماغ الرئيسية عن مدى الإضاءة في البيئة المحيطة، ما يعني أنه عند النظر إلى شاشة ذات إضاءة ساطعة، ستعمل هذه الخلايا على ضبط الساعة الداخلية لجسمك على وضع اليقظة، كما لو كان الوقت نهارًا.
لكن هذه الخلايا حساسة للألوان الأخرى سوى الأزرق أيضًا، إذ تتلقى مدخلات من الخلايا العصبية الأخرى بالشبكية، الحساسة لطيف الألوان بأكمله. لذلك لا يكفي حجب الضوء الأزرق وحده حين يتعلق الأمر بتحسين النوم، بل يجب تعتيم كل الألوان.
أما فيما يتعلق بالشكوى المتكررة حول العيون المتعبة بعد قضاء يوم طويل في التحديق إلى الحاسوب، فالضوء الأزرق ليس وحده المسؤول عن ذلك. وفقًا لدراسة حديثة، ذكر المشاركون أن حجب الضوء الأزرق وحده لم يحسن من راحتهم بعد جلسة حاسوب طويلة، مقارنةً بإعتام الشاشة بالكامل.
هل من المنطقي حجب الضوء الأزرق ؟
يرغب العديد من المرضى في معرفة هل سيفيدهم شراء منتجات حجب الضوء الأزرق؟ الجواب المختصر بناءً على البحث هو لا.
مبدئيًا فإن أي تعرض لضوء ساطع ليلًا سيؤثر في النوم، إذ تشير الأدلة إلى أن الوقت الذي تقضيه أمام الشاشة قبل النوم يطيل الوقت المُستغرَق للنوم مقارنةً بقراءة كتاب ورقي، ويحرمك النوم المريح سريع حركة العين، ويشتت التركيز ويقلل من نشاط الدماغ في اليوم التالي، ومن المرجح أن تقريب الهاتف بإضاءته الكاملة من العينين يفاقم المشكلة.
ثانيًا، لا تحجب تلك المنتجات أكثر الضوء الأزرق، فمثلًا يحجب الغلاف المعروف المضاد للانعكاس الحاجب للون الأزرق نحو 15% فقط من الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، وهي نفس النتيجة التي يمكن الحصول عليها بإبعاد الشاشة عن الوجه 2.5 سم إضافيين. لذا لم يكن مفاجئًا أن يخلص تحليل حديث إلى أن العدسات والأغلفة الحاجبة للون الأزرق ليس لها تأثير كبير في جودة النوم أو الراحة على الحاسوب أو صحة الشبكية.
ما الذي يفيد حقًا؟
توجد طرق لجعل الشاشة أكثر راحة وأكثر ملاءمةً للنوم:
أولاً، إطفاء الأجهزة الإلكترونية قبل النوم. توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأن تكون غرف نوم الأطفال خالية من الشاشات، وهي نصيحة يجب علينا جميعًا الالتزام بها. أما خارج غرف النوم فيجب تقليل سطوع الشاشات عند النظر إليها.
وفيما يتعلق بإجهاد العين، يجب الحصول على وصفة لنظارات طبية أو عدسات لاصقة مناسبة. فقط طبيب العيون أو مختص البصريات يمكنه تقديم هذه المعلومات.
تجب أيضًا العناية بسطح العين، فلأننا لا ننظر إلى شاشات الحاسوب فقط بل نحدق بها، ينخفض معدل الرمش إلى النصف (من 12 إلى 6 رمشات في الدقيقة)، ونتيجةً لذلك تتبخر الدموع من العين، ولا تتراكم مجددًا حتى نبتعد عن الشاشة ونبدأ الرمش، ويسبب هذا التهابًا بسطح العين، لهذا السبب تشعر بجفاف عينيك وإجهادهما بعد قضاء يوم على الحاسوب، ويُنصح المرضى باتخاذ خطوتين لإبقاء أعينهم رطبة خلال جلسات الحاسوب الطويلة:
أولاً، اتباع قاعدة (20-20-20)، التي تُعرِّفها الرابطة الأمريكية للبصريات بأخذ استراحة مدة 20 ثانية كل 20 دقيقة بالنظر إلى شيء يبعد 20 قدمًا (6 أمتار)، سيسمح ذلك للعينين بالرمش والاسترخاء، ويوجد العديد من التطبيقات المتاحة للمساعدة على التذكير باتباع هذه القاعدة.
ثانيًا، استخدام قطرة ترطيب للعين قبل الاستخدام المطول للحاسوب، ستعزز هذه الطريقة الدموع الطبيعية للجسم ما يبقي سطح العين رطبًا، لكن يجب تجنب القطرات التي تسبب احمرار العين لاحتوائها على مواد تسبب احمرارًا طويل الأمد ومواد حافظة قد تضر بالطبقات الخارجية للعين.
ينصح يوهاس بالدموع الاصطناعية الخالية من المواد الحافظة، ويقول: «بناءً على بحثي، فإن نصيحتي ألا تصدق الضجة حول الضوء الأزرق، ولا تضيع أموالك على منتجات لا تحتاج إليها، فقط أبقِ الشاشات بعيدة عن غرفة نومك، وقم بتعتيمها قبل موعد النوم، وحافظ على ترطيب عينيك، ولا تنس أن ترمش!».
اقرأ أيضًا:
العيون الدامعة كل ما يجب ان تعرفه عن هذه الحالة
العيون الزرقاء ليست زرقاء.. لا وجود لعيون زرقاء من الأساس
ترجمة: رهف مقديد
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين