تشير التقديرات إلى أن صناعة اللياقة العالمية ستنتج إيرادات تزيد عن ثمانين مليار دولار أمريكي في عام 2023، والسبب في ذلك يرجع إلى الفوائد الممتازة لممارسة الرياضة، ومنها الحفاظ على صحة الجهاز القلبي الوعائي، وتقليل خطر الإصابة بالسكري من النمط الثاني، وتقوية جهاز المناعة، وغيرها من الأسباب الأخرى.
من أكثر الأسباب التي تدفع الأشخاص لممارسة الرياضة هي خسارة الوزن. يقول عالم في السلوك البيولوجي: «بصفتي عالمًا في السلوك البيولوجي، أدرس الروابط بين السلوك والصحة، فقد ركّزت على النصيحة الذهبية بأن ممارسة المزيد من التمارين وتناول كمية أقل من الطعام أمر ضروري لخسارة الوزن».
لكن يسلّط الجدل الأخير في الوسط العلمي الضوء على الشك المتزايد بشأن صحة الجزء (تمرين أكثر) من النصيحة الذهبية وأنه قد يكون خاطئًا. وتوجد فرضية في هذا الجدل وهي فرضية إجمالي إنفاق الطاقة المقيدة التي تؤكد أن التمارين الرياضية لن تساعد على حرق المزيد من السعرات الحرارية؛ لأن الجسم سيعوض ذلك بحرق سعرات حرارية أقل بعد التمرين، ولذلك لن تساعد التمارين الرياضية على خسارة الوزن على الرغم من فوائدها الكثيرة للجسم.
يعارض الباحثون في مجال البدانة هذه الفرضية؛ لأنها قائمة على أبحاث رصدية (أبحاث قائمة على الملاحظة) بدلًا من التجارب العشوائية المضبوطة التي تُعد المعيار الذهبي في الأبحاث العلمية.
يُختار المشاركون عشوائيًا في التجارب العشوائية المضبوطة، إما لمجموعة العلاج أو لمجموعة المراقبة، ما يسمح للباحثين معرفة إن كان للعلاج أي تأثير.
أظهرت التجارب العشوائية المضبوطة أن التمارين الرياضية تسبب خسارة الوزن. ويُعد الحكم على هذا الأمر في الواقع أكثر تشابكًا عند أخذ كل المعايير الذهبية المتاحة بعين الاعتبار.
ماذا تقول الأدلة؟
يؤكد مُنَظّرو هذه النظرية أهمية المراجعة المنهجية للدليل في كل التجارب ذهبية المعايير، وأشاروا إلى مراجعة في عام 2021 لدراسات شملت أكثر من مئة تمرين، التي أوضحت تأثير التمارين الرياضية الهوائية أو المقاومة أو التمارين الرياضية المتقطعة عالية الكثافة مجتمعة أو مفردة في خسارة الوزن عند البالغين.
خلصت المراجعة إلى أن التمارين الرياضية الخاضعة للمراقبة تسبب خسارة الوزن حتى ولو كانت الكمية قليلة.
فهل يحلّ ذلك الجدل الحاصل؟ إذا تناول الشخص الكثير من الحلوى، فعليه فقط إجراء المزيد من تمارين الجري لحرق السعرات الحرارية المكتسبة؟ في الحقيقة لا يحدث ذلك بالضبط.
إذا سببت التمارين الرياضية الجسدية المُجهدة خسارة السعرات الحرارية الزائدة في الجسم، فيجب عليها أيضًا منع عودة زيادة الوزن بعد الحميات ناقصة السعرات الحرارية، ولكن الحفاظ على الوزن بعد خسارة السعرات الحرارية نتيجة الالتزام بالحمية يشكل تحديًا شائعًا.
تضمنت الدراسة نفسها عام 2021 القليل من التجارب العشوائية المضبوطة التي توجّه سؤالًا فيما إذا كانت التمارين الرياضية تسهّل الحفاظ على الوزن، ولكن لم تكن النتائج جيدة كنتائج الدراسات بشأن خسارة الوزن. فقد وجد الباحثون أن القيام بالتمارين الهوائية أو المقاومة أو كليهما مدة ستة أشهر إلى عام بعد الحمية، لم يمنع البالغين من عودة اكتساب وزن زائد.
الالتزام بالتمارين الرياضية
لكن ماذا عن الالتزام؟ هل تمرّن كل الأشخاص المشاركين في هذه الدراسات بانتظام؟
وجدت الدراسة المنشورة عام 2021 أنه أُبلِغ عن تجربة عشوائية مضبوطة واحدة في مجال الحفاظ على الوزن حدث فيها التزام جيد؛ إذ راقب مدرب كل حصة تدريبية، ما ساعد على معرفة الوقت الذي تمرّن خلاله المشاركون فعليًا كما طُلِب منهم.
كانت نسبة الالتزام في هذه التجربة نحو 64% فقط عند خمس وعشرين امرأة بعد انقطاع الطمث اللاتي أكملن برنامجًا تمرينيًا يتضمن تمارين مقاومة بعد خسارة الوزن نتيجة الالتزام بنظام غذائي. ووجب على المشاركين في هذا النظام التمرن مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع مدة عام كامل. ونظرًا إلى طول مدة التمرين، فإن الالتزام بنسبة 64% من الوقت لا يبدو سيئًا أبدًا. وعلى الرغم من ذلك، فقد اكتسب المشاركون الوزن مرة أخرى بالقدر نفسه مقارنةً بالتسع وعشرين امرأة في مجموعة المراقبة اللاتي لم يلتزمن ببرنامج تدريبي.
توازن الطاقة
يعتقد العديد من الأشخاص أن الأمر بأكمله قائم على توازن الطاقة الداخلة إلى الجسم من الطعام والخارجة من الجسم بأداء التمرين، فإن لم تتمكن التمارين الرياضية من خفض الوزن، ربما يحتاج الشخص مزيدًا من التمارين.
أكدت الجامعة الأمريكية للطب الرياضي مسألة كمية التمارين في بيان نشرته عام 2009 عن النشاط البدني للحفاظ على الوزن، إذ أشارت إلى أن كمية النشاط الجسدي التي يحتاجها الشخص للحفاظ على وزنه بعد خسارة الزائد منه غير محددة، وأشارت إلى نقص عدد التجارب العشوائية المضبوطة في هذا المجال التي تستخدم أحدث التقنيات لمراقبة توازن الطاقة لدى المشاركين.
لحسن الحظ، استخدم بعض الباحثين تقنيات حديثة لمراقبة توازن الطاقة في تجارب عشوائية مضبوطة خاصة بهم.
في عام 2015، دفعوا بالغين يعانون زيادة الوزن إلى الالتحاق ببرنامج تمارين هوائية مدة عشرة أشهر، وقارنوا بين مدخول الطاقة عند الأشخاص الذين فقدوا أوزانهم مع الذين لم يفقدوا أوزانهم خلال مدة التمرين، ولاحظوا أن الذين لم يفقدوا أوزانهم كانوا يتناولون كمية أكبر من السعرات الحرارية.
لغز اختفاء السعرات الحرارية
وجد العلماء أمرًا مدهشًا عند قياس الطاقة في الدراسة المنشورة عام 2015.
لم تكن السعرات الحرارية المحروقة يوميًا بسبب التمارين الرياضية مختلفة كثيرًا عن السعرات الحرارية المحروقة عند الأشخاص الذين لم يمارسوا الرياضة، على الرغم من قول المدربين إن التمارين الرياضية تحرق نحو 400 إلى 600 سعرة حرارية إضافية في كلِّ حصة تدريبية في برنامج التدريب اليومي، ولكن لماذا لم تظهر هذه السعرات الإضافية في المجموع الكلي اليومي للسعرات الحرارية المحروقة؟
قد تساعد الإجابة عن هذا السؤال على معرفة: لماذا لا تساعد الرياضة دائمًا في خسارة الوزن؟ يستجيب الجهاز الاستقلابي في الجسم بخفض السعرات الحرارية المحروقة في الأوقات التي لا يتمرن فيها الشخص، وذلك وفقًا لفرضية خسارة الطاقة المقيدة التي حرّضت النزاع الحالي.
اختبر الباحثون هذه الفرضية بقياس السعرات الحرارية غير المحروقة عند تسعة وعشرين بالغًا خلال أربع وعشرين ساعة قبل الالتزام وبعده ببرنامج تدريبي مدة ستة أشهر. ووجد العلماء انخفاض السعرات الحرارية المحروقة خارج أوقات التمرين بعد أشهر من التدريب المنتظم، وحدث ذلك فقط عند الأشخاص الملتزمين بمجموعتين أو أكثر من التمارين الرياضية المختلفة، أما الذين التزموا بكمية تمارين منخفضة فقط للحفاظ على الصحة العامة والذين كانوا يحرقون نحو 800 إلى 1000 سعرة حرارية إضافية في الأسبوع، لم يحدث عندهم تغير في معدل الاستقلاب، أما الذين تمرنوا بجهد أكبر لخسارة الوزن أو للحفاظ على الوزن بعد خسارة الزائد منه والذين كانوا يحرقون نحو 2000 إلى 2500 سعرة حرارية زائدة بالأسبوع، فقد انخفض لديهم معدل الاستقلاب بنهاية الدراسة.
التمرين للحفاظ على الصحة
ربما يكون كلا طرفي النقاش مُحقين، فإذا أراد الشخص خسارة كمية بسيطة من الوزن، فقد يكون للالتزام ببرنامج تدريبي يومي جديد دورًا جيدًا للوصول إلى الهدف.
لكن لا يجب أن ينخدع الشخص بمقولة: «يمكن تجاوز النظام الغذائي السيئ فور إجراء المزيد من التمارين الرياضية». إذ توجد عودة هامشية متناقصة للتمرين، فيقوم الشخص بإنقاص الوزن عندما يضيف تمارين جديدة.
لكن على الرغم من أن التمارين الرياضية الزائدة لا تكون مفيدة دائمًا في خسارة الوزن أو الحفاظ على الوزن بعد خسارة الزائد منه، ولكنها ما زالت تملك الكثير من الفوائد الصحية الأخرى.
اقرأ أيضًا:
تغييرات صغيرة في الروتين اليومي تساعد على خسارة الوزن
لماذا تصعب خسارة الوزن وفقًا للعلم؟
ترجمة: ميلاد أبو الجدايل
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي