يملك معظم المصابين بسرطان الرئة تاريخًا من التدخين، لكن في ربع حالات الإصابة بسرطان الرئة لم يقرب المرضى التدخين في حياتهم، ففي دراسة ضخمة أجريت على مرضى سرطان رئة غير مدخنين، حُدد ثلاثة أنواع فرعية مميزة من سرطان الرئة، يبدو أنها نشأت دون التعرض لملوثات بيئية مثل دخان السجائر أو الأسبستس أو الهواء الملوث.
أوضحت اختصاصية الأوبئة من المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة ماريا تيريزا لاندي، أن الدراسة توصلت إلى وجود ثلاثة أنماط فرعية مختلفة من سرطان الرئة عند مرضى لم يدخنوا في حياتهم، لكل منها صفات جزيئية مختلفة وعمليات تطورية خاصة بها، وأضافت: «ستفتح هذه الدراسة الآفاق مستقبلًا لابتكار علاجات مرتكزة على هذه الأنماط الفرعية من السرطان».
يسبب التدخين حاليًا جائحة عالمية من سرطان الرئة، إذ تُشخص سنويًا أكثر من مليوني إصابة، وما زالت آلية نشوء سرطان الرئة عند غير المدخنين مجهولة للعلماء. قدم البحث الجديد أدلة عدة حول الآلية الغامضة لنشوء السرطان غير المرتبط بالتدخين.
عندما سلسل العلماء جينوم الورم من عينات مجمدة مأخوذة من 232 مريضًا غير مدخنين، مصابين بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة -سرطان الرئة الأكثر شيوعًا من بين النمطين الرئيسين لسرطان الرئة- لاحظوا وجود عدة طفرات في الورم غير موجودة في النسيج الرئوي الطبيعي. تختلف تلك التغيرات عن الطفرات التي يسببها دخان التبغ، ما يقترح وجود نوع مختلف من الأذية الرئوية، مثل وجود عيوب في نظام إصلاح الحمض النووي، أو إجهاد تأكسدي.
أما المرضى الـ 62 الذين تعرضوا للتدخين السلبي، فكانت الطفرات في أنسجتهم الورمية مشابهة للطفرات لدى غير المدخنين المصابين بالسرطان، ما يشير إلى حدوث الأورام بسبب تغيرات جسدية داخلية لا علاقة لها بالضغوط البيئية، رغم صغر عينة الدراسة نسبيًا.
تضيف لاندي: «نحتاج إلى عينات أكبر ومعلومات أكثر تفصيلًا عن التعرض للتدخين، لمعرفة تأثير التدخين السلبي في تطور سرطان الرئة عند غير المدخنين».
كان معظم المشاركين في الدراسة من أصل أوروبي، لذا فالدراسات المستقبلية بحاجة إلى مشاركين من أصول مختلفة.
تعرف مؤلفو الدراسة على ثلاثة أنماط فرعية جديدة من سرطان الرئة في مجموعتهم. النمط الأول الأكثر شيوعًا سُمي «بيانو» -لفظة إيطالية تصف الموسيقى الهادئة أو البسيطة- لقلة الطفرات الجينية فيه. يرتبط هذا النوع الفرعي من سرطان الرئة بالخلايا السلف المنتجة للخلايا الجديدة في الرئة، ونموه بطيء لذا فقد يُكتشف بعد عشر سنوات من بدايته.
أما النمط الفرعي الثاني فهو أصعب في اكتشافه وأسرع نموًا، ويُسمي «ميزوفورت» -متوسط القوة- لأن طفراته الجينية أكثر مقارنةً بالنوع الأول، وتحدث في جينات مستقبلات عوامل النمو (EGFR).
النوع الثالث –الأقوى- سُمي «فورت» -أي القوي- وتحدث فيه طفرة تُسمى مضاعفة الجينوم الكامل. توجد هذه الطفرة في الأنماط الأخرى من سرطان الرئة لدى المدخنين، لكنها لا تشبهها كثيرًا، حتى لدى المرضى المعرضين للتدخين السلبي.
تقول لاندي: «لا نزال في بداية فهمنا لكيفية تطور هذه الأورام، وتظهر لنا التحليلات اختلاف سرطانات الرئة عند غير المدخنين».
تٌعد معرفة المنشأ الطبيعي لسرطانات الرئة وكيفية اختلافها عن السرطانات المرتبطة بالتدخين عاملًا حاسمًا في علاجها. يختبر العلماء حاليًا علاجًا مستهدفًا للطفرات في جين مستقبل عامل النمو (EGFR)، ستكون هذه العلاجات مستقبلًا فعالة للمرضى المصابين بالنوع الفرعي «ميزوفورت» من سرطان الرئة. أما النمط الفرعي «بيانو» فهو أصعب نسبيًا في العلاج بسبب تنوع طفراته، ما يجعله صعب العلاج بالأدوية.
لاحظ العلماء أن استخدام أدوية تعطل الإشارات للخلايا السلف في الرئتين يساعد على وقف نمو الورم من النوع «بيانو».
يأمل العلماء فتح الآفاق أمامهم مستقبلًا للتوصل إلى أدوية لعلاج سرطان الرئة، خاصةً عند المرضى الذين لم يدخنوا في حياتهم مطلقًا.
اقرأ أيضًا:
سرطان الرئة lung cancer: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
لماذا يصاب غير المدخنين ب سرطان الرئة ؟
ترجمة: هادي سلمان قاجو
تدقيق: نور عباس