تُستخدم التجارب على الحيوانات لمعرفة مزيد عن الكائنات الحية وعن الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان، فمن طريق هذه التجارب يحصل العلماء على معلومات لا يمكن تعلمها بأي طريقة أخرى. عندما يطور العلماء أدوية أو تقنيات جراحية جديدة يكون من غير الأخلاقي استخدام هذا الدواء أو هذه التقنية لأول مرة على البشر، لاحتمال أن تتسبب بالضرر عوضًا عن النفع، بدلًا عن ذلك يُختبر الدواء أو التقنية على الحيوانات للتحقق من كونها آمنة وفعالة.
يرجع القبول العام لاستخدام الحيوانات في الأبحاث إلى حد بعيد إلى حقيقة أنها قدمت ابتكارات طبية أدت إلى تحسين نوعية حياة الإنسان وزيادة متوسط العمر المتوقع على نحو كبير، لكن لم تعد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تطلب اختبارات الأدوية على الحيوانات للموافقة على العقاقير الجديدة، فهل هذا آمن؟
بفضل قانون صدر في شهر ديسمبر 2022، أصبح لدى الوكالة الآن خيار الموافقة على الأدوية التي اختُبرت في الدراسات غير الحيوانية فقط، يشمل ذلك تلك التي تستخدم الأنسجة المزروعة في المختبر أو نماذج الكمبيوتر، قبل اختبارها في التجارب السريرية على البشر.
لكن ما مدى سلامة تلك الاختبارات؟ وهل سيحدث ذلك في وقت قريب؟ بحسب بيان الخبراء فإنه في الوقت الحالي لا يُتوقع حدوث تحول جذري في كيفية طرح مطوري العقاقير للأدوية في السوق.
لتوضيح الأمر، قال الدكتور فيفيك غوبتا الأستاذ المساعد في الصيدلة الصناعية في جامعة سانت جون: «أعتقد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يُنفذ فعليًا بالكامل».
وفقًا لما ذكره جيم نيومان مدير الاتصالات في منظمة (Americans for Medical Progress)، التي تؤيد استخدام الأبحاث على الحيوانات، فإنه رغم تطوير نماذج غير حيوانية واعدة أخيرًا، ما زالت هذه التقنيات في مهدها.
سابقًا كانت إدارة الغذاء والدواء تطلب اختبار الأدوية على نوع من القوارض قبل تطبيقها على البشر، إذ تساعد هذه الاختبارات على الكشف عن كيفية تحلل الأدوية في الجسم، ووصولها إلى الأنسجة الهدف، وهل تحدث التأثيرات المطلوبة في تلك الأنسجة دون آثار جانبية ضارة.
مع ذلك فإن تلك الاختبارات ليست مثالية، إذ إن أكثر من 90% من الأدوية التي تجتاز الاختبارات الأولية على الحيوانات ينتهي بها الأمر إلى كونها غير آمنة أو غير فعالة في البشر، وفقًا لمراجعة أجريت عام 2019 نُشرت في مجلة (Translational Medicine Communications).
تهدف مجموعات البحث التي تعمل على تطوير بدائل للتجارب على الحيوانات إلى إيجاد نماذج مختلفة تتوصل إلى المعلومات ذاتها أو ما هو أفضل، نماذج تتوقع بدقة كيفية عمل الأدوية لدى البشر.
إحدى أكبر العقبات التي ستواجهها الشركات هي إقناع مطوري الأدوية بتبني طرق اختبار جديدة غير حيوانية، إذ سترغب الشركات في رؤية دليل على أن النماذج الأخرى تظهر أداءً مكافئًا أو متفوقًا على الاختبارات الحيوانية، ويجب طمأنتهم بأن إدارة الغذاء والدواء تُعنى بمدى قوة الاختبارات قبل أن تستثمر في التكنولوجيا الجديدة.
«أعتقد أن تلك الاختبارات ستحدث خلال العامين المقبلين تباعًا. مع ذلك، فإن استبدال الاختبارات على الحيوانات برقاقات الأعضاء ستحدث تدريجيًا، لأنه ينبغي التحقق من كفاءة كل تقنية جديدة، إضافةً إلى معرفة كيفية امتصاص القولون للدواء وهل يضر خلايا القلب مثلًا. على هذا، فإن التحقق من صحة استخدامها بوصفها بدائل للحيوانات سيتطلب تقييمًا واسع النطاق يشمل مئات الأجهزة تُنفذ باستخدام البروتوكولات ذاتها، وهو إنجاز سيتطلب من الوكالات التنظيمية وشركات الأدوية العمل معًا لتوحيد طرق التحقق ومعايير الأداء».
من البدائل الواعدة للاختبارات على الحيوانات: العضيات، وهي مجموعات ثلاثية الأبعاد من الخلايا المزروعة في المختبر تحاكي السمات البيولوجية الرئيسية للأعضاء كاملة الحجم. هذه العضيات المشتقة من الخلايا الجذعية التي تنمو على سقالات فيزيائية، مفيدة خاصةً لمراقبة الاستجابة الدوائية على مستوى الخلايا والأنسجة، وتقييم مدى ارتباط الأدوية بأهدافها الجزيئية.
أضاف غوبتا أنه يوجد أيضًا جسيمات كروية وهي تجمعات خلوية ثلاثية الأبعاد أبسط من الخلايا التي تُستخدم غالبًا في نمذجة الأورام السرطانية. يعمل غوبتا الذي يدرس سرطان الرئة على الكريات هذه، المأخوذة من مزارع الخلايا الأولية «مجموعات خلوية مأخوذة من مرضى بشريين مباشرةً لا يمكنها الانقسام إلا مرات محدودة، على النقيض مما يسمى بسلالات الخلايا الخالدة التي تنقسم إلى ما لا نهاية».
أوضح غوبتا أنه رغم صعوبة الحصول على هذه الخلايا فإنها تعكس بصورة أفضل ما يحدث في جسم مريض بشري.
إضافةً إلى هذه النماذج الخلوية، أوجد العلماء نماذج حاسوبية لتقييم سُمّية الدواء، إذ يوجد نموذج موصوف في تقرير عام 2018 في مجلة (Frontiers in Physiology)، يتوقع أن دواء معينًا له تأثيرات سامة في القلب.
«نظرًا إلى أن النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي أصبحت أقوى مع إدخال مزيد من البيانات، أعتقد أنها قادرة على تقديم توقع دقيق إلى حد ما، لأن إتقان هذه النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي سيكون ضروريًا للتخلص من الاختبارات التي تجرى على الحيوانات في المراحل المبكرة التي تقيّم كيفية استقلاب الأدوية في الجسم وتفاعلها مع الأنسجة المختلفة».
نظرًا إلى تنامي استثمار مطوري الأدوية في رقاقات الأعضاء والنماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي وإتقانها، فقد تتقلص الحاجة إلى الدراسات على الحيوانات تدريجيًا.
حتى الآن ليس من الواضح كيف يمكن للتقنيات الجديدة أن تسهم في إنهاء الاختبارات على الحيوانات، بدلًا من مجرد تقليلها أو تحسينها. مع أن هذه الاختبارات لن تختفي بين عشية وضحاها، فهي تجارب ضرورية نشأت لأسباب وجيهة، لكننا نؤمن بإيجاد حلول أفضل في المستقبل.
اقرأ أيضًا:
إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قلقة بشأن مختبر نيورالينك للتجارب على الحيوانات
إدارة الغذاء والدواء الأميركية ترفض طلب نيورالينك إجراء تجارب على البشر
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: ريمي سليمان