بات من الصعب أن نتذكر الوقت الذي لم تسيطر فيه أزمة تكاليف المعيشة على عناوين الأخبار، يود معظمنا زوالها حتمًا، لكن السؤال الجوهري الذي يشير إلى مشكلة يتعين حلها، وقد يبدو بسيطًا: على أي أساس تُحدد الأسعار التي ندفعها؟

تُعد تكلفة إنتاج السلع والخدمات من العوامل الأساسية في تحديد المبلغ الذي ندفعه مقابلها، إضافةً إلى ما نحن مستعدين لدفعه. لكن عندما يتعلق الأمر بخفض الأسعار، فلا بد أن نتطرق إلى المنافسة، أي وجود عدة شركات تتنافس لتقديم المنتج أو الخدمة ذاتها للمستهلكين.

لتسعير المنتجات بكفاءة، يجب على الجهات الحكومية التدخل لجعل السوق أكثر عدالة. لكن كيف يؤدي وجود المزيد من البائعين إلى انخفاض الأسعار؟ وهل تستطيع الشركات التحايل على الأمر؟

بائعون أكثر وأسعار أقل:

في نظام السوق الحرة، توجد أنماط مختلفة من المنافسة. في السوق المثالية أي التنافسية بالكامل، يجب على الشركات استخدام الموارد بكفاءة لإنتاج ما يطلبه المستهلك بأقل تكلفة ممكنة.

تتسم المنافسة النموذجية بما يلي:

  •  المنتجات والخدمات المتداولة متطابقة (أو متشابهة للغاية).
  •  وجود العديد من المشترين والبائعين.
  •  المعلومات مُتاحة للجميع.
  •  يمكن للشركات دخول السوق والخروج منه بحرية.

الشركات التي تفرض أسعارًا أعلى بكثير من الحد الأدنى للتكلفة لن تبيع أيًا من السلع أو الخدمات وسينتهي بها الأمر خارج السوق، لأن منافسيها يستطيعون الاستحواذ على العملاء بطرح أسعار أقل مقابل الخدمة ذاتها.

وحدها الشركات منخفضة التكاليف ستبقى لتتنافس على تخفيض الأسعار، إذ تغطي أقل تكلفة لتوريد السلعة أو الخدمة، إضافةً إلى تحصيل «عائد رأس المال» المتوسط أو الطبيعي. على مستوى أعلى، يمكن التفكير في هذا العائد بأنه مكافأة نقدية تحصلّها الشركة لاستثمارها المدخلات وتحمُّل مخاطر العمل.

في حال كانت الصناعة تحقق عوائد أعلى من المتوسط بالنسبة إلى مستوى المخاطر، فإن هذا يتيح لشركات جديدة دخول المنافسة وطرح أسعار أقل، مقابل تحقيق العائدات العادية. بالمقابل، تُؤدي الأرباح الأقل من المعتاد إلى خروج الشركات من المنافسة، ما يؤدي إلى تقليل العرض، ومن ثم زيادة الأسعار.

هذا النمط من السوق «التنافسية كليًا» موجود بالفعل، مثل سوق العمالة المؤقتة، والمنتجات الزراعية مثل الحبوب والفواكه والماشية، والأسواق المالية وأسواق العملات. لكن بالمقابل، توجد أمثلة لأسواق أخرى أقل تنافسية.

الفائز يربح كل شيء «الاحتكار»:

في الأسواق الاحتكارية يوجد بائع واحد لسلعة أو خدمة ما، مع وجود عوائق أمام الشركات الجديدة تمنعها من دخول السوق ومحاولة خفض الأسعار. على هذا، في غياب التنظيم الحكومي، تخفض الشركات المحتكرة العرض وتزيد الأسعار فتحقق مستويات ربح أعلى من المعتاد.

لكن في بعض الأحيان يوجد الاحتكار بصورة طبيعية، لأن وجود جهة واحدة لتقديم خدمة ما يزيد من كفاءتها، مثل خدمة البريد، وخطوط السكك الحديدية، والبنية التحتية للإنترنت. عادةً ما تنظم الحكومات الاحتكارات أو تمتلكها سعيًا لتحقيق التوازن.

المنافسة الاحتكارية:

الأمر الأكثر شيوعًا من الاحتكار هو المنافسة الاحتكارية، وهي نموذج يتضمن عددًا من سلع التكنولوجيا وخدماتها والترفيه والطعام.

في المنافسة الاحتكارية، تحاول الشركات تقديم عروض مميزة بالاستثمار في البحث والتطوير والإعلان، وبهذا لا تقتصر المنافسة على السعر وحده.

مثلًا جهاز آيفون من آبل مقابل جهاز سامسونج جالاكسي، كل منهما له سوق متفردة، مع أنهما –عمليًا- يقدمان المنتج ذاته تقريبًا. يتيح هذا التميز للشركات التسعير بأكثر من الحد الأدنى للتكلفة، ومن ثم تحقيق عائد أعلى من المعتاد. على الأقل حتى دخول شركات جديدة وتقليد هذه المنتجات، فيزداد العرض وتنخفض الأسعار -من ثم العائدات- إلى المستويات المعتادة.

القليل من اللاعبين الكبار يتحكمون في السوق «القلة الاحتكارية»:

في أستراليا مثلًا، يُتداول العديد من السلع والخدمات الرئيسية في أسواق القلة الاحتكارية. تنشأ القلة الاحتكارية عندما يسيطر عدد قليل من الشركات الكبرى على صناعة محددة، مثل الأسواق الكبرى «السوبرماركت»، وشركات الطيران المحلية، والخدمات المصرفية، وشركات الاتصالات ومحطات الوقود.

بعض أسواق القلة الاحتكارية تنافسية جدًا وتؤدى إلى انخفاض الأسعار إلى ما يقارب حد التكلفة، إضافةً إلى العوائد العادية على رأس المال. لكن في الأسواق الأخرى الأكثر تركزًا، التي تتضمن عددًا قليلًا من الشركات القوية، تتمتع الشركات بقوة سوقية كبيرة تمكنها من الحفاظ على الأسعار أعلى من مستوى المنافسة.

ليس من غير القانوني امتلاك القوة السوقية، ولكن تبعًا لقانون المنافسة والمستهلك الأسترالي لعام 2010، فإنه من غير القانوني امتلاك القوة السوقية بهدف تقليل المنافسة بدرجة كبيرة. ومن غير القانوني أيضًا اتفاق الشركات معًا لضبط الأسعار، ما يُسمى التواطؤ. ولا يجوز للشركات إجبار الموردين على التعامل معهم حصرًا، أو تحديد أسعار أقل من التكلفة عند محاولة الشركات الجديدة دخول الأسواق.

مع هذا، استطاعت بعض الشركات التحايل على القانون لتقليل المنافسة خفية. مثلًا، تبدو برامج الولاء، وتخفيضات الأسعار مفيدة للمستهلكين، لكنها في الحقيقة تزيد تكلفة التحول إلى الشركة الأقل سعرًا.

إذن، هل نحصل على صفقات جيدة؟

ربما يُلاحظ أن أسعار العديد من السلع والخدمات متقاربة جدًا رغم اختلاف الشركات. فهل تنخفض الأسعار بسبب المنافسة؟ أم أن الشركات تجيد استخدام قوتها السوقية لتقلل المنافسة؟ وما الحل لو كانت الشركات تستخدم طرقًا قانونية لتقلل المنافسة؟

هذه بعض الأسئلة التي تواجهها الحكومات والجهات المسؤولة عن الصناعة في الوقت الحالي.

اقرأ أيضًا:

هل حان الوقت لإعادة التفكير في سن التقاعد؟

المرونة والاستدامة وأهميتهما في صناعة السياسات البيئية

ترجمة: ريتا عمر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر