من الميكروبات المفترسة إلى المعادن السامة، تمثل الطبيعة مصدرًا ملهمًا لإيجاد وسائل جديدة لعلاج الالتهابات

 

مرت أكثر من ثمانية عقود منذ اكتشاف ألكسندر فليمنغ (Alexander Fleming)، الفطر المنتج للبنسلين -الاختراق العلمي الذي ولّد في نهاية المطاف صناعة المضادات الحيويّة والتي تقدر اليوم بمليارات الدولارات. يدرس الباحثون الآن سبلًا أخرى جديدة متواجدة في الطبيعة لمكافحة العدوى.

بعض المضادات الحيويّة الجديدة في قيد التطوير، ولكن الإفراط في استخدام المتوفر منها حاليًا خلق سلالات من البكتيريا شديدة المقاومة لها. يقول ستيفن بيكر (Stephen Baker)، رئيس الكيمياء الطبية لمضادات الجراثيم في شركة جلاكسو سميث كلاين في كوليدجفيل، ولاية بنسلفانيا “نحن بحاجة إلى تغيير ما هو موجود لدينا والبحث عن بدائل جديدة”.

سيتحدث بيكر عن بعض البدائل للمضادات الحيويّة في 2 يونيو في الإجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الأحياء المِجهرية في نيو أورليانز، لويزيانا. وهنا سنقوم بإستعراض بعض الطرق العلاجية التي يستكشفها العلماء حاليًّا.

البكتيريا المفترسة

بعض الأنواع من هذه البكتيريا تسبب العدوى، ولكن يمكن للبعض الآخر محاربتها. العديد من الباحثين بدؤوا في اختبار هذه البكتيريا المفترسة في النماذج الحيوانية ومزارع الخلايا.

أفضل الأنواع وأشهرها هي تلك البكتيريا المعروفة بـ (Bdellovibrio bacteriovorus) والتي تتواجد في التربة. فهي تهاجم الفريسة عن طريق دمج نفسها بين أغشية الخلايا الداخلية والخارجية للمضيف، وتبدأ من بعدها في النمو بشكل خيطي، والتضاعف باستمرار. يقول دانيال قدوري (Daniel Kadouri)، المتخصص في علم البكتيريولوجي من جامعة روتجرز في نيوآرك بولاية نيو جيرسي: «إنه كالذهاب إلى المطعم، حيث تقفل الباب من ورائك وتبدأ من بعدها في التهام الطعام»، وفي نهاية المطاف تنفجر البكتيريا المضيفة وتطلق المزيد من البكتيريا المفترسة إلى البيئة.

يدرس قدوري وغيرهم من الباحثين أيضًا الإمكانات العلاجية للبكتيريا المفترسة (Micavibrio aeruginosavorus). كما قام فريقٌ من العلماء بهندسة الأمعاء لبكتيريا (Escherichia coli)لإنتاج الببتيدات التي تقتل بكتيريا الـ (Pseudomonas aeruginosa) وهو الميكروب المسبّب للالتهاب الرئوي.

جذبت هذه البحوث الأولية انتباه وكالة المشاريع والبحوث المتقدمة لوزارة الدفاع الامريكية والتي قامت بتخصيص ما يقارب ال 16 مليون دولار كمنح بحثية لدراسة مجموعة البكتيريا المفترسة، والتي تهدف إلى معالجة الجنود الذين يصابون بالعدوى في ساحة المعركة.

الببتيدات المضادة للميكروبات

النباتات والحيوانات والفطريات كلها لديها أنظمة مناعية مختلفة إلى حدٍّ كبير، ولكن كلهم يشتركون في صنع الببتيدات -وهي عبارة عن بروتينات صغيرة تُدمّر البكتيريا. حيث يمكن للببتيدات المستخلصة من الكائنات الحية كالبرمائيات والزواحف، والتي هي ذات مقاومة قوية للعدوى في العادة، أن تسفر عن علاجات جديدة.

تم عزل الببتيدات ذات النشاط المضاد للجراثيم من الضفادع والتماسيح والكوبرا، وتبيّن أن بعضها كان فعالًا في مزارع الخلايا الظهارية وفي شفاء الجروح لدى الفئران. يمكن تعديل هذه الببتيدات لزيادة قوتها، والعديد منها ما يزال تحت التجارب الإكلينيكية. أحد هذه الأمثلة ببتيد يدعى (pexiganan)، المستخلص من جلد الضفدع، وهو الآن في المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية لعلاج قرحة القدم السكري.

ولكن تجميع هذه الجُزيئات يعد أمراً مكلفًا للغاية، ولذا فهي تمثل عقبةً أمام العلماء يجب التغلب عليها قبل إدخال هذه الأدوية الجديدة إلى السوق.

العاثيات البكتيرية

 

من بين جميع البدائل للمضادات الحيويّة، فإن العاثيات -وهي الفيروسات التي تهاجم البكتيريا- قد استخدمت لفترة زمنية طويلة في العيادات. حيث بدأ العلماء في الاتحاد السوفياتي السابق في تطوير المعالجة بالعاثيات في 1920، واستمرت الدول السوفيتية السابقة على هذا النهج.

لدى العاثيات الكثير من المزايا تفوق بها المضادات الحيويّة. فكل نوع يقوم بمهاجمة نوعٍ واحد فقط من البكتيريا، ولذلك فإن هذه العلاجات تترك البكتيريا غير الضارة (أو النافعة) سليمةً. ولأن العاثيات موجودة بوفرة في الطبيعة فإن الباحثين لديهم البدائل الجاهزة لأي سلالة علاجية غير فعالة بسبب تطور مقاومة البكتيريا لها.

يقول مزيا كوتاتيلادزي (Mzia Kutateladze)، الذي يرأس المجلس العلمي في المعهد إليافا في تبليسي، جورجيا أن المقاومة للمضادات الحيويّة تقود المرضى الغربيين إلى المعالجة بالعاثيات في عيادات أوروبا الشرقية. كما يعتبر المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية في بيثيسدا بولاية ميريلاند الآن العاثيات كأولوية البحوث لمعالجة أزمة المضادات الحيويّة. ومن المقرر أن تقوم مجموعة من المراكز الأوروبية بالتجارب الإكلينيكية لعلاج الالتهابات المرتبطة بالحروق عن طريق العاثيات هذا الصيف.

إنزيمات التحرير الجيني

تقوم تقنية كريسبر CRISPR للتحرير الجيني ـوالتي أثارت عاصفة في الأوساط العلمية العالميةـ باتخاذ نفس الاستراتجية المتبعة لأنواع عديدة من البكتيريا المتمثلة في قدرتها على تحصين نفسها ضد العاثيات. ويهدف الباحثون في استخدام هذه الطريقة العلاجية إلى قلب نظام الدفاع لدى البكتيريا على نفسه، بحيث تقوم البكتيريا بقتل نفسها.

تكشف البكتيريا في العادة الميكروبات المعتدية الاخرى مثل العاثيات فتقوم بتدميرها عن طريق توليد تسلسل قصير من الحمض النووي الريبي (RNA) الذي يطابق التسلسل الجيني الموجود في الجسم الغريب. وتقوم سلسلة الحمض النووي الريبي بتوجيه إنزيم Cas9 ليقطع الحمض النووي للأجسام الغريبة والمُعتدية فيقتلها.

يقوم العلماء الآن بتصميم تسلسل كريسبر والذي يستهدف الجينوم لأنواع محدّدة من البكتيريا، بينما بعضها يهدف لقتل التبديل في جينات البكتيريا التي تمنحها المقاومة للمضادات الحيويّة.

المعادن

a1

تعتبر المعادن مثل النحاس والفضة مِن أقدم المضادات للميكروبات. وتم تفضيلها من قبل أبقراط في القرن الرابع قبل الميلاد كعلاج للجروح، وكانت تستخدم حتى في وقت سابق من قبل ملوك الفرس القدماء لتطهير الماء والغذاء. ولكن الآن فقط بدأ الباحثون فهم آلية قتل البكتيريا عن طريق هذه المعادن.

يدرس بعض الباحثين استخدام الجسيمات النانوية المعدنية كعلاجات مضادة للميكروبات، ولكن القليل من الأبحاث تم إجرائها على البشر. وذلك لأن المعادن قد تتراكم في الجسم والتي يمكن أن تكون شديدة السمّية، ولذلك تم تقييد استخدامها إلى المراهم الموضعية لللإلتهابات الجلدية.

الإستثناء هو الغاليوم، والذي يعتبر سامًا للبكتيريا التي تخطئ في التعرف عليه وتعتقد بأنه معدن الحديد، ولكنه يعتبر آمنًا بما فيه الكفاية لاختباره على البشر كعلاج لإلتهابات الرئة. سيبدأ الباحثون في جامعة واشنطن في سياتل هذا الصيف المرحلة الثانية من التجارب الإكلينيكية للغاليوم في 120 مريضا يعانون من التليف الكيسي (cystic fibrosis). وجدت الدراسات التجريبية أن هذا المعدن كان ناجحًا إلى حدٍ ما في كسر الأغشية الحيويّة الميكروبية في الرئتين مما أدى لتحسين التنفس لدى هؤلاء المرضى.


 

المصدر