إن تطوير البرمجيات ذات المصدر المفتوح هي نموذج يوفّر الولوج المجاني لعامة الناس إلى حزم البيانات والرماز المصدري للبرمجيات. وبما أنه بإمكان المبرمجين المسهامة عبر تحسينات، إصلاح أخطاء، وتعديلات، فإن تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر يعطي ارتفاع لمجموعات الناشرين والمستخدمين الذي يصل عددهم للألاف في بعض الحزم البرمجية. وإن نظام تشغيل لينوكس Linux المجاني والمفتوح المصدر يُمَثِّل قصة نجاح بارزة للبرمجيات مفتوحة المصدر.

وكمثال أخر على تلك البرمجيات، نذكر بيئة “R” للحوسبة الإحصائية، والمدعومة من قِبَل مشروع “R” للحوسبة الإحصائية، والمتوفرة مجانًا عبر نظام “GNU” المفتوح المصدر وصاحب الرخصة العمومية. لقد تطورت “R” وأصبحت أداة لا تُقَدَّر بثمن للمهنيين في مجالات تحليل البيانات على امتداد العديد من الصناعات. فأصبحت مجموعة من الباحثين في النمسا مهتمة بالدوافع والقيم الأخلاقية الخاصة بمئات الأشخاص الذين يعطون وقتهم وطاقتهم بهذه المجانية لتحقيق تقدم في مشروع تكنولوجي كبير كهذا!. كما أنه وبسبب عدم وجود دراسات تجريبية معروفة قامت بالتحقيق بتلك العوامل النفسية، فقد قام الباحثون بتصميم دراسة لجمع البيانات من مجموعة كبيرة من مطوري “R”.

ويبدو من غير المنطقي، من وجهة النظر الاقتصادية، أن يعطي مطوِّرو البرمجيات مهاراتهم وجهودهم مجانًا. فقد افترض الناشرون (ناشرو هذه الدراسة) وجوب وجود مجموعات مختلفة من الحوافز والدوافع، لقيام عملية تطوير ناجح لبيئة برمجية ضخمة كهذه. فقاموا بإرسال استبيانات لـما يقارب 4300 مطوِّر حزم برمجية، وتَلَقَّوا حوالي 764 ردًا منهم.

بتحليل البيانات التي تم جمعها، توصّل الناشرون إلى أن الدوافع الهجينة والخصائص الاجتماعية هي المسؤولة بشكل واسع عن نجاح المشروع “R”. والدوافع الهجينة تُرجَع إلى دوافع داخلية وخارجية على حدٍ سواء، فمن بين مطوّري المشروع “R”، وُجِدَ أن الدوافع الداخلية البحتة كالرضى الشخصي، والدوافع الخارجية البحتة كاستلام التعويضات، كانت فعليًا ذات أهمية أقل.

إن خصائص تصميم العمل الاجتماعي لدى المشروع “R” هي محددات قوية للمساهمة. فإن تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر يوفّر درجات عالية من الاعتمادية الاجتماعية والنتائج المُرجَعة من الأقران، وبين الإيجادات السايكولوجية النفسية للدراسة، لاحظ الناشرون أن التفاعل مع أشخاص ذوي أهمية في هذا الوسط الاجتماعي قد ساهم في زيادة السُمعة الشخصية للمطوّر، وأن التفاعل مع أشخاص ذويي عقلية مشابهة لعقلية المطوّر قد ساهم في هذا الشمول الاجتماعي، حيث أن مشاركة المطوّرين بمشاريع تتيح لهم التعريف عن نفسهم ضمن أوساط هامة في هذا المجال هو عامل مهم جدًا، بالإضافة إلى شعورهم بالإنتماء، وزيادة احترامهم لنفسهم، كل ذلك يُنتِج دافع مُحَفّز قوي للمساهمة في المجموعة.

ومن الناحية الأخرى، فقد وجد الناشرون أن خصائص المهمات تؤثر سلبًا على تلك المشاركات، حيث أن المطوّرين تدفعهم تركيبة من الأسباب التي هي خارج المشروع وليست لها علاقة مباشرة به.

وختم الناشرون قائلين: ” إن النتائج التي توصلنا إليها هي هامة للمؤسسات والأفراد الذين يرغبون بمحاكاة نمو تطويرات الـ(R)، فعليهم تأمين بيئة عمل وحوافز موافقة ترعى كمية كبيرة من الاعتمادية الداخلية والردود المُرجَعة من الأخرين”. وأضافوا أن هذه النتائج هي غالبًا قابلة للتطبيق على منصات ترميز اجتماعية أخرى.