قياس كل الضوء في الكون منذ الانفجار العظيم – كم هي نسبة الضوء المنبعث من قبل جميع المجرات منذ أن بدأ الكون ؟ كل فوتون جسيم الضوء تقريباً، من الأشعة فوق البنفسجية إلى موجات الأشعة تحت الحمراء، المنبعثة من كل المجرات التي كانت موجودة من أي وقت مضى عبر التاريخ الكوني، ما زال يطوف بسرعة عبر الكون اليوم.

لو تمكنا من قياس عدد و طاقة (الطول الموجي) كل تلك الفوتونات – و ليس فقط في الوقت الحاضر بل أيضاً المنبعثة من الماضي – حينها قد نعلم أسرار مهمة حول طبيعة تطور الكون، بما في ذلك مقارنة الإختلافات و التشابهات بين المجرات القديمة و المجرات التي نراها اليوم .

هذا الحمام من الفوتونات القديمة و الشابة التي تملئ الكون اليوم بـ الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي. القياس الدقيق لهذا الإشعاع يعد أمر أساسي في علم الكونيات كما هو قياس الإشعاع الحراري الذي خلّفه الإنفجار الكبير (إشعاع الخلفية الميكروني الكوني).

في بحث علمي تم نشره في مجلة مختصة بالفيزياء الفلكية Astrophysical Journal و تحت عنوان “الكشف عن الأفق الكوني لأشعة جاما من متوهجات كونية متعددة الأطوال الموجية” لألبرتو دومينغيز و ستة من المؤلفين المشاركين، تم دراسة و توفير أفضل قياس لتطوّر الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي على مدى الـ ٥ مليار سنة الماضية. بناءً على قياسات تغطي موجات ذات طول من موجات الراديو الطويلة جداً حتى موجات جاما القصيرة و الهائلة الطاقة. المعلومات و القياسات تم الحصول عليها من العديد من المركبات الفضائية التابعة لوكالة ناسا و عدد من التلسكوبات الأرضية.

كما نعرف، الأرض داخل مجرة ساطعة جداً مع المليارات من النجوم و الغاز المتوهج. في الواقع، الأرض داخل نظام شمسي مشرق جداً: ضوء الشمس متناثر في كل الغبار الطائر و على محيط مدار الأرض، الشيء الذي يخلق ضوء فلكي يشع عبر الطيف البصري وصولاً الى الأشعة تحت الحمراء الطويلة الموجة. و لذلك لم تنجح التلسكوبات الأرضية و الفضائية بتقديم قياس موثوق عن الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي بصورة مباشرة.
لذلك، طوّر بعض علماء الفيزياء الفلكية طريقة رائعة لتجاوز العقبة، و ذلك عن طريق قياس الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي بصورة غير مباشرة من خلال قياس إضمحلال أشعة جاما من المتوهجات البعيدة أو البلازارات. البلازار هو نجم زائف متوهج يعتقد أنه ينتمي إلى ثقب أسود و موجودان في نواة مجرة إهليجية هائلة نشطة، كذلك تعتبر نجوم البلازار من أشد الأجرام السماوية إصداراً للطاقة و الأشعة في الكون.
عندما يصطدم فوتون جاما عالي الطاقة من متوهّج ما مع فوتون من الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي ذات طاقة أضعف يبيد واحدهم الآخر و ينتجان جزيئات مختلفة على حد سواء: الألكترون وجسيم مضاد له، بوزيترون. و هكذا، فقياس أشعة جاما، من مستويات طاقة مختلفة، و نسبة ضعفها من المتوهجات و على مسافات مختلفة من الأرض، يعطينا بشكل غير مباشر قياس عدد الفوتونات من الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي من أطوال موجية مختلفة موجودة على طول خط البصر من البلازار إلى الأرض .

الخبر الجديد هو أن نشأة و تطوّر الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي لمدى ٥ مليار سنة تم قياسه لأول مرة. إضافة إلى ذلك، نسبة طيف إمتصاص و إضمحلال طاقة أشعة جاما من متوهجات أبعد يظهر لنا الكثير من المعلومات عن هيئة و فيزياء الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي في الماضي.
نتائج البحث تؤكد أن أحدث أنواع المجرات هي المسؤولة عن معظم الإشعاع الخلفي الفوق مجرّي، و علاوة على ذلك، فإنه يضع نسبة قياسية على المساهمات الممكنة من العديد من المجرات البعيدة جداً و التي لم تدرج في نطاق الدراسات الإستقصائية المجرية، أو على المساهمات الممكنة من مصادر إضافية إفتراضية (مثل الإضمحلال الإفتراضي لجسيمات فيزيائية غير معروفة بعد).

ترجمة: سيف البصري – Saif Al Basri

المصدر: Science daily