بعد الأحداث الدامية التي عصفت بالعديد من بلدان الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، برزت مشكلة اللجوء.

تعددت أسبابها، واختلفت ظروفها و حتى نتائجها، لكننا في هذه المقالة، سوف نلقي الضوء على الهجرة أو اللجوء الى دول الاتحاد الأوروبي و ما لذلك من تبعات و تأثيرات على الدول المستضيفة.

تبعات اختلف المحللون على تحديدها، و ها نحن اليوم نلقي الضوء الجانب الاقتصادي منها لنبادر بالسؤال : هل هذه فرصة أوروبا الذهبية ؟!

هذا ما تقوله الصحفية كيث بروكتر من مجلة فورتشين في مقالها الجديد تحت عنوان ” المهاجرون السوريون هم فرصة ذهبية لأوروبا “.

و تبدأ حديثها فتقول : إن أزمة اللاجئيين الحالية في أوروبا ضئيلة بالمقارنة مع ما واجهه الشرق الأوسط لسنوات.

و مع ذلك فإن الدول الأوروبية لديها الفرصة لتحويل تلك المأساة إلي فرصة.

فقط إذا كان لديهم الرؤية الصحيحة لفعل ذلك.

الكثيرون لاذوا بالفرار الى ألمانيا على الأقل في الوقت الراهن.

خلال عطلة نهاية الأسبوع, أغلقت الحكومة الألمانية حدودها.

مما دفع اللاجئين للعودة إلي الوراء و إمتلأت القطارات النمساوية بالألاف من الباحثين عن اللجوء.

سياسة الباب المفتوح لأكبر إقتصاد في أوروبا له حدود, فأكثر من 13.000 لاجئ تدفق إلي ميونخ يوم السبت فقط.

( نشرت مقالة كيث بروكتر بالإنجليزية على موقع فورتشين يوم 15 سبتمبر 2015 )

نظام الطوارئ  من قبل الحكومة الألمانية كان مجرد خطوة مؤقتة, وفقاً لوزير الداخلية الألماني توماس دي ميتسيره.

جاءت هذا الإجراء  للتعامل مع تدفق اللاجئيين بطريقة أكثر تنظيماً.

مع ذلك, جاء التعطيل المثير لمنطقة الشنغن التي لا تعترف بحدود, و التي تسمح لحرية الحركة بدون جواز سفر ما بين 26 دولة أوروبية.

عدوى القرار الألماني انتقلت لدول أخرى، فقد إتبعت النمسا و سلوفاكيا و هولندا ما قامت به ألمانيا.

و زادت عليهم المجر وجمهورية التشيك في رقابتهم للحدود, و فرنسا و بولندا و السويد يقومون الأن بدراسة خطوات مماثلة.

بعد أكثر من 25 عام على سقوط الستار الحديدي، يبدو أن ذلك الستار سيظهر من جديد للحد من تلك المشكلة.

تقول كيث إنه لم يكن من المقدر أن تصبح الامور على هذا الحال.

فألمانيا كانت تتوقع أن ترحب بــ 800.000 لاجئ علي أرضها هذا العام خاصة وأن  الكثير من الأراضي السورية قد دمرتها الحرب, و أن ترحب ألمانيا بهذا العدد يجعلها في موقع الصدراة بين الدول الغربية المتقدمة.

علي النقيض, تعهدت إدارة الرئيس أوباما بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بتوطين 10.000 طالب لجوء من السوريين فقط.

علي الأقل وفي نهاية المطاف،  تلك  العملية  أي ” التوطين ” ستستغرق سنوات وليس أيام نظراً لتاريخ تلك الدول الصارم و متطلباتها الأمنية للمهاجرين و طالبي اللجوء, فالذعر الذي يجتاح الإتحاد الأوروبي يدفعه للتسريع من أجل الوصول إلي خطة و ذلك بعد فشل اجتماع لوزاراء الداخلية في بروكسل يوم الإثنين السابق.

تقدم أزمة اللاجئئين إختبار حقيقي لفكرة أوروبا المتكاملة.

مع ذلك, فالمقياس الحقيقي لهذه الأزمة قد تم وضعه من وجهة نظر الفقراء.

فقد إضطرت الدول الشرق أوسطية ذات الامكانيات القليلة على استيعاب اللاجئيين السوريين دون ضجيج، باستثناء دول الخليج العربي.

من بين الـ 4 ملايين من السوريين الذين فروا من بلادهم منذ بدء الحرب الأهلية عام 2011, تزدحم الأردن و لبنان و تركيا بالغالبية العظمى منهم.

فالأردن تستضيف أكثر من 600.000 لاجئ، ففرضوا ضرائب علي سوق الإسكان و بدأت الدولة تعاني تراجعًا سريعًا في مواردها المائية.

و ارتفع عدد اللاجئيين بتركيا إلي ما يقارب المليونين هذا العام.

الأسوأ حالاً ربما, هو لبنان الذي بات عدد اللاجئيين فيه 1.1 مليون شخص يضاف اليهم 400.000 طلب لجوء من الفلسطينيين.

فنستطيع أن نقول أن 1 من كل أربعة أشخاص تقريباً في لبنان يتبر لاجئاً.

جيران سوريا يفتقرون إلي الإمكانات المالية اللازمة  للتعامل مع هذا العبء.

فعدد سكان الأردن و لبنان و تركيا مجتمعين يبلغ 86 مليون نسمة, و الناتج المحلي يبلغ ما يقرب من 900 مليار دولار مقارنة بالإتحاد الأوروبي الذي يعيش فيه نصف مليارشخص و يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 18.4 تريليون دولار.

ربما جيران سوريا يمكنهم استيعاب هذا الكم الضخم من المهاجرين، وها هم يقدمون لهم المساعدات المناسبة.

لكن تدفقات المساعدات الإنسانية إلى المنطقة من الشرق والغرب غير كافٍ.

فوفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئيين,  الإحتياجات الإنسانية للنازحين السوريين في المنطقة قد زادت إلي 4.5 مليار دولار هذا العام. و قد تعهد المانحون الدوليون بــ 37% فقط من هذا المبلغ أي 1.665 مليار دولار.

لا عجب. يقول بعض النقاد أن اللاجئيين السوريين يهجرون المعسكرات للبحث عن حياة أفضل في أوروبا الغنية.

بالطبع لأوروبا أسبابها التي تدفعها للتردد باستقبالهم.

على سبيل المثال عدم القدرة علي التعامل مع الآلاف من طالبي اللجوء بالإضافة للمخاوف الأمنية لاسيما في أعقاب الهجمات الإرهابية التي حدثت في باريس و كوبنهاجن في وقت سابق من هذا العام.

وبعض المعارضة ذات النكهة القومية و الثقافية في جمهورية التشيك و بولندا و سلوفاكيا، و توافد الألاف من المتظاهرين و ترديدهم لشعارات معادية للإسلام و رفع لافتات مكتوب عليها ” إذهبوا إلي أوطانكم ” زاد الطين بلة.

فرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عارض قبول اللاجئيين المسلمين علي أسس دينية و ثقافية , و ذلك نظراً لإحتلال بلاده من قبل الإمبراطورية العثمانية في القرنين الــ 16 و الــ 17.

و بالمثل قامت سلوفكيا بإعلان إنها تقبل اللاجئيين السوريين المسيحين فقط.

وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأوروبية، عدم القدرة على اتفاق لصياغة استجابة شاملة لتدفق اللاجئيين أطلق صدى دينامية أزمة الديون الأوروبية، التي إتخذت المصالح الوطنية فيها الأسبقية على الإهتمامات الاقتصادية والاجتماعية.

و لكن في ظل هذه الظروف الحالية، تم البحث على فرص تتيح لللاجئيين أن يتجهوا إلي أوروبا من خلال القطارات و الشاحنات,  مفتشين بين اللاجئيين السوريين علي بقايا  الطبقة الوسطى التي تمتلك مؤهلات يمكن الاستفادة منها : الأطباء, المهندسيين, والمعلمين الفاريين من الموت رصاصًا، ذبحًا او قصفًا بالبراميل.

تلك البقايا قد تجلب الحيوية و الفرصة للقارة العجوز التي تعاني من الشيخوخة  و هي في أمس الحاجة اليهم.

وفقا للمفوضية الأوروبية، تواجه أوروبا تحديات خطيرة من الناحية الإقتصادية و الإجتماعية.

فبحلول عام 2025 سيصل خمس الأوروبيين إلي سن 65 عام.

مما يضع ضغطاً كبيراً على الخدمات الإجتماعية و الرعاية الصحية في ظل النقص الكبير الذي سيسببه ذلك بعديد اليد العاملة.

هنا يمكن لدمج المهاجرين الشباب أن يعطي دفعة ديموغرافية تحتاجها  أوروبا  وبشدة, على عكس الأردن و تركيا أو لبنان, فأوروبا لديها من الموارد ما يمكنها من دمج المهاجريين كما جاء على لسان “بيير موسكوفيتشي” المفوض الأوروبي للشئون الإقتصادية و المالية,  أوروبا لا يجب أن تنظر إلي أزمة المهاجريين الحالية من حيث التكلفة الآنية, إنما من حيث الفرص المستقبلية التي تخلقها.

و يستكمل بيير حديثه فيقول :

” هؤلاء يُعدوا من الموارد البشرية. و قال أيضاً أن بلادهم في حاجة إلي الهجرة . فلا يجب أن يُنظر إلي الإقتصاد بطريقة سلبية كما يفعل الشعبويين”

وفقاً لصفحة فاينانشيال تايمز, فولفغانغ شويبله وزير المالية الألماني, يأخذ وجهة النظر الأتية :” التكاليف قصيرة الأمد قابلة للإدارة.

في حين أن الفوائد على المدى الطويل يمكن أن تكون كبيرة.

المهاجرون, عموماً, نعمة لأسواق العمل.

و علاوة علي ذلك، فهم يدفعون للدولة أكثر مما يأخذون من خدمات, وفقاً لمواد بحثية مستقلة أجرتها منظمة التعاون و التنمية و مركز الأبحاث الإقتصادية الأوروبية.

في النهاية تقول كيث بروكتر :” في ظل الإنتعاش الطفيف لاقتصاد منطقة اليورو و أزمة اللاجئيين الراهنة، قد يكون من الحيوي لمستقبل الإتحاد الأوروبي استقبال اللاجئين، فالبيانات هي علي الأقل داعمة،  لكن تيار الذعر الذي يهيمن على العديد من دول الإتحاد الأوروبي قد لا تكون تلك البيانات جيدة بما فيه الكفاية.”

صحيح أن أزمة اللاجئين قد تشكل مشكلة في الاتحاد الأوروبي، الا أنها يمكن ان تكون نعمة اذا تم التعاطي معها وفقًا لآلية علمية محددة.


مصدر 1 | مصدر 2 | مصدر 3