لقد مرت عدة شهور منذ رحيل ستيفن هوكينغ عن عالمنا، لكن الكتابات التي نُشرت بعد وفاة هذا العالم الفذّ ترينا أنه مازال لدى هوكينغ بعض الأشياء ليخبرنا بها.

بعد عدة أيام من نشر آخر ورقة أكاديمية بحثية لهوكينغ على الإنترنت؛ عاد هذا العالم لتصدر الأضواء، ولكن لسبب آخر، وهو تصوّر قاسٍ ومثير للجدل لمستقبل يهدد بفناء البشرية كما نعرفها الآن.

في مقتطفات من كتابه الأخير، وهو عبارة عن مقالات مجمّعة بعنوان “أجوبة مختصرة لأسئلة كبيرة”، والذي نُشر الأسبوع الماضي وأُعلن أنه آخر رسالة منه للعالم، يحذر هوكينغ من أن الهندسة الوراثية ستغير لا محالة من مسار التطور البشري.

يكتب هوكينغ في كتابه: «نحن ندخل الآن في مرحلة جديدة في ما يمكن تسميته “تطور ذاتي التصميم”، حيث يمكننا أن نغيّر أو نحسّن من حمضنا النووي، لدينا الآن خريطة للحمض النووي، ما يعني أننا قرأنا “كتاب الحياة”، لذا بإمكاننا أن نضع عليه بعض التعديلات».

في المراحل المبكرة من هذه القدرات الرهيبة- والتي مكنتها تقنيات التعديل الجيني مثل تقنية CRISPR- يقترح هوكينغ أن: «التغييرات الجينية يجب أن تكون محصورةً بإصلاح العيوب الجينية».

في المقابل، فإن العبث المطلق والشامل بفيزيولوجية الإنسان- مثل رفع مستوى الذكاء البشري- سيأخذ وقتًا وجهدًا أكبر ليتم التحكم به، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سيتم النظر إلى ترتيبات معقدة وكبيرة للجينات.

على الرغم من كل الحواجز التي يبنيها تطوّر العلم والتكنولوجيا، فإن هوكينغ يتنبأ بعالم يقسم فيه المجتمع بسبب قدرة البشر على تصميم أنفسهم ذاتيًّا بشكل لا مناص منه، وذلك بدلًا من أن توحده.

يكتب هوكينغ: «أنا واثق من أن البشر سيكتشفون خلال هذا القرن طريقةً لتعديل كل من الذكاء والغرائز؛ على سبيل المثال العداونيّة، يمكن أن يتم تمرير قوانين ضد التعديل الجيني على البشر. لكن بعض البشر لن يقاوموا إغراء تعديل الخصائص البشريّة، مثل حجم الذاكرة، ومقاومة الأمراض، وإطالة العمر».

قد يُظهر النخبة الذين يتلقون هذه التعزيزات الجينية- والذين وصفهم هوكينغ بـ “البشر الخارقين”- مسارًا تصادميًا مع البشر الطبيعيين، كما يقترح البروفيسور، وقد تكون المنافسة هي من يحدد من سيكون وصيًّا على الكوكب.

يقترح هوكينغ بقوله: «عندما يظهر البشر الخارقون، سيكون هناك مشاكل سياسيّة كبيرة مع البشر غير المحسّنين، والذين لن تكون لهم القدرة على المجاراة، من المحتمل أنهم سينفُقون، أو يصبحون غير مهمين. وسيصبح هناك سباق بين الكائنات المصممة ذاتيًا؛ تلك الكائنات التي تسعى لتحسين نفسها إلى نسبة غير محدودة».

بينما تبدو آراء هوكينغ حول هذا الموضوع تحذيريّة، فإن العلماء منذ سنوات يناقشون الإطار الأخلاقي لتقنية CRISPR، إذ عبّروا عن خوفهم من أن التعديل الجيني يمكن أن يؤدي إلى أشياء مثل “الأطفال المصممين”.

وسط هذا الفزع الأخلاقي، لا بد من الإشارة إلى أن بعض هذه المخاوف لها سوابق تاريخيّة. وليس كل تقدم يعني أننا نرمي بالعلم الأخلاقي وراء ظهورنا.

لكن على الأقل من وجهة نظر هوكينغ، فإن البشر الخارقين ليسوا أكبر تهديد يحيق بالبشريّة الآن.

وكما ناقش هوكينغ من قبل، فإن هذه السمعة المشكوك فيها تقع على عاتق الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء والذي يتمتع بقدرات خطيرة وأهداف لا تتوافق مع تلك التي يمتلكها البشر، أو يمكن أن يسبب نوعًا من الكوارث البيئية التي تنهي الحياة على الأرض قبل أن يتمكن البشر من النجاة بأنفسهم.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر