أثار رصد بوزون هيغز لأول مرة في عام 2012 كميةً كبيرةً من الإثارة، وهو أحد الاكتشافات الحاصلة على جائزة نوبل للفيزياء في عام 2013.

توافق الجسيم مع ما يسمى النموذج القياسي؛ وهي أفضل نظرية موجودة لدينا حاليًا لدراسة وفهم العالم على مستوى الجسيمات.

يعتقد العلماء في مصادم الهدرونات الكبير (LHC) في مختبر سيرن أنهم ربما شاهدوا جُسَيمًا جديدًا تم اكتشافه عند ذروة طاقة معينة في البيانات، لكن لم يتم تأكيد النتائج بعد.

تعود الإثارة مجددًا إلى أوساط علماء فيزياء الجسيمات، ولكن هذه المرة تختلط الإثارة مع شعور بالقلق، لأنه وعلى عكس جسيم هيغز الذي أكد فهمنا الصحيح للواقع المادي؛ يبدو أن هذا الجسيم الجديد يهدده.

وقد نُشرت النتيجة الجديدة التي تشير إلى ارتفاع صغير وغامض في البيانات عند 28 غيغا إلكترون فولت (وحدة الطاقة) على موقع ArXiv. ولم تُنشر بعد في مجلة خاضعة للمراجعة العلمية ولكن هذا ليس أمرًا مهمًا.

تتسم التجارب في مصادم الهدرونات الكبير بإجراء مراجعة علمية داخلية صارمة جدًا، ويمكننا الوثوق بأن العلماء قاموا بالدراسة بشكل صحيح عندما أبلغوا عن أهمية الانحراف المعياري.

وهذا يعني أن احتمال الحصول على ذروة كهذه في البيانات عن طريق الصدفة بسبب بعض الأخطاء تبلغ 0.0013% فقط.

وتعتبر نسبة 13 في المليون نسبةً صغيرةً جدًا لذا يبدو أنه يجب أن يكون حدثًا حقيقيًا وليس مجرد أخطاء عشوائية. لكن لم يفلح أحد بالعثور على النتائج النهائية بعد.

علامَ تدل البيانات؟

تجد العديد من تجارب مصادم الهدرونات الكبير والتي يتم خلالها صدم حزم البروتونات (جسيمات في نواة الذرة) معًا أدلةً على وجود جسيمات جديدة وغريبة من خلال النظر في التراكب غير المعتاد للجسيمات المعروفة مثل الفوتونات (جسيمات الضوء) أو الإلكترونات.

غالبًا ما تكون الجسيمات الثقيلة وغير المرئية مثل جسيمات هيغز غير مستقرة وتميل إلى الانقسام إلى جزيئات خفيفة وسهلة الاكتشاف.

وبالتالي يمكننا البحث عن هذه الجسيمات في بيانات التجارب لتحديد ما إذا كانت ناتجةً عن انقسام الجسيمات الكبيرة. وقد وجد مصادم الهدرونات الكبير مسبقًا العديد من الجسيمات الجديدة من خلال هذه التقنيات، وقد تم تطبيق نظرية النموذج القياسي عليها.

ظهرت النتيجة الجديدة لتجربة استُخدم فيها كاشف الملف اللولبي المركب للميون (CMS) والتي سجلت وجود عدد من أزواج الميون (وهي جسيمات معروفة وسهلة الكشف تشبه الإلكترونات لكنها أثقل).

حللوا طاقة تلك الجسيمات واتجاهاتها ثم سألوا إن كان هذا الزوج قد أتى من تحلل جزيء واحد فكم ستكون كتلة ذلك الجزيء الأساسي؟

تأتي أزواج الميونات في أغلب الأحيان من مصادر مختلفة. وكانت النتيجة أنّ أزواج الميون كانت قادمةً من انقسام جزيئين مختلفين بدلًا من انقسام جسيم واحد.

إذا ﺣﺎولنا ﺣﺴﺎب كتلة الجسيمات الأصلية ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هذه اﻟﺤﺎﻻت ﻓﺈﻧﻬﺎ تتوزع ﻋﻠﻰ نطاق واسع من اﻟﻄﺎقة ﺑﺪلًا ﻣﻦ تكوين ذروة مركزة ﻋﻨﺪ 28 غيغا إلكترون فولت (أو أية طﺎﻗﺔ أﺧﺮى) ظهرت في اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت. لكن في هذه الحالة يبدو بشكل مؤكد وجود الذروة.

هل هذه هي ذروة حقيقية أم أنها مجرد تقلب إحصائي بسبب الانحراف العشوائي للنقاط الخلفية (النقاط المتقطعة)؟

إذا كانت الذروة حقيقيةً فهذا يعني أن عددًا قليلًا من أزواج الميونات قد أتت بالفعل من جزيء كبير كان ينقسم عن طريق قذف الميونات، ولكن لم يتم مشاهدة أي جسيمات بقوة 28 غيغا إلكترون فولت من قبل.

لذا فإن الأمر يبدو مثيرًا للفضول لكن التاريخ علمنا الحذر. إن الآثار التي ظهرت على هذا المستوى الصغير في الماضي كانت تختفي بمجرد أخذ المزيد من البيانات.

يعد شذوذ (Digamma 750) مثالًا حديثًا من سلسلة طويلة من الإنذارات الخاطئة والاكتشافات الزائفة بسبب خلل في المعدات أو تحليلات حماسية بشكل زائد أو مجرد سوء حظ.

ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى شيء يسمى (البحث عن التأثير في مكان آخر)، على الرغم من أن احتمال تسبب الأخطاء العشوائية بالذروة- إذا تم النظر تحديدًا إلى قيمة 28 غيغا إلكترون فولت- قد تكون 13 في المليون، فإن مثل هذه الأخطاء يمكن أن تعطي ذروةً في مكان آخر في البيانات، ربما عند 29 غيغا إلكترون فولت أو عند 16 غيغا إلكترون فولت.

إن احتمالات أن يكون ذلك نتيجةً للمصادفة صغيرة جدًا عند النظر بدقة، ولكن مجموع هذه الاحتمالات الصغيرة ليس صغيرًا جدًا (على الرغم من أنها لا تزال صغيرة). هذا يعني أنه ليس من المستحيل أن يتم إنشاء ذروة في البيانات نتيجة أخطاء عشوائية.

وهناك بعض الجوانب المحيرة مثل ظهور الذروة في تجربة واحدة من تجارب مصادم الهدرونات الكبير وعدم ظهورها في تجارب أخرى عندما تضاعفت الطاقة.
يتوقع أي شخص ازدياد الظواهر الجديدة عند زيادة الطاقة في التجارب. قد توجد أسباب لعدم ظهور تلك الذروة مجددًا ولكن حتى الآن هو حدث غير مفهوم.

واقع فيزيائي جديد؟

مثلما يقضي الفيزيائيون الذين يدرسون الجسيمات وقتهم في البحث عن جسيمات جديدة، يمضي واضعو النظريات وقتهم في التفكير في جسيمات جديدة يكون من المنطقي البحث عنها: مثل الجسيمات التي تملأ الأجزاء المفقودة من النموذج القياسي أو التي تشرح المادة المظلمة (نوع من المادة غير المرئية)، أو كليهما. لكن لم يقترح أي أحد شيئًا كهذا مسبقًا.

يقترح المنظرون على سبيل المثال أنه يمكننا أن نجد جسيمات أخف من جسيمات هيغز.

ولكن مثل هذه الجسيمات لا يمكن أن تنقسم إلى ميونات. كما تمت دراسة البوزون Z الخفيف أو الفوتون الثقيل، ولكن بما أنها تتفاعل مع الإلكترونات هذا يعني أنه من المحتمل أن نكون قد اكتشفناها مسبقًا لأنه من السهل اكتشاف الإلكترونات.

الجسيمات الجديدة المحتمل وجودها لا تتطابق خصائصها مع خصائص أي من تلك الجسيمات المقترحة.

إذا كانت هذه الجسيمات موجودة بالفعل فهي ستكون خارج النموذج القياسي بطريقة لم يتنبأ بها أحد من قبل. وكما مهدت الجاذبية النيوتونية الطريق لنسبية أينشتاين العامة؛ سيتم استبدال النموذج القياسي بنفس الطريقة، لكن البديل لن يكون أيًا من النظريات التي تم اقتراحها مسبقًا لتوسيع النموذج القياسي: مثل نظريات التناظر الفائق، الأبعاد الإضافية، ونظريات التوحيد الكبرى.

تقترح كل هذه النظريات وجود جسيمات جديدة، ولكن لا يحتوي أي منها على خصائص مثل التي رأيناها في التجربة. لا بد أن تكون تلك الجسيمات شيئًا غريبًا إلى الحد الذي لم يتوقعه أحد حتى الآن.

لحسن الحظ يحتوي مختبر مصادم الهدرونات الكبير الآخر أطلس (ATLAS) على بيانات مماثلة من خلال تجاربهم. لا يزال الفريق يحللها، وسوف يقدم تقريرًا في الوقت المناسب.

يعزي بعض المتشائمين النتيجة إلى بعض التقلبات الإحصائية. ولكن ربما سنشاهد شيئًا جديدًا. وحينئذ ستصبح حياة العلماء وأصحاب النظريات مليئةً بالنشاط ومثيرةً للاهتمام.


  • ترجمة: حبيب بدران
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر