تقلل الطريقة التي نقيس بها حاليًا الأمن الغذائي من المقياس الخطير للجوع العالمي.

تقترح دراسة جديدة أننا إذا أردنا وضع نهايةٍ لسوء التغذية بحلول عام 2030، وهو أحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فنحن بحاجة إلى النظر بنهجٍ أكثر شمولية لأنظمة الغذاء.

قالت هانا ريتشي المؤلفة الأساسية للدراسة والمختصة بسوء التغذية وأنظمة التغذية المستدامة في جامعة إدنبره: «هناك قضيتان رئيسيتان حول الطريقة التي نتحدث بها عن أنظمة التغذية، القضية الأولى هي أننا نركز في قياسنا للأمن الغذائي على معايير مثل الطاقة، في حين أن سوء التغذية المتعلق بالمغذيات الدقيقة (الجوع المقنّع) يؤثر على حياة ملياري شخص حول العالم، القضية الثانية هي أن مظاهر الأمن الغذائي تقدّر بالأطنان أو الكيلوجرامات، ومن الصعب جدًا وضع هذا الرقم في سياق عدد الناس الذين يمكن أن يتغذوا منه».

هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تقيس بشكلٍ كميٍّ كيفية صنع السعرات والبروتينات والدهون والحوامض الأمينية الأساسية والمغذيات الدقيقة طريقها نحو السلسلة الغذائية ومنها إلى أطباق طعامنا.

بجمع البيانات حول التوازن الغذائي وتكوين المغذيات وهدر الطعام من منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، قام مؤلفو الدراسة بتحويل جميع القياسات إلى متوسط الشخص في اليوم الواحد وذلك من أجل المقارنة.

تُظهر النتائج بشكل واضح أننا ننتج بشكلٍ جماعي أكثر مما يجب من الطاقة والبروتينات والمغذيات الدقيقة لنطعم بشكلٍ كافٍ عدد سكان العالم المتزايد، في الحقيقة، تُظهر النتائج أن بعض المغذيات تُنتج بخمسة أضعاف الكمية المطلوبة.

لكنّ بغض النظر عن وفرة الإنتاج العالمي للطعام فإن المشاكل في السلسلة الغذائية – مثل هدر وتوزيع الطعام و فقدان المغذيات – تؤكد أنّ الكثير من البشر يعانون من الجوع لفترةٍ من الزمن.

شرحت ريتشي عن ذلك بقولها: «مع الظلم الكبير في تواجد الطعام، فنحن نعلم أنّ العديد من البشر يعانون من النقص في عدة مغذيات أساسيّة».

في الوقت الحالي يعاني أكثر من مليار إنسان من نقص البروتين، وأكثر من ملياري إنسان من الجوع المقنّع، وأكثر من 800 مليون إنسان من الجوع للطاقة، مع كل هذا فإنّ أكثر من ملياري شخص قد وصلوا للسمنة المفرطة.

كتب المؤلفون في الدراسة ما يلي: «يوجد هذا التحدي في البلدان التي يوجد بها جميع مستويات الدخل، مع تزايد في أرقام الدول النامية التي تخضع لما يسمى (العبء الثلاثي) وهو ازدياد في انتشار السمنة بين عدد من السكان جنبًا إلى جنبٍ مع انتشارٍ واسع النطاق لسوء التغذية ونقص المغذيات الدقيقة».

إعاقة هذه المسألة صعبة خصوصًا في ظل التغيرات المناخية والارتفاع المتزايد لعدد السكان.

قال دافيد راي المؤلف المشارك في الدراسة وعالم المناخ من جامعة إدنبره: «مع التزايد السكاني والتغير المناخي الحاد الذي يؤثر ويغير الأنظمة الغذائية بشكلٍ سريعٍ، فإننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى تقييمٍ شاملٍ يُبنى على الأدلة لأنظمتنا الغذائيّة».

يصبح التحدي بخصوص سوء التغذية أصعب عندما تطرأ مشاكل على سلاسل التغذية التي تتغير بتغير نوع المغذيات.

على سبيل المثال، تكشف الدراسة أننا نفقد أغلب المغذيات الدقيقة مثل فيتامينات A و C في الهدر الذي يحصل لمرحلة ما بعد حصاد الخضار والفواكه، بينما الفقد الأكبر للطاقة والبروتين عندما ينتهي الأمر باستخدام المحاصيل كعلفٍ حيوانيٍّ ووقودٍ حيويٍّ.

قالت ريتشي: «هذه معلومات مهمة علينا فهمها، فمعرفة التدخلات ذات التأثير الأكبر للحفاظ على المغذيات الدقيقة قد لا تكون نفسها إذا ما طبقناها على الطاقة أو إذا طبقناها على البروتين، فذلك قد يساعدنا في تركيز جهودنا على الأمن الغذائي والتغذية».

لا تقدم الدراسة أيّ حلولٍ إنما الهدف منها ببساطة هو التعريف والإشارة للمناطق التي يمكن تحسين الاكتفاء بها ويمكن إجراء مقايضات معها.

تربية المواشي على سبيل المثال، تصنف على أنّها أحجية صعبة فهي تساعد وتكبح في الوقت ذاته سوء التغذية العالمي.

شرحت ريتشي ذلك بقولها: «عندما نعتبر أنّ أكثر من 80% من الأراضي الزراعية تستخدم في الرعي أو إنتاج العلف الحيواني، عندها تكون الماشية طريقة غير فعّالةٍ لإنتاج الطعام، و لكن بينما تعتبر الماشية هي محوّل غير فعّال للطعام، فهي المصدر الغذائي الطبيعي الوحيد المتبقي لفيتامين B12 ومصدر مهم عالي الجودة للبروتين والليزين (حمض أميني) للعديد من البشر».

يُقرّ الؤلفون أنهم لم يركزوا على ديناميات مناطقية أو قوميّة أو محليّة، مع ذلك فهم يرون أنّ الدراسة قابلة للتكرار ومفيدة على نطاقٍ واسعٍ.

قال راي في النهاية: «هذه الدراسة هي البداية، في المستقبل يمكن أن يستخدم هذه الإطار القابل للتكرار لرسم مسارات الغذاء لمناطقٍ أو دولٍ معيّنة، ونأمل أن تستخدم الحكومات ووكالات الإنماء هذا الإطار لتقيّيم مخاطر الأمن الغذائي وتقترح حلولًا محليّةً معيّنةً».


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر