حسنًا، إنّ هذا بالتأكيد هو عرض رائع لم نعد ننتظر حدوثه.

إنّ حدثًا فلكيًا مذهلاً تمّ توقع حدوثه عام 2022 لكنّه لن يحدث أبدًا في تلك السنة.

بدايةً عام 2017، تنبأ العلماء بتصادم بين نجمين في (كوكبة الدجاجة – constellation Cygnus)، الأمر الذّي من شأنه أن يؤدي إلى ظاهرة نادرة ورائعة والتّي بإمكاننا رؤيتها بالعين المجردة، وهي: (النوفا الحمراء – Red nova).

وانتشر هذا الخبر بسرعة كبيرة.

النجمان الّلذان يبعدان 1800 سنة ضوئية من الأرض يشكلان (نظامًا نجميًا ثنائيًا – binary star) وهما مقيدان حاليًا برقصة الموت.

وقدر الباحثون اصطدامهما بعد سنوات قليلة، أي في عام 2022.

إنّ اندماج النظام النجمي الثنائي: KIC 9832227، المكوّن من هذين النجمين، لم يكن ليظهر كمجرد برقة صغيرة في سماء

الليل بل كان سيكوّن (نوفا حمراء- red nova) صاحبة ضوء أكثر سطوعًا ب 10000 مرة من الضوء المنبعث من النجمين حاليًا. هذه النوفا الحمراء سيمكن مشاهدتها من الأرض لبعض الوقت.

الآن، نحن على علم أنّ هذا الاصطدام لن يحدث.

كان الباحث الفلكي (لاري مولنار -Larry Molnar) من (كلية كالفن – Calvin College) قد توقع حدوث هذا الاصطدام مستخدمًا بعض المعادلات الفلكية، لكنّ فريقًا من الباحثين بقيادة عالم الفلك (كوينتين سوشا – Socia) في جامعة سان دييغو قام بالتركيز على المعادلات من الجانب الرياضي بشكل دقيق، وتوصّل لنتيجة مختلفة.

عندها وافق الباحث الأصلي لاري مولنار مع النتيجة الجديدة.

كما وصرّح مولنار: «العلم الجيّد هو ذلك الذي يقدم تنبؤات قابلة للاختبار».

«لقد تواجدت بعض النتائج الأخرى والتّي حاولت انتقاد بحثنا، تلك الانتقادات التّي لا تقدم شيئًا، كما وكنّا قادرين على الانتقاد المضاد بالمقابل. لكنّ هذا الانتقاد يقدّم الكثير، وأعتقد أنّ لديهم وجهة نظر جيدّة. الأمر الذّي يوضّح أنّه بإمكان العلم أن يصحح نفسه بنفسه».

تمّ العثور على مشكلة مع البيانات الرقميّة التي استخدمها مولنار وفريقه:

KIC 9832227 هو نظام رائع. حيث يتمّ قفل النجمين مع بعضهما بإحكام لدرجة أنّ أحدهما يستغرق 11 ساعة فقط ليكمل دورته حول الآخر.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ النجمين قريبان جدًا من بعضهما البعض لدرجة أنّهما في الواقع يتشاركان أجزاءً من غلافِهما الجوي.

كما ويشكّل هذان النجمان ثنائي كسوف، أيّ أنّ أحدهما يتسبب في كسوف الآخر بالنسبة للمشاهد من سطح الأرض.

يستند التنبؤ الأول – لمولنار وفريقه – إلى البيانات المرصودة في توقيت الحد الأدنى من الضوء الذّي يتمّ استقباله من جميع المصادر المُتاحة، أيّ نقطة في منتصف الكسوف والتّي يكون فيها الضوء من النّظام الثنائي في أدنى مستوياته.

استخدم مولنار وفريقه بيانات (مشاهدة كالفين – Calvin Observatory) بين عامي 2013 و 2016. كما واستخدموا بيانات من المراصد الأخرى بين عامي 2007 و 2013. من الجدير بالذكر أنّه قد تواجدت فجوة كبيرة في البيانات قبل عام 2007، لكن في عام 1999 أُخذت بعض البيانات خلال (مسح تقلبات السماء الشمالية – Northern Sky Variability Survey ) الذي تمّ إجراؤه تلك السنة.

أما سوشا وفريقه فقد حصلوا على بيانات مُؤرشفة غير منشورة والتّي رُصدت عام 2003، هذا وقد تمّ أخذها كجزء من مشروع NASA Ames Vulcan، حيث اتضح حينها أنّ الكسوف كان يحدث بعد نصف ساعة مما توقعته حسابات مولنار.

عندها أعادوا الحسابات الرياضيّة، وقد توافقت أرقامهم مع أرقام مولنار بعد 2007.

لكنّ هذه الحسابات لم تتوافق أبدًا مع البيانات المرصودة عام 1999، فقد اتضح أنّ الفارق في توقيت الخسوف هو ساعة كاملة.

هل هو خطأ مطبعي؟

نعم، إنّه كذلك ففي الورقة التّي احتوت بيانات عام 1999، ونُشرت عام 2004، أدّى خطأ مطبعي إلى تحريف توقيت الكسوف. هذا وقد اعتمدت حسابات فريق مولنار على هذه البيانات الخاطئة. ومن المثير للاهتمام، أنّ هذا الخطأ المطبعي نفسه لم يكن موجودًا في مسودة تلك الورقة!

لا يمكن للكسوف أن يحدث على الإطلاق في الوقت الذي ذكرته تلك الورقة. حسب سوشا مكان تواجد KIC 9832227 تحديدًا في ذلك الوقت، هذا وقد يكون مكانه أسفل الأفق، حيث لم يكن التلسكوب قادرًا على رصده عندها.

إنّ هذا لا يعني استحالة اصطدام هذين النجمين وتشكل النوفا الحمراء، لكنّ هذا لن يحدث في عام 2022.

لكن في نهاية المطاف من الجدير بالذكر، أنّ قدرة العلم على العطاء والإفادة هي بنفس أهمية قدرته على التخلّص من المغالطات.

كما وصرّح سوشا: «يمكنّنا القول أنّ هذا هو الجزء الأهم في العمليّة العلميّة، فإنّ المعرفة تتقدم أكثر عند تقديم افتراضات جريئة، الأمر الذّي يحثّ الأفراد على التشكيك بها واختبارها».

كما ويضيف: «غالبًا ما تحدث الاكتشافات الأكثر إثارة عندما لا تتوافق توقعاتنا. هذا مثال جيّد على كيفيّة تمكّن العلماء من مختلف أنحاء العالم من العمل معًا لفهم كيفيّة عمل كوننا، بواسطة إضافة كل منهم قطعة محاولًا فهم الصورة الكليّة للكون».

لذلك لن يكون هناك KIC 9832227 . لكنّ في نهاية الأمر سيتصادم نجمان من (النجوم الثنائية – binary star)، وهناك الآن الكثير من الأشخاص يبحثون عن مثل هذا التصادم.

وقال مولنار: «إنّ كاتبي الورقة لا يشككون في فرضيتنا الأساسية، وهي أنّ النجوم الثنائية تتصادم، وهذا أمر لا بدّ أن تبحث عنه حيث بإمكانك العثور عليه».

وأضاف: «بل في الواقع هم يتفقون مع هذه الفرضيّة، لذلك قد تعمقوا بالبحث أكثر. وبالتالي فإنّ البحث عن الاندماج الوشيك للنجوم الثنائية لا يزال مستمرًا».


  • ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر