ظهر الفايكنغ كبحارة منذ أواخر القرن الثامن إلى أوائل القرن الحادي عشر، وقد أسسوا لأنفسهم اسمًا عريقًا كتجار ومستكشفين ومحاربين.

اكتشف الفايكنغ الأمريكتين قبل كولومبوس بفترة طويلة، كما وصلوا إلى أقصى الشرق الروسي.

إنّ اسم الفايكنغ غالبًا ما يتم ربطه خطًا بأشخاص همجيين يهاجمون الدول الأكثر تحضرًا من أجل المال والنساء، ولكن في الحقيقة فإنّ ثقافة شعب الفايكنغ أكثر تنوعًا بكثير، فقد قدم هؤلاء الغزاة العديد من التغييرات في شتى المجالات من الاقتصاد إلى الحرب.

عصر الفايكنغ

يربط كثير من المؤرخين مصطلح “فايكنغ” بالعبارة الاسكندينافية vikingr، والتي تعني “القراصنة”.

ويشير عصر الفايكنغ عمومًا إلى الفترة الممتدة منذ عام 800 بعد الميلاد حتى خمسينيات القرن الحادي عشر 1050، أي حتى سنوات قليلة قبل احتلال نورمان لإنجلترا في عام 1066.

لقد كان غزو الفايكنغ لجزيرة ليندسفارن، وهي جزيرة صغيرة تقع قبالة الساحل الشمالي الشرقي لإنجلترا، بداية هجرة الفايكنغ من الدول الاسكندنافية في عام 793.

كان في هذه الجزيرة ديرٌ شهيرٌ للتعلم في جميع أنحاء القارة، وخلال هذه الغارة قُتل الرهبان وأُلقوا في البحر، وأخذ الفايكنغ العبيد وكنوز الكنيسة ودمروا المكتبة.

لقد مهد هذا الحدث الفردي الطريق لكيفية النظر إلى الفايكنغ كمحاربين متوحشين لا يحترمون الدين ولا العلم.

في السنوات التي تلت تلك الغارة الأولى، وجدت القرى الساحلية والأديرة وحتى المدن نفسها محاصرة من قبل هؤلاء المتسللين الأجانب الموجودين في البحر.

وبسبب تواتر الهجمات البحرية، فقد تم تطوير العديد من التحصينات في أشكال الموانئ المسورة والجدران الحجرية المواجهة للبحر، والدفاعات التي أثبتت فعاليتها في ردع الغارات.

إنّ السبب وراء هذه الهجمات موضع نقاش بين الأكاديميين، وقد تشمل هذه الأسباب الاضطهاد المسيحي للفايكنغ والمعمودية القسرية للوثنيين إلى انخفاض الإنتاج الزراعي في المنطقة الاسكندنافية.

وربما دفعت العديد من الأسباب هؤلاء الأشخاص إلى ترك منازلهم الباردة والقاسية للبحث عن وسيلة للبقاء في مكان آخر.

وعلى الرغم من عدم تسامح الفايكنغ مع وطنهم، فإن معظمهم كانوا يعودون إلى وطنهم في نهاية كل موسم بالكنوز والعبيد والسلع من أجل البقاء في فصل الشتاء.

سفينة الفايكنغ

لسفينة الفايكنغ مكانة عظيمة في قلب ثقافة الفايكنغ، وتعبر هذه السفن الاستثنائية الطويلة عن حياة الفايكنغ وألفتهم للبحر كما أنّها غيرت مسار التاريخ الأوروبي.

خلال أكثر من 10 قرون، تطورت مهارات بناء السفن في النرويج وأنتجت مجموعة متنوعة من السفن، من قوارب الصيد الصغيرة وسفن البضائع ذات البطن الكبير إلى السفن السريعة الشهيرة التي تستخدم في الغزو.

ولكن بغض النظر عن الحجم، تم تصميم معظم السفن لتكون ضيقة بشكل عام مع حواف قصيرة (المسافة العمودية بين خط الماء وقاع السفينة)، وهي ميزات أعطتها قدرة عالية على التكيف للاستخدام في المحيطات والأنهار.

وصلت حرفة بناء سفن الفايكنغ إلى نقطة عالية في القرن السابع عندما اختُرعت العارضة keel، وهي حزمة هيكلية تمتد من القوس إلى المؤخرة وتتوضع تحت الجسم الرئيسي للسفينة.

زادت هذه الميزة السرعة والاستقرار ومنعت الحركة الجانبية غير المرغوب فيها.

وإنّ هذه العارضة بالإضافة إلى السارية الكبيرة والشراع سمحت في النهاية للفايكنغ بالقيام برحلات طويلة عبر شمال الأطلسي.

وُينظر الآن إلى هذه السفن مرة أخرى على أنها ثورية في التصميم ومعجزة تكنولوجية.

بحلول منتصف القرن التاسع، اجتمعت القرى والمجتمعات الاسكندنافية لبناء السفن بقصد تحسين حياتهم من خلال أعمال الإغارة.

في عام 842 هاجم الفايكنغ بلا رحمة نانت على الساحل الفرنسي، وبسبب قدرتهم على المناورة في الأنهار فقد أغاروا حتى على المدن الداخلية البعيدة مثل باريس وليموج وأورليانز، حسب History.com.

أعطى الفايكنغ نفس القدر من الاهتمام بالفن، فقد كانت السفن الطويلة تُزين عادة برؤوس التنانين التي تنحت على قوس السفينة، والتي يُعتقد أنها تُبعد الأرواح الشريرة.

إنّ رأس التنين مع الشراع المربع الكبير أحمر اللون يمثل توقيع الفايكنغ، وقد كان هذا المشهد يبعث الخوف في قلوب الأوروبيين لثلاثة قرون.

بعثات العالم الجديد

أنشأ الفايكنغ مستعمرات على الساحل الغربي لغرينلاند خلال القرن العاشر، تحكي ملاحم الفايكنغ عن الرحلات التي قاموا بها من مستعمرات جرينلاند إلى العالم الجديد.

وذكروا أماكن تسمى “Helluland” (ويُعتقد أنها جزيرة Baffin اليوم)، وذكروا “Markland” (التي يُعتقد أنّها لابرادور) و “Vinland” (موقع أكثر غموضًا يعتقد بعض علماء الآثار أن يكون نيوفاوندلاند).

في الوقت الحاضر يقع موقع الفايكنغ الوحيد المؤكد في العالم الجديد في L’anse aux Meadows على الطرف الشمالي من نيوفاوندلاند.

تم حفر هذا الموقع في الستينات، وأيضًا هناك ثلاثة مواقع فايكنغ محتملة قام علماء الآثار بالتنقيب عنها في كندا، يقع اثنان منها في نيوفاوندلاند ويقع الموقع الثالث في جزيرة بافن في القطب الشمالي الكندي.

يقع أحد مواقع الفايكنغ المحتملة في Point Rosee في جنوب نيوفاوندلاند، حيث وجد علماء الآثار موقدًا للشوي مصنوعًا من الحديد غارقًا إلى جانب هيكل حجري.

يقع الموقع الآخر المحتمل للفايكنغ في سوب في نيوفاوندلاند، ويتضمن سلسلة من “المزالق” التي كان من الممكن استخدامها لاحتجاز الحيوانات الكبيرة مثل وعل الكاريبو.

يتم ترتيب هذه المزالق في خط مستقيم، ويعتقد علماء الآثار أن الفايكنغ قد قادوا الحيوانات نحو هذه المزالق حيث حوصرت وقُتلت.

أما الموقع المحتمل الثالث للفايكنج يقع في Nanook في جزيرة Baffin، حيث وجد الباحثون قطعًا أثرية قد تكون استُخدمت في إنتاج المعادن وبقايا هيكل قد يكون بُني بواسطة الفايكنغ.

أساطير الفايكنغ

وجدت العديد من التصورات الحديثة أن الفايكنغ في الأصل يتبعون الطريقة الكاثوليكية، ومع نهب العديد من المرافق المسيحية وفقدان عدد لا يحصى من الآثار والكنوز، سعت الوزارة الكاثوليكية إلى نزع صفة الإنسانية عن الفايكنغ.

حتى حكم الملكة فيكتوريا في بريطانيا كان يتم تصوُّر الفايكنغ كأشخاص عنيفين وهمجيين.

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تغيرت المفاهيم إلى درجة أن أصبح يُنظر إلى الفايكنغ كمقاتلين نبلاء يرتدون خوذات ذات قرون، لديهم ثقافة غنية ورهبة في المعارك.

فيما يتعلق بأساطير الفايكنغ الأكثر شعبية التي نشأت من خلال هذه المفاهيم الخاطئة، ثبت أن كل ما يلي خاطئ وفقًا للسجل التاريخي:

الفايكنغ ارتدوا الخوذات ذات القرون:

في الحقيقة كان الفايكنغ حاسري الرأس أو يرتدون خوذات جلدية بسيطة ذات إطار معدني لحماية الوجه، جاءت فكرة خوذات الفايكنغ ذات القرون خلال عهد فيكتوريا.

كان الفايكنغ قذرين وغير مهذبين:

وجد علماء الآثار دليلًا على استخدام الفايكنغ المنتظم للأمشاط والملاعق وأدوات المطبخ الأخرى التي تشير إلى أنّهم كانوا حريصين جدًا على النظافة الشخصية.

أمضى الفايكنغ كل وقتهم في الغزو والحروب:

في الحقيقة كانت الغارات مصدرًا ممتازًا للدخل، ولكن العديد من الفايكنغ كانوا يقيمون المزارع في بلادهم حيث ترعاها زوجاتهم خلال موسم الغزو.

وحين يعود الرجال إلى منازلهم بعد الغزو، يستأنفون روتينهم المعتاد في الزراعة.

كان الفايكنغ جيشًا موحدًا:

نظرًا للموقع الجغرافي الصعب، كان السكان الاسكندنافيون مبعثرين جدًا للحفاظ على الأراضي الزراعية المحدودة.

كما تسبب تغلغل المسيحية في الكثير من الانقسامات العميقة بين الناس الذين ما زالوا يعبدون البانتيون الشمالي التقليدي، ما يؤكد على الطبيعة المنقسمة للفايكنج.

كان الفايكنغ ضخام الأجسام ومفتولي العضلات:

بسبب قصر فصل الصيف، كانت زراعة المحاصيل صعبة وكانت الموارد شحيحة دائمًا، ونتيجة لذلك، كان العديد من السكان الاسكندنافيين أصغر بكثير مما يُصور عادة بسبب مواردهم الغذائية المحدودة.

لقد كانت الظروف المعيشية في المناطق الاسكندنافية قاسية وصعبة وقد عانى العديد من الفايكنغ من ندرة الموارد وأقام الناس منازلهم على مسافات بعيدة من بعضها دون وجود قيادة موحدة حقيقية.

خلال عصر الفايكنغ، كان الاسكندنافيون قادرين على الوصول للعوالم الخارجية وخلق سمعة لأنفسهم تتجاوز الهمجية البسيطة.

في حين أن بعض الفايكنغ كانوا مدفوعين بشهوة الغنى فقد سعى الكثيرون منهم إلى إقامة علاقات اقتصادية سلمية مع الدول المحيطة.

في الواقع لم يكن هناك نهاية مثيرة لعصر الفايكنغ، يؤكد المؤلفون أن الممالك الاسكندنافية كانت تندمج ببطء وتتكامل في “الجسد الأوروبي المسيحي الكبير”.


  • ترجمة: أحمد علي
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر