وفقاً لدراسة جديدة في جامعة كولومبيا على الفئران، فإنّ الرجوع إلى الطريقة المعتادة لفعل الأشياء أكثر فاعلية من فترة راحة طويلة أثناء التعافي من إصابة في الدماغ.

تُقدّم هذه النتائج مثالًا مقنعًا على قدرة الدماغ الرائعة على التكيّف بعد الصدمة.

كما تُشير إلى استراتيجيات علاجية جديدة قائمة على النشاط، ويمكن أنْ تؤدي في يوم من الأيام إلى تقليل أوقات التعافي وجعله أكثر تكاملًا للمرضى لاستعادة الحركة بعد تلف في الدماغ، أو سكتة دماغية.

يقول الدكتور راندي برونو؛ المؤلف الكبير للدراسة، ومُحَقق رئيسي في معهد (مورتيمر ب. زكرمان) للعقل والدماغ: «من المفترض أن تكون فترات الراحة المطوّلة هي مفتاح التعافي الصحي للدماغ، لكن دراستنا على الفئران تدل على أنّ إعادة إشراك الدماغ مباشرة بعد الإصابة يمكن أن يكون في الواقع أكثر فائدة من إراحته، وتلك ملاحظة لم تكن متوقعة على الإطلاق.

في حين تؤكد هذه النتائج تعقيد الدماغ، وهي حقيقة بدأنا نكتشف طبيعتها، وبالتالي فهي توفر أيضًا وسيلة جديدة للبحث في جهود إعادة التأهيل الفعالة لإصابات الدماغ الخطيرة».

تُمثّل الدراسة خطوة مهمة في جهد الفريق البحثي على مدى السنوات لكشف أعمال القشرة الدماغية..

والقشرة الدماغية هي أكبر منطقة في دماغ الثدييات وتلعب دورًا رئيسيًا في العديد من الوظائف، من البصر والشم إلى الحركة والذاكرة.

وبالنسبة لهذه الدراسة على الفئران، فقد ركز الباحثون على جزء من القشرة الدماغية للحيوانات تُسمّى القشرة البرميلية، والتي يُعتقد أنها مهمة للغاية لاستشعار وتحليل الإشارات أثناء القش؛ أي عندما يُحرك الفأر شواربه لضرب الأجسام.

قال الدكتور ي. كايت هونغ، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر برونو والمؤلف الأول للورقة: «تستخدم الفئران شواربها للشعور بمحيطها بالطريقة التي نستخدم بها أصابعنا».

في البداية، وضع الباحثون الفئران في صندوق مظلم وقاموا بتدريبها على البحث عن أجسامٍ قريبة بشواربهم.

وعندما اكتشف الفئران الجسم، سحبوا رافعة بمخالبهم لتقدّم لهم المياه كمكافأة.

تقول الحكمة التقليدية أنّ هذا النوع من مهمة الكشف يعتمد بشكل كامل تقريبًا على القشرة الحسية العاملة وهي -في هذه الحالة- القشرة البرميلية.

وللتأكيد على صحة ذلك، استخدم الباحثون ضوء الليزر لإيقاف خلايا القشرة البرميلية مؤقتًا، وهي تقنية شائعة تُعرف باسم علم البصريات الوراثي.

وكما هو متوقع، واجهت الحيوانات صعوبة في القش عندما توقفت الخلايا.

وكانت المفاجأة عندما أزال الفريق القشرة البرميلية بشكل دائم، فلم تتمكن الحيوانات عندها من أداء المهمة.

إلّا أنه في اليوم الثاني، تعافى أداء الحيوانات فجأة وعاد إلى مستوياته الأصلية.

وقال الدكتور هونغ: «جاء هذا بمثابة مفاجأة كبيرة، إذ أشار إلى أنّ الإحساس اللمسي – مثل اللمس بالشارب- قد لا يعتمد بشكل كامل على القشرة الدماغية.

وهذه النتائج تتحدى وجهة النظر الشائعة والمرتكزة على القشرة الدماغية في تفسير كيفية تأثير الدماغ على الإدراك الحسي».

ويشك الباحثون أن مناطق دماغية أخرى أكثر بدائية قد تكون مشاركة بدرجة أكبر مما ظُنّ من قبل -وهي فرضية يقوم الفريق حاليًا بالتحري عنها-.

قال الدكتور هونغ: «بدلًا من الاقتصار على منطقة معينة في الدماغ، تُوزّع المعلومات الحسية عبر العديد من المناطق.

هذا التكرار يسمح للدماغ بحل المشاكل -بأكثر من طريقة- ويمكن أن يحمي الدماغ في حالة الإصابة».

ولكن كي تتعافى الحيوانات، هل احتاجت ببساطة إلى يوم راحة؟ أم أنها احتاجت إلى إعادة تعريضها للمهمة؟

لمعرفة ذلك، أجرى الفريق جولة أخرى من التجارب، مع اختلاف رئيسي واحد بأنّهم سمحوا للفئران بالراحة لمدة ثلاثة أيام قبل إعادة تعريضها للمهمة.

وفي هذه المرة، أظهرت الفئران إعادة تأهيل غير مكتملة.

بينما استعادوا بعض الإحساس في نهاية المطاف، ولكنهم استعادوه أبطأ من أول مجموعة فئران.

فيبدو أنّ مفتاح التعافي السريع يكمن في إعادة التعامل مع المهمة مبكرًا وليس عامل مرور الوقت.

لماذا تؤدي جميع الفئران بشكل سيّء للغاية خلال الـ 24 ساعة الأولى، بغضّ النظر عمّا يفعلونه؟

قد يكمن السبب في الاضطراب الذي عانى منه الدماغ للتو.

قال الدكتور برونو: «تتصل القشرة بكل الهياكل الأخرى تقريبًا في الدماغ، لذا فإن التلاعب فيها قد يؤدي إلى تعطيل الهياكل المتصلة بها بشكل مؤقت -نظريًا- فإنها تصدم المناطق التي تُحدث السلوك.

ولعلّ هذا الفقد المفاجئ والموجز في الإحساس يرجع إلى التعطل الأوّلي في قدرات الحيوانات بدلًا من فقدان أي معلومات مخزنة في القشرة البرميلية نفسها».

إنّ التلاعبات التي قام بها فريق كولومبيا لا تختلف عمّا يحدث في دماغ الشخص المصاب بسكتة دماغية.

ولكن يُحذّر الدكتور برونو وفريقه من أنّ أبحاثهم على القوارض لا يمكن تطبيقها مباشرة على البشر.

إلّا أنّهم يأملون في استكشاف نتائجهم من قبل أطباء الأعصاب الذين يتطلعون إلى تحسين أوقات التعافي لمرضاهم.

ونهايةً، أضاف الدكتور برونو: «نميل إلى تثبيت الأشخاص في مكانهم عند تعرضهم لسكتة دماغية؛ ما يجعل استعادة المهام التي تبدو بسيطة -مثل السير وإمساك الأشياء- ذاتَ طريقٍ طويل.

تُشير النتائج التي توصّلنا إليها إلى أنه بالإمكان -في بعض الحالات- إعادة إشراك المرضى في هذه الأنشطة مبكّرًا جدًا من أجل تسريع عملية التعافي».

نُشر هذا البحث في مجلة «Nature» في 17 سبتمبر.


  • ترجمة: كيرلس يوسف نجاح.
  • تدقيق: سهى يازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر