إنّ التقيّؤ والهذيان وفقدان الاتّزان هي جميعها علامات دالة على حالة الثمالة، ولكنّها قد تحدث أيضًا بدون شرب نقطة واحدة من الكحول مع بعض الحالات النادرة من الناس.

وتسمّى هذه الحالة (متلازمة التخمّر الذاتيّ – Auto-Brewery Syndrome) أو (متلازمة تخمّر القناة الهضمية الذاتيّ – Gut Fermentation Syndrome)، ومن المحتمل إصابتها لخمسين شخصًا فقط في الولايات المتّحدة؛ ولقد تمّ التعرّف على هذه الحالة النادرة مؤخّرًا خلال هذا العقد.

وتشتمل هذه الحالة على زيادة للخميرة في الأمعاء حتى تصل لمرحلة حدوث ردّ فعلٍ مفاجئٍ بعد تناول السكّر؛ إذ تتحوّل الخميرة إلى إيثانول، والذي يؤدّي بدوره إلى زيادة كمية الكحول بالدم.

وبحسب ملاحظات المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية National Center for Biotechnology Information، فإنّ المصاب بحالة متلازمة التخمّر الذاتي يشعر ببعض الأعراض الجانبية مثل التجشّؤ، والدوار، والتوَهَان، والسَّكَر، وجفاف الفم، ومتلازمتي القولون العصبي والتعب المزمن.

ولقد وُجِد أنّ بعض الأنظمة الغذائية ذات الكربوهيدرات العالية تثير هذه الحالة بشدّة، ويزيد الأمر سوءًا مع بعض أنواع الخميرة مثل المبيضّات-Candida.

وهناك بعض الاقتراحات غير المؤكّدة التي تفيد بأنّ هناك أعدادًا كبيرة من إنزيمات الكبد تؤدّي إلى حدوث تلك الحالة أيضًا.

وتسبّب تلك المتلازمة بصفة أساسية حالةً من الثمالة بعد تناول الطعام، وقد يحدث هذا أحيانًا بعد تناول الطعام ذي الكربوهيدرات العالية مباشرةً أو بعد مرور عدّة أيام. وباختلاف الحالات، فإنّ بعض المصابين يُبلِغون عن حدوث حالاتٍ من السَّكَر الشديد (الدوار الذي يحدث نتيجة الإسراف في شرب الخمر).

كان الباحثون اليابانيّون أوّل من بحثوا عن هذه الحالة في السبعينيات، ولكن لم يُعرف هذا المرض بشكل صحيح قبل حوالي عقدٍ مضى.

أمّا الآن، فقد ظهرت حالات عديدة، وغالبًا ما يُتَّهَم أصحابها فعليًّا بالثمالة.

فعلى سبيل المثال، في عام 2016، أفلتت سيدة في نيويورك من تهمة القيادة في حالة السكر بحجّة إصابتها بمتلازمة التخمّر الذاتيّ.

وبعد نقاش ناجح، اكتشف الطبيب ارتفاعًا بمستوى الخميرة في أمعائها والذي تسبّب بارتفاع نسبة الكحول.

رُصِدت هذه السيدة وهي تتأرجح بسيارتها طوال الطريق مصابةً بالهذيان وعيونها حمراء، وقد رسبت في العديد من اختبارات الاتّزان مشتملةً على اختبار الكحول؛ إذ وصلت نسبة الكحول في دمها إلى 0.33% والتي تعادل أربعة أضعاف الحدّ القانونيّ.

وبرغم ما وضّحته تلك السيدة عن حالتها، لم يكن من السهل الإفلات من تلك التهمة. إنّ هذه الحالة لمتلازمة التخمّر الذاتية ليست معروفةً بشكل واسع؛ لذا فمن الصعب أن تُؤخَذ بجدّية.

ولقد وضّح أستاذ القانون جوناثان تورلي Jonathan Turley في جامعة جورج واشنطنGeorge Washington University قائلًا: «يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنّه بطاقة للخروج من السجن، إلّا أنّه لم يكن سهلًا إلى هذه الدرجة؛ إذ يجب عليك أن تجتاز بعض الاختبارات المنظّمة لإثبات هذه المتلازمة وبسبب ارتياب بعض المحاكم تجاه هذه الدعاوى».

قدّم الكثير من الناس الآخرين تقارير معاناتهم من متلازمة التخمّر الذاتيّ، ففي حديثٍ مع موقع (vice)، يوضّح المدعو ماثيو هوغ Matthew Hogg أنّ حالته قد شُخِصّت في الطفولة على أنّها (متلازمة القولون العصبي-Irritable Bowel Syndrome)، ولم تُعرَف الأعراض حتى مراحل متقدّمة من عمره أنّها نتيجة لمتلازمة التخمّر الذاتيّ.

ويقول ماثيو: «لقد مررت بالعديد من حالات السَّكَر قبل المراحل المتأخّرة من المراهقة، وكان أكثرها سوءًا تلك التي تحدث صباحًا بعد تناول وجبة إفطار ذات نسبة كربوهيدرات عالية. وبدا الأمر كما لو أنّني قضيت الليلة الماضية في ملهى وشربت الكحوليات حتى الثمالة، وهذا لم يحدث قط».

عانى ماثيو من أوقات صعبة بسبب حالته بشكلٍ خاصٍّ؛ لأنّه لم يجد وظيفةً بعد انقطاعه عن الجامعة، وبدأ ماثيو في إعداد وتنظيم أسباب المرض رغبةً في مساعدة الآخرين المصابين بنفس الأعراض؛ وعدّل أيضًا نظامَه الغذائي رغبةً منه في تقليل التأثيرات الناتجة.

ولا يعني هذا موافقة الجميع على هذا التشخيص؛ ففي عام 2015، وضّح عالم السموم الشرعي (في مجال الطبّ الشرعيّ) واين جونز Wayne Jones لموقع BBC Future أنّه ليس هناك دليلٌ كافٍ على اقتراح إنتاج هذه الكمية الكبيرة من الكحول في الدم بسبب الخميرة فقط، وذلك بصرف النظر عن بعض الحالات الاستثنائية.

يقول جون: «ادّعى العديد من الناس عبر السنين أنّ ارتفاع نسبة الكحول في دمهم لم يكن بسبب شرب البيرة أو الويسكي أو النبيذ، وإنّما السبب هو جسدهم بحدّ ذاته؛ لذا فأنا بحاجة إلى مزيد من المعلومات الدقيقة قبل أن تصبح هذه الحالة حقيقةً مؤكّدة».

أبلغ أحدهم سابقًا هذه السنة عن دخوله في حالة من الثمالة بعد تناول العشاء بالرغم من عدم تناوله أيّ مشروبات، وساءت الحالة حتى تعرّض لنوبة ودخل العناية المركّزة.

تسبّب متلازمة التخمّر الذاتيّ مضاعفاتٍ مستمرّةً كبيرةً لدى تلك الفئة الصغيرة من الناس حول العالم، وتبدو فكرة الثمالة بسبب تناول الطعام كأنّها أضحوكة، ولكنها ليست سوى حالة مرضية لدى هؤلاء المصابين بها؛ لذا فإنّ بعض الأعراض مثل التقيّؤ والهذيان وفقدان الاتّزان ترتبط جميعها بحالة الثمالة، ولكنّها قد تحدث أيضًا عند أصحاب تلك الحالة النادرة بدون تناول الكحول.


  • ترجمة: ماريان رأفت
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر