تُعد الهزّات الأرضيّة من أبرز الظواهر الطبيعية التي تُصيب القشرة الأرضيّة، وعادةً ما يتبع كُل زلزال هزّاتٌ ارتداديّة (Aftershocks) أصغر منه شدةً لكنّها في كثير من الأحيان تكون مُروعةً وذاتُ أضرار أكبر حتّى من الزلزال نفسه؛ ولهذا الأمر قام العُلماء بتطوير نظام ذكاء اصطناعي بإمكانه التنبّؤ بمكان حدوث تلك الهزّات الارتداديّة.

فبالنسبة للمجتمعات التي تُعاني عادةً من الزلازل الضخمة، فإن معرفة المزيد من التفاصيل تُعتبر مسألة حياة أو موت لهم، إذ يمكن للهزّات الارتداديّة أن تُوقع المزيد من القتلى والمُصابين وتُلحق الضرر بالمباني وتزيد من تعقيد جهود الإنقاذ.

وهنا قام فريقٌ بقيادة باحثين من جامعة هارفرد بتدريب نظامِ ذكاء اصطناعي على جمع كميّات ضخمة من بيانات المُستشعر وتطبيقها في عمليّة تعلّم عميقة للحصول على توقّعات أكثر دقة كل مرة.

وبالرغم من عدم جهوزيّته الكاملة ليتم نشره بحسب قول الباحثين الذين يقفون وراء هذا النظام الجديد؛ إلا أنهم أكّدوا بأنه ذو موثوقيّة فعلًا في تحديد موقع الهزّات الارتداديّة أكثر من نماذج التنبّؤات الحاليّة، ومن الممكن أن يصبح في السنوات المُقبلة جزءًا حيويًّا من أنظمة التنبّؤ لدى عُلماء الزلازل.

يقول أحد أعضاء الفريق البروفسور بريندين ميد (Brendan Meade): «من المهم معرفة ثلاثة أشياء عن الزلازل، متى ستحدث، وكم ستكون شدّتها، وأين ستحدث».

ويُضيف: «قبل هذا العمل، كان لدينا قوانين تجريبيّة نستطيع من خلالها تحديد وقت حدوثها وكم ستكون شدّتها، بينما ما نقوم به الآن هو العمل على المرحلة الثالثة والتي هي أين يُمكن أن تحدث».

نشأت فكرة التعلّم العميق أول مرّة عندما كان البروفيسور “Meade” في إجازة في أحد أقسام شركة Google والذي يُعنى بنشر الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات كالحوسبة والعلوم.

إذ يُعدُّ التعلّم الآلي (Machine learning) واحدًا من فروع الذكاء الاصطناعيّ الذي يهتم بتصميم الخوارزميات وتطويرها، إذ تتعلّم الآلات من مجموعات البيانات التي تحصل عليها، وبالتالي تتمكّن من التعامل مع المشاكل الجديدة والتي لم تُبرمج ليتم التعامل معها بشكل خاص.

في حين أن التعلّم العميق (Deep learning)، هو نوع أكثر تقدّمًا من التعلّم الآلي، إذ يُتيح للآلة التعلّم بنفسها عن طريق مُحاكاة للشبكة العصبيّة وعمليّة التفكير التي تحصل في الدماغ.

وبعبارة أبسط، فإن الذكاء الاصطناعيّ بإمكانه أن يرى المزيد من النتائج المُحتملة في آن معًا، ويحدد الجوانب الجيدة والسيّئة لأعقد الخرائط والعوامل كخطوة أولى قبل أن يتّخذ القرار، تمامًا كحالة الخلايا العصبيّة في الدماغ.

إنّه لأمر مثاليٌّ بالنسبة للزلازل وذلك مع العديد من المُتغيّرات التي يجب أخذها بالحسبان؛ بدءًا من شدة الهزّة مرورًا بتَموضُع الصفائح التكتونيّة وصولًا إلى نوع الأرضية التي ستحدث فيها. وبالتالي فإن التعلّم العميق بإمكانه أن يخرُج بأنماط لا يستطيع المحللون البشر اكتشافها.

ومن أجل الحصول على نتائج أكثر دقة، قام البروفيسور ” Meade ” وزملاؤه بتزويد النظام ببياناتٍ لأكثر من 131 ألفًا من الزلازل وهزّاتها الارتداديّة، كانت قد سُجّلت من 199 زلزالًا سابقًا، وبعد أن قام مُحرّك الذكاء الاصطناعي بتحليل تلك البيانات، كانوا قد حصلوا على أكثر من 30 ألف زوجٍ مُتماثل من الهزّات، ما يُشير ذلك إلى احتمال وقوع هزّات ارتداديّة في مواقع ضمن شبكة تبلغ مساحتها 5 كيلومترات مربعة.

كان نموذج كولومب (Coulomb failure stress change) المُستخدم حاليًا في التنبّؤ بهذه الهزّات يسجّل معدل دقّة مقداره 0.583 في حين أن نظام الذكاء الاصطناعي الجديد تمكّن من تسجيل معدّل دقة 0.849 حيث يؤخذ مجال مقياس الدقة بين(0) إلى (1) وهي القيمة التي تُمثل الدقّة الكاملة.

تقول الباحثة فيبي ديفريس (Phoebe DeVries) من جامعة هارفرد: «إنني مُتحمّسة لما يمكن للتعلّم الآلي الوصول إليه والمضيّ قدمًا في هذا النوع من المشاكل، وإنها حقًا مُشكلة في غاية الأهمية والتي يجب أن نسعى لحلّها، فالتنبّؤ بالهزّات الارتداديّة على وجه الخصوص يُعتبر تحديًا مناسبًا للتعلّم الآلي إذ يوجد هناك العديد من الظواهر الفيزيائيّة التي من شأنها أن تؤثّر على سلوك الهزّات الارتداديّة، وهنا يأتي دور التعلّم الآلي لقدرته الجيّدة في ربط المعلومات ببعضها والحصول على العلاقات فيما بينها».

ويقول الباحثون بأن أحد المُقوّمات الرئيسيّة في نجاح هذا النظام، كانت بإضافة معيار” von Mises ” إلى خوارزميّة الذكاء الاصطناعي، وهي عبارة عن حساب يمكن أن يتنبّأ متى ستنكسر المواد المعرّضة للإجهاد، كان قد استُخدم هذا المعيار سابقًا في مجالات أخرى كعلم المعادن، لكنّه لم يُستخدم على نطاق أوسع في نمذجة الزلازل قبل الآن.

كما أشار الباحثون بأن نماذج الذكاء الاصطناعيّ الحاليّة مصممّة للتعامل مع نوع واحد فقط من الهزّات الارتداديّة بالإضافة لبعض الفوارق البسيطة، أي لا يمكن تطبيقه على أي نوع من أنواع الزلازل في جميع أنحاء العالم.

كما أنه الآن بطيء للغاية من ناحية التنبّؤ بالهزات الارتداديّة المُدمّرة التي يمكن وقوعها بعد يوم أو اثنين من وقوع الزلزال الأول.

وبالرغم من ذلك فإن الخبر السار هنا هو أن الشبكة العصبيّة مُصممة لتتطوّر باستمرار مع مرور الوقت، ما يعني بأنه مع المزيد من البيانات والمزيد من دورات التعلّم، ينبغي أن يتطوّر معه النظام بشكل طرديّ.

تختم الباحثة ” DeVries ” قائلةً: «إنه لأمر مثير حقًا، حيث لمسنا فعلًا ما يمكن لهذا النظام الوصول إليه من توقّعات  للهزّات الارتداديّة».


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر