لعقود، كانت لدى العديد منّا أحلامٌ حول اليوم الذي سنتمكّن فيه من وضع أقدامنا على المريخ، وفي السنوات القليلة الماضية، كشفتِ المركبات المدارية والطائرات الفضائية دليلًا على وجود مياهٍ في الماضي على المريخ، دون الإشارة إلى احتمال أنّ المياه لا تزال موجودةً تحت السطح.

أثارت هذه النتائج رغبتنا في إرسال فريقٍ في مهمّاتٍ إلى المريخ دون الإشارة إلى إنشاء مستعمراتٍ هناك.

ومع ذلك، هذا الحماس ربّما يكون خاطئًا قليلًا عند أخذ التحدّيات التي تفرضها بيئة المريخ علينا بعين الاعتبار، بالإضافة إلى البقاء في برودةٍ منخفضة جدًّا ووجود الكثير من الإشعاعات، وكذلك فإنّ سطح المريخ اليوم جافٌّ جدًّا.

ووفقًا لدراسة جديدة يقودها باحثون من (مركز أيمس للأبحاث التابع لناسا -NASA’s Ames Research Center)، فإنّ التربة على سطح المريخ أكثر جفافًا بحوالي 1000 مرة من أكثر منطقة جافّة على الأرض.

عنوان هذا الدراسة «القيود المفروضة على النشاط الاستقلابي للكائنات المجهرية في التربة السطحية لصحراء أتاكاما والناتجة عن المؤشّرات الحيوية الحرارية: الآثار المترتّبة على صلاحية السكن في المريخ وتحديد المؤشرات الحيوية الحرارية»، والتي ظهرت مؤخّرًا في صحيفة Astrobiology.

يقود هذه الدراسة أعضاء من ناسا وباحثون من معهد جورجيا للتكنولوجيا، ومركز كارل ساغان في معهد SETI، ومركز علم الأحياء الفضائي (INTA-CSIC)، ومركز جوغارد للطيران الفضائي التابع لوكالة ناسا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

ولأجل هذه الدراسة، أراد فريق الباحثين دراسة إمكانية الكائنات المجهرية في النجاة تحت هذا النوع من الظروف الموجودة على المريخ.

للإجابة عن هذا السؤال، سافر الفريق إلى صحراء أتاكاما في تشيلي، وهي عبارةٌ عن شريطٍ أرضيّ بطول 1000 كم يمتدّ على الساحل الأمريكي الجنوب غربي، ومع معدّل سقوط أمطار من 1 إلى 3 ملم سنويًّا فقط، فصحراء أتاكاما تُعرف بأنّها المكان غير القطبيّ الأكثر جفافًا على الأرض.

على أيِّ حال، لا تُعتبر صحراء أتاكاما جافّةً بشكلٍ منتظم، ومستويات الأمطار تختلف اعتمادًا على الارتفاع، ومن الطرف الجنوبي إلى الطرف الشمالي، تتحوّل الأمطار السنوية من بضعة مليمترات من المطر سنويًّا إلى بضعة مليمترات من المطر كل عشر سنوات.

هذه البيئة تقدّم فرصة البحث عن الحياة في ظل تناقص مستويات الأمطار، وهذا ما يسمح للباحثين بوضع قيود على قابلية البقاء للكائنات المجهرية.

يُعرف الطرف الشمالي من الصحراء بمنطقة (أنتوفاغاستا – Antofagasta) والذي تُشابه فيه الظروف المريخَ بشكل كبير، حيث يبلغ متوسّط مستوى هطول الأمطار هناك 1 ملم في السنة، والذي يُعدّ الوجهة الشعبية للعلماء الباحثين عن بيئةٍ تحاكي المريخ.

بالإضافة إلى ذلك، يسعى الفريق إلى معرفة ما إذا كان بإمكان المجهريات البقاء على قيد الحياة في هذا الطقس الجاف، وأيضًا إلى تحديد قدرتها على النمو والتكاثر.

أوضحت العالمة الفلكية ماري بيث فيلهلم في معهد جورجيا للتكنولوجيا، ومركز أيمس للأبحاث التابع لناسا، والمؤلف الرئيس لهذه الدراسة الجديدة في بيان صحفي نُشر مؤخّرًا لوكالة الفضاء الأمريكية: «وجدنا على الأرض دليلًا على حياة المجهريات في كل مكان، على أيّ حال، فإنّه في الظروف القاسية، من المهمّ معرفة ما إذا كانت الكائنات الحية خاملة وبالكاد باقية على قيد الحياة، أو حيّة بالفعل وبشكل جيّد.

وبتعلّم كيف يمكن لهذه الكائنات البقاء على قيد الحياة في هذه المناطق الجافة جدًّا على الأرض، نأمل بفهمٍ أفضل حول ما إذا وُجدت الكائنات على المريخ وتمكّنت من النجاة إلى يومنا هذا».

وبعد جمع عينات من التربة على طول صحراء أتاكاما وجلبها إلى المختبر في (أيمس – Ames)، بدأ الفريق بإجراء الفحوصات لرؤية أي علامات إجهاد قد تظهر على الكائنات الحية المجهرية.

هذه هي الطريقة الأساسية التي يمكن أن تظهر بها الحياة في النمو، إذ إنّ الكائنات الحية في الحالة الخاملة (لا تزال على قيد الحياة فقط) ولم تُظهر أي علاماتٍ على الإجهاد.

على وجه التحديد، هم يبحثون عن التغيرات في بنية الدهون للغشاء الخارجي للخلية، والذي عادة ما يصبح أكثر جمودًا عند الاستجابة للإجهاد.

وما وجدوه هو أنّه في الأجزاء الأقلّ جفافًا من صحراء أتاكاما، كانت علامات الإجهاد موجودةً، ولكنّ الأغرب هو أنّ نفس هذه العلامات كانت مفقودة في المناطق الأكثر جفافًا من الصحراء حيث ستكون الكائنات المجهرية أكثر إجهادًا.

وبناءً على هذه النتائج ونتائج أخرى، توصّل الفريق إلى أنّ هناك خطًّا انتقاليًّا لهذه الكائنات المجهرية في بيئاتٍ مشابهة لصحراء أتاكاما.

على أحد جانبي هذا الخط، يكفي وجود نسبة صغيرة من الماء لهذه الكائنات لتكون قادرةً على النمو، أمّا على الجانب الآخر -حيث تكون البيئة جافة جدًّا-، ستكون الكائنات قادرةً على الحياة، ولكن لن تكون قادرةً على النمو والتكاثر.

تمكّن الفريق أيضًا من إيجاد دليلٍ على أنّ المجهريات قد ماتت على الأقل منذ 10,000 عام في عينات التربة، وتمكّنوا من تحديد ذلك من خلال فحص الأحماض الأمينية للكائنات (اللبنات الأساسية للبروتينات)، وفحص معدّل تغيّر هيكلها.

كان هذا الاكتشاف مفاجئًا جدًّا، إذ إنّه من النادر جدًّا رؤية البقايا الحية القديمة التي توجد على سطح الأرض.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ المريخ أكثر جفافًا بألف مرّة من أكثر جزء جافٍّ في الصحراء، فهذه النتائج ليست مشجّعةً لأولئك الذين يأملون أن الكائنات الحية المجهرية ستظلّ موجودةً هناك.

ومع ذلك، فإنّ حقيقة أنّ بقايا هذه الكائنات الحية القديمة وُجدت في المناطق الأكثر جفافًا من صحراء تشيلي -والتي كانت ستوجد عندما كانت الظروف أكثر رطوبة وتُحفَظ بشكل جيّد- فهذا خبر جيّد عندما يتعلق الأمر بالبحث عن وجود حياة قديمة في المريخ.

أساسًا، إذا كانت الكائنات الحية موجودةً على ظهر المريخ عندما كان أكثر دفئًا ورطوبة، فإنّ آثار تلك الحياة القديمة قد لا تزال موجودة كما أوضحت فيلهلم: «قبل أن نذهب إلى المريخ، كان بإمكاننا استخدام أتاكاما كمختبرٍ طبيعيّ، وبناءً على نتائجنا، نعدّل توقعاتنا حول ما يمكن أن نجده عندما نصل إلى هناك».

واليوم، قد يكون سطح المريخ أكثر جفافًا من أن تنمو الحياة عليه، ولكنّ أثر الكائنات المجهرية يمكن أن يدوم لآلاف السنوات ويساعدنا على تصميم أدواتٍ أفضل ليس فقط للبحث عن الحياة فوق وتحت سطح الكوكب، ولكن لمحاولة فكّ أسرار ماضيه البعيدة.

في المستقبل، ستسعى بعثاتٌ مثل مركبة المريخ 2020 التابعة لناسا إلى الحصول على عيناتٍ من تربة المريخ.

إذا أُخد بمقترح ناسا «رحلة الى المريخ» المخطّط له بحلول 2030، فيمكن إعادة هذه العينات إلى الأرض من أجل تحليلها، ومع الحظ، ستكشف هذه العينات من التربة دليلًا عن وجود حياة قديمة والتي ستثبت أنّ كوكب المريخ كان صالحًا للسكن.

نُشرت هذه المقالة من قبل Universe Today.


  • ترجمة: يحيى بعيج
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر