توصّلت دراسة حديثة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن مكافحة التغيّر المناخي ستكون أكثر صعوبة وتكلفة إذا لم نضع الطاقة النووية في استراتيجيتنا.

رغم عدة عقود من النمو السريع، بدأت الاستثمارات الأخيرة في الطاقة النووية تتعثّر وسط مخاوف من التكلفة والأمان.

واليوم يشكّل مصدر الطاقة منخفض الكربون 5 % من إنتاج الطاقة الأولية في العالم، إذ لا يوفّر سوى 11 % من الكهرباء العالمية.

مع تحديّات تغيّر المناخ يقترح مؤلفو الدراسة الجديدة بأن الوقت قد حان لإلقاء نظرة جديدة على هذه التكنولوجيا منخفضة الكربون، فالحاجة إلى تخفيض سريع وجذري في انبعاثات الكربون العالمية أصبحت أكثر صعوبة، خاصة عندما يتعيّن على الحكومات أيضًا ضمان توصيل الطاقة إلى المليارات من الناس.

في حين أن الدراسة لا تقترح التخلّي عن الحلول الأخرى المنخفضة أو الخالية من الكربون، فإنها تشير إلى وضع الطاقة النووية في الخطّة على الأقل حتى يمكن تحقيق إمكانات تلك التقنيات الجديدة بالكامل.

وتثبت التحاليل أن استخدام إمكانات الطاقة النووية أمر ضروري لتحقيق مستقبل طاقة في العديد من مناطق العالم، كما يقول جاكوبو بونجيورنو الخبير في سلامة وتصميم المفاعلات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وتبحث الدراسة الشاملة التي تتابع تقريرين من عامي 2003 و 2009 الحالة الراهنة للطاقة النووية في كل من الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي.

في حين قد يكون للبلدان اختلافات اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة، يقول المؤلفون إن الأساس الجوهري لتقييم تكاليف ومخاطر الطاقة النووية هي موحدة إلى حد ما.

وتشير النتائج إلى أنه اعتبارًا من اليوم ولعدة عقود قادمة ستكمن القيمة الأساسية للطاقة النووية في مساهمتها المحتملة في إزالة الكربون عن قطاع الطاقة.

عندما يتعلّق الأمر بقطاع الكهرباء يمكن للطاقة النووية أن يكون لها تأثير كبير.

وبحلول منتصف القرن سيتضاعف استهلاك الكهرباء تقريبًا ليصل إلى 45%، و يمكن للطاقة المتجددة أن تأخذ الكثير من هذا الطلب.

أما بحلول عام 2050 فمن المتوقع أن توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين البطارية نصف الكهرباء في العالم.

إذا تم استبعاد الطاقة النووية كحل آخر منخفض الكربون، سيحدث ارتفاع في متوسط ​​تكلفة الكهرباء بشكل كبير في جميع أنحاء العالم.

وخلصت الدراسة إلى أن المحطات النووية الجديدة ليست استثمارًا مربحًا في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية اليوم والتكلفة الرأسمالية لبناء هذه المصانع مرتفعة للغاية.

إن لم يتم تخفيض سعر هذه التقنية بطريقة ما لن تتمكن الطاقة النووية من لعب دور مهم في المستقبل.

الأمر متروك لحكومات العالم لتقرر كيفية تحقيق ذلك عمليًا، لكن البحث يقدم العديد من الاقتراحات المستندة إلى أدلة والتي تتضمن بروتوكولات السلامة.

يوازن العديد من هذه الاقتراحات بين قواعد السلامة المحسّنة والبدائل منخفضة التكلفة.

يقول جون بارسونز الذي يعمل في إدارة المخاطر المالية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن دور الحكومة سيكون حاسمًا إذا أردنا الاستفادة من الفرص الاقتصادية وإمكانات الكربون المنخفضة التي يمكن أن تقدمها الطاقة النووية.

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل المولدات النووية مكلفة للغاية اليوم هي أنها لا تعوّض بالكامل عن صفاتها منخفضة الكربون.

وبعبارة أخرى فإنهم في الغالب لا يتلقون إعانات ومزايا مالية كما تتلقى طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

إذا أُريد تحقيق هذا المستقبل يتعيّن على المسؤولين الحكوميين وضع سياسات جديدة لإزالة الكربنة تضع جميع تكنولوجيات الطاقة منخفضة الكربون (أي الطاقة المتجددة، والنووية، والوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون) على قدم المساواة مع البحث عن الخيارات التي تحفّز الاستثمار الخاص في التقدم النووي.

لجعل المفاعلات النووية أكثر أمانًا وأكثر فعالية من حيث التكلفة، أوصت الدراسة التي استغرقت عامين، بمجموعة كبيرة من التغييرات مثل بناء المنشآت النووية وفق نماذج وسياسات جديدة وتنظيم السلامة والترخيص.

على سبيل المثال يوصي المؤلفون بأن يتجنب صائغو القوانين إغلاق المحطات النووية الموجودة قبل الأوان، إذ لا يؤدي هذا فقط إلى تقويض الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات، بل يزيد من تكلفة تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في المستقبل، لأنه يلزمنا الآن في سد فجوة في إنتاج الطاقة.

ومن الناحية العملية قد يعني ذلك تطبيق ائتمان بدون انبعاثات، وهو الوقت الذي تدفع فيه الحكومات لمنتجي الكهرباء الذين لا يستخدمون الغازات الدفيئة في الإنتاج.

هذه الأنواع من السياسات موجودة بالفعل للطاقة النووية في الولايات المتحدة في نيويورك وإيلينوي ونيوجيرسي.

وتقترح الدراسة أيضًا أن تنظر الحكومات في السياسات التي تقلل تكاليف الترخيص التنظيمي وتقلل تكاليف البحث والتطوير وتكافئ التصاميم الجديدة الناجحة والآمنة.

ويقترح المؤلفون إعطاء الأولوية لتصميمات المفاعلات التي تم تحسينها لتخفيض تكاليف رأس المال بشكل كبير بما في ذلك تكاليف البناء.

على الصعيد الدولي يوصي الباحثون ببروتوكول قياسي لضمان مستوى عال من السلامة في تصاميم المفاعلات التجارية.

ويقول أحد المؤلفين المشاركين في البحث، ديفيد بيتي، وهو خبير في الطاقة النووية في مختبر أيداهو الوطني، إن التحول نحو التصنيع المتسلسل بشروط قياسية، بما في ذلك الاستخدام الأكثر للتصنيع في المصانع وأحواض السفن، يمكن أن يكون استراتيجية فعالة للحدّ من التكلفة في البلدان التي تكون فيها إنتاجية قطاع البناء التقليدي منخفضة.

في حين أن الدراسة لا تتناول التخلص من النفايات المشعة أو مخاطر الأسلحة النووية، لكن المؤلفين يقولون بأن سياسات الطاقة النووية هي مشكلة أكبر بكثير من الجانب التقني منها، وبالتالي تقع خارج نطاق البحث.

وخلص الباحثون إلى أنه على هذا النحو فإننا نفترض أنه ينبغي إعطاء اعتبار خاص للحفاظ على أسطول محطات الطاقة النووية الحالية كجسر لمستقبل بلا كربون.


  • ترجمة: أحمد طريف المدرس
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر