فقدت ميلبورن مكانتها كأفضل مدينة ملائمة للعيش لتحل وصيفة لـ فيينا بعد تربعها على عرش صدارة تصنيف أفضل المدن الملائمة للعيش لسبع سنوات متتالية.

هذه التصنيفات تندرج تحت مؤشر المقياس العالمي لرغد العيش والذي يقيّم الأماكن حول العالم التي توفر أفضل أو أسوأ مقومات العيش.

لكن هذه الأداة صُممت لتساعد الشركات على تقرير كمية المال التي ستدفع كـ” صعوبة معيشة” للموظفين الذين ينتقلون لمدن جديدة.

لهذا فإن مؤشر الرخاء يقترح أن المدن التي تتربع على قائمة أفضل المدن القابلة للعيش – مثل فيينا، ميلبورن وبعض المدن الأسترالية الأخرى- لا تحتاج إلى بدل معيشة إطلاقًا.

ولكن يوصي بدفع عشرين بالمئة كبدل معيشة لمدن تقع في قاع التصنيف مثل بورت موريسبي (عاصمة بابوا غينيا)، طرابلس وكراتشي.

بغض النظر عن الضجيج، فإن مؤشر الرخاء العالمي يركز على أشياء تُهم العمالة الوافدة أكثر من السكان الأصليين.

هذا مختلف بالنسبة إلى ما هو مهم لمتوسط المعيشة للمواطن في فيينا أو ميلبورن أو أي مدينة أخرى مثل سهولة تأمين السكن، القدرة على المشي، الوصول إلى المواصلات العامة وعدد ممرات الدراجات في الطرق.

ماذا يقيس المؤشر؟

يستخدم مؤشر الرخاء العالمي 30 معيارًا ليقيس خمس مجموعات لقابلية المعيشة: الاستقرار( الأمان)، الرعاية الصحية، والثقافة والبيئة، والتعليم والبنية التحتيّة.

26 من المعايير تُبنى على أحكام محللين ذوي خبرة ومراسلين ميدانيين ينشؤون في المدينة المراد القياس فيها.

النقّاد غير المعروفين يقيّمون مظهر المدينة؛ مقبولة، يمكن احتمال العيش فيها، غير مريحة، غير مرغوب أو غير مُحتمل العيش فيها.

لا يوجد معلومات مجانية متوفرة حول مؤهلات هؤلاء الحكّام ولماذا اختيرت هذه المجموعات لتقيّم مدى قابلية العيش في مدينة ما، وكيف يتم قياس المعايير في كل مجموعة.

التقرير النهائي مجاني أما التقرير المفصل فتُحدد قيمته بـ 620 دولارًا أمريكيًا والبيانات الحقيقية تُكلِّف تقريبًا 9210 دولارًا أمريكيًا. المعلومات الموجودة في المقالة مأخوذة من التقرير المجاني.

يبدو أن مؤشر الرخاء الدولي- بعيدًا عن جداول التصنيف المنمقة وجذب الانتباه الإعلامي- يتّخذ معايير تقييم غير شفافة لتقييم المدن.

لنأخذ على سبيل المثال مجموعة الاستقرار؛ فهي تتضمن الجريمة، الهجمات الإرهابية، الاضطرابات المدنيّة وتأخذ هذه المجموعة 25 بالمئة من إجمالي تقييم المدينة.

من أصل مئة نقطة، فإن مدن مثل ملبورن، وسيدني وأديليد حصلت على تقييم بخمس نقاط “استقرار” أقل من فيينا، أوساكا أو تورنتو. لكن ليس هناك معلومات حول كيفية وصول خبراء مؤشر الرخاء العالمي لهذا الاستنتاج.

بعض المعايير يمكن أن تقاس بطريقة موضوعية، كانتشار العنف أو الجرائم الصغيرة ( الجُنَح)، لكن ما يزال خبراء مؤشر الرخاء العالمي يعطونها تقييم معيّن. غير معروف ما هو نوع الجرائم التي تدخل في التقييم أو كيف يتم قياسها.

هناك معياران يقيسان جودة وتوفر التعليم الخاص، ولكن لا يوجد معايير مشابهة لقياس جودة وتوفر التعليم العام.

مع العلم أن معظم الطلاب (65.5 بالمئة) في المدارس الأسترالية يخضعون لتعليم حكومي.

لذا، بالنسبة للعائلة الأسترالية المتوسطة فإن توفر وجودة التعليم الحكومي أهم من التعليم الخاص.

والأهم من ذلك أن المؤشر يُغفل أشياءً مهمة جدًا تؤثر على معيشة قاطني المدن.

على الرغم من أن جودة السكن وتوفر وجودة التعليم الخاص متضمنة في معايير المؤشر، إلا أن معايير أخرى مثل قدرة تحمل تكاليف السكن، الازدحام المروري، قدرة المشي، قلة المواصلات العامة وممرات الدراجات ليست موجودة في مجموعات التقييم الخاصة بالمؤشر.

و هذه مشاكل حقيقية تواجه الأستراليين.

ما لا يقيسه المؤشر

حصلت كل من سيدني وملبورن على العلامة الكاملة فيما يخص مجموعة “البنى التحتيّة”، وهي تتضمن جودة المواصلات العامة والطرق، الروابط العالمية ، جودة مياه الشرب والاتصالات.

وهذا يبدو صحيحًا لقاطني هاتين المدينتين لكن ببحث معمق نجد أن بعض الضواحي – خاصة الموجودة على الأطراف المتحضرة- لا تتوفر لها كل هذه المواصفات.

المواصلات العامة عادة ما تكون غير متواجدة في الضواحي الخارجية، المؤشر لا يعتبر مدى توزع رغد العيش على طول مدينة بأكملها وإذا ما كان بعض سكانها يعانون من نقص في الخدمات.

المؤشر أيضًا لا يأخذ بالحُسبان الاستدامة البيئية. في دراسة تُقارن نتيجة قابلية العيش لمدن بالآثار البيئية لها، قد وُجد أن الآثار البيئية في فيينا أقل بالنصف من سيدني، وملبورن وبريسبين.

مع هذا فليس هنالك مدينة مستدامة بين المدن المذكورة سابقًا.

قياسات أفضل لرغد العيش

إذا أردنا إنشاء مدن قابلة للعيش فيها بحيث تشجع على جودة حياة مماثلة لساكنيها؛ فنحن بحاجة لمعايير شفافة وموضوعيّة.

المكونات الأساسية للعيش الرغيد في مدينة هي الأمان، الاستدامة البيئية، القدرة على تحمل نفقات السكن ونفقات المواصلات العامة، البنية التحتية التي تؤمن تجولًا آمنًا على الأقدام أو بواسطة الدراجات بالنسبة للموظفين، وسائل الراحة المطلوبة للمعيشة اليومية.

هذه المعايير مبنية استنادًا لبحث حول الصحة والرفاهية في المجتمعات.

اللهاث والسعي لإرضاء معايير المؤشر الدولي للرخاء لن تجعل من ملبورن أو أي مدينة أخرى مكانًا صالحًا للعيش.

بدلًا من هذا يجب على كل المستويات الحكوميّة التركيز على إنشاء وتنفيذ سياسات من شأنها رفع مستوى المعيشة لكل القاطنين في المدن.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر