تنص الفقرة رقم 20 من الدستور الياباني المكتوب عام 1946 على ما يلي: «الحرية الدينيّة مضمونةٌ للجميع، يجب ألا تحصل أي مؤسسة دينية على امتيازاتٍ من الدولة، ويجب ألا تمارس أي سلطةٍ سياسية. يجب على الدولة ومؤسساتها أن تحجّم التعليم الديني أو أي نشاطٍ ديني آخر».

في عام 2006 نشر ريتشارد دوكينز كتابه «وهم الإله» والذي بيعت منه أربع ملايين نسخة حتى الآن، وتُرجم إلى عددٍ كبيرٍ من اللغات.

في إحصائيةٍ حديثة، تبيّن أن 59% من سكان اسكتلندا لا دينيين و37% مسيحيين و4% يدينون بدياناتٍ أخرى، وهكذا للمرة الأولى في تاريخ اسكتلندا يتفوّق العلمانيون في العدد على المتدينين.

إذن، ماذا الذي يجمع بين دستور اليابان، كتاب دوكينز الأكثر مبيعًا، والنسبة المرتفعة للعزوف عن الدين في اسكتلندا المعاصرة؟

حسنًا، كلها تلتقي في مصطلحٍ واحد ألا وهو العلمانيّة؛ وهو مصطلحٌ يزداد استخدامه ويصبح مرتبطًا أكثر وأكثر بشكل العالم الحديث.

لكن ماذا تعني العلمانيّة؟ وإلى ماذا تشير؟

كأي مصطلحٍ واسع الاستخدام يُعنى برصد ظاهرة تجمّع المستويات الاجتماعيّة، والثقافيّة، والتاريخيّة، والسياسيّة، والفلسفيّة، فإن العلمانية ليست شيئًا محددًا، بل إنها مبنيّةٌ وموظّفةٌ من قبل أناس متنوعين بطرقٍ مختلفة، إذ تتضمن أفكارًا، وعملياتٍ، وتوجهاتٍ، وحوادث مختلفة، إن معنى العلمانيّة واستخدامها هو شيءٌ متباين.

نستطيع أن نحدّد ثلاثة أنواع أو مظاهر من العلمانيّة؛ الأول العلمانيّة السياسيّة، الثاني العلمانيّة الفلسفيّة، الثالث العلمانيّة السوسيوثقافيّة (الثقافيّة الاجتماعية).

تتداخل الأنواع الثلاثة وترتبط ببعضها بشكلٍ وثيق، وتُظهر سماتٍ متشعّبة وتجسّد معانٍ منفصلة، لهذا، فإنه من الأفضل التفكير بهذه الأشكال الثلاثة بشكلٍ مجازيّ كثلاثة أغصان تتفرّع من شجرة واحدة متوحدة بالجذر لكنها مستقلةٌ دون شك.

العلمانيّة السياسيّة:

وهي الأفكار والسياسات التي تحثُّ على الحفاظ على الحياة المدنيّة بعيدًا عن الهيمنة أو المظاهر المدنيّة، أي إبعاد الحكومة عن الأعمال الدينية وإبعاد المؤسسات الدينية عن أعمال الحكومة.

مثل هذه الغاية تُحقَّق بطرقٍ مختلفة، بعضها ناجح أكثر من الآخر، وبعضها قمعيٌّ أكثر من الآخر، لكن المهم هنا أن هذا المظهر من العلمانيّة ليس مرادفًا للإلحاد أو مناقضًا للدين.

بدلاً من ذلك، فإن هذا المظهر يجب عليه التعامل مع المظاهر الدينية التي تريد مكانًا في الحكومة، أو المجتمع المدني.

من رسائل توماس جيفرسون إلى التعديل الأول (شيء يخص الدستور الأمريكي) ومن العلمانيّة الفرنسية إلى دستور اليابان الحديثة، فإن العلمانيّة السياسيّة تُثمَّن غاليًا من قبل كثيرين من المتدينين واللادينيين بوصفها الطريقة المُثلى للحفاظ على حرية واحترام الدين، بينما تضمن تساوي الحقوق للأقليات الدينية أو أولئك الذين لا يعتنقون أي دين على الإطلاق.

العلمانيّة الفلسفيّة:

هي مصطلحٌ غطائيّ للسيطرة على هيكل الفكر، والكتابة، والنشاط الذي يسعى إلى النقد الديني، فضح ادعاءاته، تحدي سلطته الكهنوتية، وتحرير الأشخاص المؤمنين من إيمانهم وممارساتهم الدينيّة.

من الشكوك القديمة للوقريطيس (شاعر روماني) ووانغ تشونغ إلى الكتب الأكثر مبيعًا للملحدين الجدد، فإن العلمانيّة الفلسفيّة تضمّنت التقويض المباشر لادعاءات الحقيقة الدينيّة، انتقاد الممارسات الدينيّة والقادة الدينيين، الإصدارات الجدليّة المضادة للملحدين، والمظاهرات الاجتماعية المضادة للمتدينين.

العلمانيّة السوسيوثقافيّة:

وهي المظهر الأكثر انتشارًا للعلمانيّة: وهي إضعاف أو تقليص الدين في المجتمع خلال الحياة اليوميّة.

نحن نتكلم عن أشياء كمتاجر أكثر تفتح أيام الأحد، إمضاء الناس وقتًا أكبر على الإنترنت بدلًا من دراسة الإنجيل، تقليل عدد الناس الذين يرغبون أن يصبحوا كهنة أو راهبات، برامج تلفزيونية أو حفلات غنائية تسخر من الدين مع القليل من العنف في الطرح، وهكذا.

في الأساس، فإن العلمانيّة السوسيوثقافيّة هي ظاهرة سكانيّة وسوسيوتاريخيّة معًا، حيث يصبح اهتمام الناس فيها أقل وأقل بالدين.

تتضمن العلمانيّة السوسيوثقافيّة عددًا متعاظمًا من الناس في مجتمع يعيشون فيه بطريقةٍ علمانيّة؛ بحيث لا يعطون اهتمامًا لأشياء خارقة كالإله، الذنب، الخلاص، الجنة أو النار، ويصبحون غير مهتمين البتة بالنشاطات أو الطقوس الدينيّة، ويصبحون أقل ميلًا إلى اعتبار الدين مكوّنًا هامًا أو حتى هامشيًا في هويتهم.

باختصار، العلمانيّة السياسيّة تعني الفصل بين الدولة والدين، العلمانيّة الفلسفيّة هي مدرسة فكرية ترى أن الدين هو ظاهرة مؤذية أو خاطئة يجب فضحه والتخلص منه، أما العلمانيّة السوسيوثقافيّة فتعود إلى ظاهرة العَلمَنة وتعني الإضعاف أو التقليل من التدين من خلال الحياة اليوميّة.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر