عادةً ما يكون الشكُّ الذاتيّ مرادفًا لانعدام الثقة، وتدنّي احترام الذات، واعتقادٍ دائمٍ لدى الفرد بعدم فعاليته وقدراته، ما يُنتج صعوبةً في رفع التحديات بشكلٍ بنّاء.

العلاقة بين الشك والإيمان -مبدأيًا- علاقةٌ متعارضة، ولكنها تحمل أيضًا صبغة تآزر.

تُعدُّ الشّكوك الذاتية لدى الغالبية خاصيةً سلبية، وبالرغم من ذلك، فإن الشّك ضرورةٌ فكريةٌ وعاطفية.

التساؤل عمليةٌ ضروريةٌ للبقاء، لفحص البيئة المحيطة والتأكد من سلامتها من جهة، ولتقييم العلاقات الاجتماعية من جهةٍ ثانية، وتكمن ضرورته في دلالته على وجود خطبٍ ما يجب تغييره قبل حدوث كارثة.

من الناحية الاجتماعية، من المهم القدرة على قياس الثقة والوفاء؛ لأن السذاجة تجعل من الفرد هدفًا للاستغلال، وبالنسبة للأشخاص ذوي الطبع النرجسيّ، تزداد خطورة الشكوك الذاتية وتشكّل عائقًا أمام النضج بطريقةٍ سلسة.

التساؤلات وتجنّب التجارب

يتماشى طرح الأسئلة مع الفضول، ويساعد في تكوين مرونةٍ معرفيةٍ تعزّز بدورها الثبات وترتبط بصحةٍ نفسيةٍ جيدة.

عندما تكون الأمور على ما يرام، لا ضرورة تلحُّ على الشك والتساؤل، ولكن ما إن تسؤ الأوضاع حتى يصير الفضول الوسيلة الأمثل للتحسّن.

تربط الفضولَ وتجنّبَ التجارب علاقةٌ عكسية، تجنُّب التجارب مفهومٌ نفسيّ ينمّ عن حالةٍ مرَضية كما تبين العديد من الدراسات والبحوث، وتدل أيضًا على قلة اهتمام الفرد بنفسه، يتمثّل تجنّب التجارب في جميع المستويات بما في ذلك الأفكار، والأحاسيس، والتعرّف على الذات بشتى أشكاله، وهذا ما ينتج عنه تشوّهٌ في الصورة التي يكوّنها الشخص عن نفسه وعن الآخرين.

عندما يلجأ الأفراد لتجنّب تجاربهم كوسيلةٍ دفاعية، غالبًا ما تعود تلك التجارب لتطفو على السطح بأشكال أخرى، كسلوكياتٍ منحرفة، أو أعراض جسدية ونفسية.

الخيال

الفضول مصدر نورٍ يضيء ظلمات الجهل في الذات بكاملها أو بجزءٍ منها، ما يمكّننا من اكتشاف نواحٍ من ذواتنا وحياتنا لم نكن مطّلعين عليها من قبل.

لكن الفضول غالبًا ما يرافقه القلق من أمورٍ عدة، خصوصًا عندما يطال جوانب تحفُّها الريبة، وهذا ما يجعله أساسًا لكل التجارب.

الشكوك الذاتية أداةٌ فعّالةٌ لعلاج تجنّب التجارب، خصوصًا إذا كان الفضول منبعَها، يحمل طرح التساؤلات حول الذات طابعًا اختباريًا -ليس بمعنى امتحان- ولكنه كاختبارٍ حذِرٍ ومدروسٍ وبداية للتقدير.

جعل اللاوعي واعيًا

يتميز اللاوعي بكونه محيطًا شاسعًا، ويلعب الفضولُ دورًا كبيرًا على مستوى حدوده في تحفيز اللاوعي وتحويله إلى تجربةٍ واعية.

يمكن للفضول -كونه نابعًا عن حبِّ الاستطلاع- أن يأخذ صفاتٍ متعددةً حسب إرادة المخيلة، انطلاقًا من مجرد أن يطفو على سطح اللاوعي حيث تسهل استساغة المفاهيم، أو الدخول إلى العمق والبحث عن مفاهيم جديدة من مجرد عبث.

وبمجرد أن يجد الفضول عائقًا، تظهر فاعلية الشكوك الذاتية؛ على سبيل المثال، الشكُّ في ماهية تلك العوائق، مدى صلابتها، هل هي فعلًا عقبات أم مجرد توهّمات تستمدُّ قوتها من الخوف؟ قد تكون مجرد حِيَلٍ تحتمي بها النفس.

مع الشك التدريجيّ باستمرار، يمكن التغلب على كل العوائق في الطريق نحو تطوير الذات، الفضول هو ترياق الجهل وجلدِ الذات.

الشكوك الذاتية عمليةٌ تجري على الدوام في اللاوعي، وتعطي ثمرتها عندما تُمزَج مع حسٍّ ساخرٍ تجاه النفس ذاتها دون حقد.

بالإضافة إلى ذلك، عندما يسود الإحساس بالأمان مع الذات، يعطي الشك نتائج أفضل، ينتج عنها بدورها إحساسٌ إضافيٌّ بالأمان مع الذات.

الشك في السلبية، الشك في التفاؤل الخادع

حينما يشكُّ الشك في الشك؛ بمعنى عندما يبدأ الشك البنّاء بتقويض الشك الهدّام، نرى بوضوحٍ أن الشك لا يحمل طابعًا سلبيًا على الدوام.

الإيمان بصلاح الذات الجوهريّ يرتبط بالشكّ في خبث النفس الداخليّ.

الابتعاد عن تجنُّبِ التجارب -مع تفادي الانزلاق نحو دوامة الهوس بالذات- يُعتبر تحديًا، لكنه وسيلةٌ جيدة نحو كينونةٍ أفضل، أو على الأقل، يمكّننا من الشكَّ في قناعاتنا التي من المستحيل أن تتغيّر.


  • ترجمة: عبد العزيز برقوش
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر