لا يتوجّب أن تعلو ثقتك بالنفس عنان السماء طوال الوقت، في الواقع هناك منافع لفترات تشكك بها بنفسك. كتبت أليس بويز (Alice Boyes) في كتاب لها بعنوان (The Healthy Mind Toolkit): «كيف أتقبل في حياتي تقلبًا بين الثقة بالنفس وبين التشكيك بها؟ وكيف سيكون هذا أنفع لأخرج أفضل ما لدي؟».

لِمَ لا يجب التوجّس من التشكيك الذاتي؟

هناك فوائد ملموسة للشعور بعدم اليقين، إذ يمكنها أن تدفعك للعمل أكثر، ولتبحث أكثر عن عيوبك، ولتعرف الطرق التي تستطيع من خلالها لتتحسن. التشكيك الذاتي يجعلك أيضًا أكثر انفتاحًا لتقبل الآراء الأخرى، وتجعلك مستعدًّا لتقبل التغيير، وتسرُّ بدعم الغير لك؛ لأنك إذا شككت بذاتك، فإنك تستشعر الحاجة إلى الآخرين.

الحيلة هي أن لا نخشى من التشكيك الذاتي؛ فالأمر لا يبدو سارًّا نوعًا ما حين نقوم به، إلّا أنه يسبب ألمًا أشد إذا ارتعبنا منه. والتشكيك الذاتي لا يعني شيئًا كارثيًا. وكونك غير واثق من نفسك لا يعني أنّك عديم الفائدة -على سبيل المثال- فتتخذ قرارات خاطئة، أو يجعلك غير محبوب من قبل الآخرين. الشك شعور مفيدٌ عامةً إذ يشعر به البعض أكثر من غيرهم.

ما المشكلة في التشكيك الذاتي؟

التشكيك الذاتي ليس مشكلة بحد ذاته، لكنه يمكن أن يوقعك في مشاكل بشكل تصرفاتك. إذا ما تجنبت هذه الشراك، فإنّك تستطيع تجنب التداعيات السلبية الناتجة عن التشكيك الذاتي.

هذه خمسة أشياء تسبب الأذى للأشخاص غير الواثقين يقومون بفعلها أحيانًا:

١- يحتفظ الناس غير الواثقين بأفكارهم الجيدة لأنفسهم. إذا نقصتك الثقة بالنفس، فإنك ربما تهمل القدرات والمعارف لديك على أنها غير مهمة وتحسب بأنّ كل الناس يعلمون ما تعلم.

لا تفترض أن غيرك يمتلك نفس القوة ونفس طريقة التفكير التي تملكها، ففي حالات العمل الجماعي قد تخطر لك فكرة لا تخطر على بال غيرك أو ربما ينساها. تحدث ولا تحسب أن كلّ شخص قد فكّر بفكرتك من قبل.

أثر للتشكيك في ذاتك، في بعض الحالات الجماعية يبدو أحيانًا أن نوعًا مخصصًا من القدرة مرغوب به أكثر من غيره -على سبيل المثال المهندسون في شركتك مرغوبون أكثر من بقية الوظائف الأخرى- تذكّر: تنوّع العقول والخلفيات تَخَلُق المجموعة والفريق الكُفْء، حتى وإن لم يدرك الناس ذلك دائمًا. انظر النقطة 5 هنا.

٢- الناس غير الواثقين يبالغون في التفكير بدل أن يطلبوا مباشرة ما يريدونه.

من اليسير تعقيد الأمور على نفسك حين تبالغ بالتفكير بها، دون أن تدرك أنّك لم تطلب بعد ما تريده. الطلب قد يعطيك حلًا سهلًا لكنك إذا شككت بذاتك، قد تجد نفسك في موضع لا تستطيع من خلاله التعبير عن أدائك حتى.

تقول بويرز: «حصل لي هذا الموقف موخرًا حين كنت أحاول حجز ليالٍ في فندق من خلال مستخدمة نقاطًا مجانية، وكانت الغرف الوحيدة المتاحة للحجز عبر النقاط المجانية غرفة ذات سرير ملكي، وكنتُ بحاجة الى غرفة ذات سريرين منفصلين، وعبر الاتصال بالفندق وطلب ذلك منهم، استطعت أن أحصل على نوع الغرفة التي أردت عبر خدمة الحجز»، فقبل أن تبالغ في التفكير في أمر ما، تأكّد من طلبك المباشر لما تريده. قُم بهذا قبل نيتك التفكير في الحلول.

ولتستطيع طلب ما تريد، عليك أن تتحلى ببعض الأمل أن تلقى ردًّا بالإيجاب، مع الأخذ بالحسبان قدرتك على تحمل الرفض دون أن تدخل نفسك في دوامة. لَمِنَ الصحي نفسيًا أن تؤمن بقدرتك على طلب ما تريد إذا تقبلت فكرة عدم الحصول عليه دائمًا

ابحث عن أي أفكار خاطئة تجعل منك ميالًا للحزم -على سبيل المثال- فيجعلك ذلك غير محبوب أو تنفر الناس منك.

٣- الأشخاص غير الواثقين يُنيبون غيرهم من الناس اتخاذ القرارات، حتى وإنْ كانت تداعيات القرار تعود عليهم أكثر من أولئك الذين ألقي عليهم مسؤولية اتخاذ القرارات.

 إذا لم تكن واثقًا في مجالات معينة، لربما أنّبت غيرك لاتخاذ القرار عنك، حتّى وإن كانت أحاسيسك تخبرك بأنهم مخطؤون. مثال على ذلك، أنت قلق على استثمارتك، فتطلب النصيحة من استشاري الاستثمار الذي يعمل في مصرفك. من المنطقي معرفتك أن وظيفة هذا المستشار هو أن يطوف بك بين منتجات المصرف فسيشغل بالك أكثر من التفكير بما هو الأفضل بالنسبة لك.

بالطبع هناك حالة أن تُنيب أحدهم لاتخاد القرار يكون أخبر منك في مجال ما، لكن من الحكمة أنْ تحكِّم عقلك أيضًا. هذا عندما يكون تشكيكك باليد، فيستطيع تنبيهك حين تسير الأمور خاطئًا.

تمعن في الحالات التي يمكن أن تنيب بالقرار أحدهم لا يملك منطقيًا الدافع والنية لاتخاذ قرارٍ جيدٍ كالحال معك.

٤- الأشخاص غير الواثقين يفكرون كثيرًا في كيف يتأكدون من جعل ردة فعل غيرهم جيّدة تجاه تصرفاتهم.

هناك حدود لقدرتك على التحكّم بردات فعل الآخرين. مثال على ذلك، ربما وددت تقديم فكرة جديدة لزميلك في العمل، تفكّر مليًا ومليًا كيف ستخبره ما تود قوله وتتأكد أن فكرتك ستبلي البلاء الحسن.

أو ربما احتجت تقديم مقترح، وتريد أن تتاكد تمامًا أن الشخص الذي ستقدم له الاقتراح سيعجب به. سيأخذ ذلك منك أسابيع كي تقدم أيَّ مقترح، لأنك تتردد حول ما إذا كانت فكرتك جيدة بدرجة كافية تضمن بها ردًّا إيجابيًا، بدلًا عن ذلك قدّمْ أفكارًا متعددة، وجِدْ ما يفضله الآخرون.

والحيلة هنا هي تقبلك بكونك لا تستطيع أن تتحكّم تمامًا بردّات فعل أحد، وعليك أن تدرك أن محاولة فعل ذلك سينتج عنه شللٌ في اتخاذ القرارات. فكّرْ في كل العوامل الخارجية والأحوال التي تؤثر في ردة فعل شخص ما تجاه الفكرة، مثل توجهاتهم الخاصة، ومزاجهم في ذلك الوقت، والظروف الأخرى التي قد لا تخطر على بالك.

٥- الأشخاص غير الواثقين يسمحون لأخطائهم في الماضي في منعهم من اتخاذ تحركات هامّة في الحاضر.

لنقل مثلًا أنك اتخذت قرارات مالية سيئة قبل عشر سنوات، فتخاف من الوقوع في الخطأ ثانية، لذا لا تفعل شيئًا. ونتيجة لذلك لا تقوم بعمل شيء لحفظ بعض المال لفترة التقاعد ولربما فقدت فرص تأمين المعاش. أو ربما اتخذت قرارًا في الماضي في ترتيب تصميم البيت وندمت عليه، ثم ترغب في تعديل التصميم في بيت جديد، لكن خيارك السيء في الماضي يمنعك من ذلك.

وللعلم هذا النوع من التمنع يسبب في الأغلب توترًا في العلاقات، فحين يرغب منك شريكك أن تمضي قُدُمًا تكون أنت خائفًا من عمل أي شيء.

وبدلًا من هذا التمنّع الكلي، تعرف على أول شيء تحتاجه لتتعلم من أخطاء ماضيك.

أضف إلى بالك -كذلك- أننا نتعلم غالبًا من خلال الأفعال أكثر مما نتعلمه من خلال التفكّر والدراسة. خوض التجربة مع تحركات صغيرة أو متحفظة بحيث يكون تبعات الأخطار في أدناها، وتحرّصْ الإحاطة بمخاطر وكلفة التراخي.

الخلاصة:

فترات من التشكيك الذاتي لا يخشى منها، فبإمكانها أن تمنحك فوائد ملموسة ولكنها مصحوبةٌ ببعض الشراك. حين تفهمها يكون باستطاعتك استخلاص إيجابيات التشكيك الذاتي وتقلص سلبياتها.


  • ترجمة: لُبيد الأغبري
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر