صادف يوم الجمعة 20 يوليو 2018 الذكرى السنوية التاسعة والأربعين لأول خطوة خطتها قدم بشرية على أرضية صلبة خارج كوكب الأرض.

التفاصيل مألوفة: في 20 يوليو 1969، أصبح (نيل أرمسترونج –  Neil Armstrong)  و (باز ألدرين- Buzz Aldrin) أول من سارا على القمر.

إنّها فرصة نادرة لم يحظ بها الكثيرون، فحتى الآن، عشرة أشخاص فقط هم من هبطوا على سطح القمر وخرجوا للتنزه.

وبعد ثلاث سنوات، سار البشر على القمر للمرة الأخيرة.

تغيير الأولويات السياسية والاقتصادية أدى إلى تغيير أولويات ناسا وعدولها عن إرسال البشر إلى القمر.

إذ قاموا بالفعل بنصب العلم على السطح، وتأكدوا من أنّ القمر لم يكن مصنوعًا من الجبن، لعبوا بعض الجولف.

ما الذي تبقى لم يفعلوه؟

على أيّ حال، يبدو أنّ الولايات المتحدة ستعود إلى هناك -قريبًا.

فقد أصرّ الرئيس ترامب على استئناف المهام المأهولة إلى القمر، على الرغم من أنّ هذا القرار لا يحظى بتأييد المجتمع العلمي أو الشعبي لبرنامج الفضاء، إذ لا يعرف حقيقة الدافع وراء قراره، ويبدو أنّ الأمر مجرد نزوة.

ومن الأسباب التي تدفعنا لإرسال شخص إلى الفضاء: استثمار الأموال، وتطوير العلوم واستكشاف أمور جديدة، لهذا دعونا نكتشف الأسباب الاعمق التي تدفعنا للعودة إلى القمر.

لدى ترامب إرادة حقيقة للتنفيذ:

في ديسمبر 2017، وقع الرئيس ترامب توجيهًا يشير إلى أنّ وكالة ناسا ستعطي الأولوية لاستكشاف الإنسان للقمر وما بعده.

إنّ وضع قدم الإنسان على القمر يعد إنجازًا مستحيلًا من شأنه أن يُظهر أمام بقية العالم أنّ أمريكا قادرة على تحقيق أشياء عظيمة، والتي تؤكد هيمنتها على الساحة الدولية!

وعليه، بفرض أنّ الرئيس ترامب يدرك أنّ الأمريكيين قد فازوا بسباق الفضاء قبل 43 سنة، قد تكون هناك أسباب أخرى وراء رغبة ترامب في زيارة المزيد من البشر للقمر.

ربما يكون ذلك عرضًا لإنجاز وطني، أو ربما بهدف تطوير مزايا ومصالح اقتصادية أو عسكرية.

في كلتا الحالتين، هذا يدفع البيت الأبيض نحو تحقيق هذه القفزة العملاقة بقوة.

السيولة المادية:

يحتوي القمر-وكذلك المشتري، ولكن من الصعب الوصول إليه- على العنصر نظير الهيليوم النادر ( هيليوم -3 helium-3 ) والذي يساعدنا إنتاج طاقة نووية نظيفة وآمنة دون ترك أيّ نفايات خطرة أو مشعة، ورغم عدم وجود مفاعلات اندماج الهيليوم النووية حتى الآن، فإنّ الكثيرين يتوقعون أنّ الهيليوم -3 قد يكون الحجر المفقود – ومن سيؤمّن إمداداته سينافس (السيد البخيل- Scrooge McDuck) في ثراءه .

قبل عامين، منحت الحكومة الاتحادية امتيازًا لشركة (مون إكسبرس- Moon Express) الخاصة من أجل الهبوط على سطح القمر للمرة الأولى، وتخطط الشركة لنقل الرماد البشري إلى سطح القمر للعملاء الذين يريدون حرق جثثهم بطرق غير تقليدية، وصولًا إلى هدف نهائي وهو إنشاء مستعمرة تعدين قمرية.

تخطط شركة (هارفست مون- Harvest Moon) وفقًا لموقعها على الانترنت، للإسراع بإرسال محطة أبحاث دائمة وتشغيلها بحلول عام 2021.

وحينها سيبدأ استخراج العينات والمواد الخام لإرسالها إلى الأرض.

قد يؤدي ذلك إلى إجراء أبحاث أكثر وأفضل عن سطح القمر وتاريخه، خاصة وأنً العينات من مهمات أبولو محدودة للغاية، ولكن ما تبحث عنه شركة مون إكسبرس والحكومة الصينية، هو مخزن الهيليوم 3.

وبالإضافة إلى فتح المجال أمام عمليات التعدين الخاصة، سمح ترامب لناسا باستخدام تقنيات الوكالة في تشغيل منصات (حفارات) التعدين على القمر وعلى الكويكبات.

لكن قبل أن تبدأ هذه الرحلات بطرح ثمارها، ويبدأ البشر بجني الأرباح، يجب علينا معرفة الكثير من المعلومات، مثل كيفية الاقتراب والهبوط على سطح الكويكبات، وإنشاء قواعد شبة دائمة والمباشرة بعمليات التعدين، لكن رغم كل هذا لا زالت الشركات تنشأ وتتقدم نحو هدفها.

العلم وفي قول آخر التأهب لمهام المريخ:

إنّ للحكومة وأصحاب المليارات المهتمين بالفضاء، بعض الخطط المعروفة لاستعمار المريخ. وتختلف دوافعهم في ذلك من تعزيز البحث العلمي واستكشاف الكون بدافع الفضول، وصولًا لإنقاذ البشرية من أي خطر محدق.

يمكن للقمر أن يلعب دورًا حيويًا في هذه الخطط – فهو بمثابة تجربة لِما يمكن أن يحدث في التحليق خارج الأرض -كما أنّه بمثابة محطة سماوية في منتصف طريق السفر الطويل للفضاء الخارجي العميق.

في فبراير 2018، قال وزير التجارة ويلبر روس- (Wilbur Ross) إنّ إقامة مستعمرة على القمر ستكون ضرورية لاستكشاف الفضاء في المستقبل. وأشار إلى إمكانية استعمال كمحطة للتزود بالوقود.

واستند في ذلك إلى أنّ جاذبية القمر أقل من جاذبية الارض، وعليه فإنّ إطلاق الصواريخ من على سطحه يسمح لها بالوصول لمناطق أبعد.

لقد اقترح البعض استخدام القمر كمحاكاة لمستوطنات المريخ، حيث ستكون أقرب بكثير إلى الأرض – إذ يبعد القمر عن الأرض ثلاث أيام، في المقابل يبعد المريخ عن الأرض ثمانية أشهر.

وفقًا مجلة (الـتايم-Time) يمكن للمهمة (بوابة ناسا-NASA’s Gateway)، أن تؤدي إلى بناء مستوطنات قمرية خلال السنوات العشر القادمة.

ستعمل البوابة كمحطة فضاء في مدار حول القمر، ولكنها ستكون قادرة على الانتقال من وإلى سطح القمر.

ويشكل الجدول الزمني لهذا المشروع جدلًا حتى بين أعضاء ناسا، إذ يقول البعض أنّ الجدول أكثر تفاؤل من الواقع.

لا يزال هناك الكثير من المجهول والمخاطر التي يواجهها الأشخاص في المستوطنات الفضائية لكي ينجح هذا البرنامج اليوم. حتى محاولة محاكاة مستعمرة المريخ على الأرض أدت إلى العديد من الاعتلالات العقلية والمضاعفات غير المتوقعة.

ولكن في جميع الأحوال، تواصل البعثات الاستكشافية والبحثية المستمرة تغيير فهمنا للقمر بشكل جذري.

قال (ريان زيجلر-Ryan Zeigler)، أمين متحف الطيران والفضاء الأمريكي في الوكالة، عن عينات القمر من بعثات أبولو: «قبل عشر سنوات كنا قدّ قلنا أنّ القمر جاف تمامًا.

لكن على مدى السنوات العشر الماضية، أظهرت أدوات جديدة وعلماء جدد أنّ الأمر ليس بهذا الشكل، لقد كان لهذه الاستنتاجات تأثير عميق على النماذج التي وضعت للتنبؤ بكيفية تشكل الأرض والقمر».

بالطبع، هناك أسباب مالية متحكمة في البعثات الأخيرة لاستكشاف القمر. ولكن حتى لو كان له تأثير جانبي بسيط (طفيف)، فقد نحصل على علوم جديدة قيّمة من هذه البعثات أيضًا.


  • ترجمة: مصطفى العدوي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر